يتضح من تقرير موسّع للمحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أمس الجمعة، أن قطاع غزة لا يزال يُشكّل مكمنَ القلقِ الإسرائيلي كنقطة الانطلاق الرئيسية المحتملة للتصعيد المقبل بوجه الاحتلال.
و خلافاً للدعاية التي يحاول وزير الحرب "الإسرائيلي"، موشيه يعالون، بثها بشأن انخفاض وتراجع ألسنة لهب الانتفاضة الفلسطينية، يتضح أن الاستنتاجات الأساسية عند الجهات العسكرية والحربية في "إسرائيل"، ترى عكس ذلك تماماً، وتعتقد أن الانتفاضة الفلسطينية الحالية ستستمر لفترة طويلة، على الرغم من عدم رفدها بحراك شعبي فلسطيني واسع على شكل تظاهرات شعبية ومواجهات واسعة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وبحسب هرئيل، فإنه على الرغم من أن خطر اندلاع المواجهة المقبلة، قد يأتي كشرارة أولى من التنظيمات والفصائل الصغيرة العاملة في قطاع غزة، وبعضها من المنظمات الجهادية والسلفية، التي كانت مسؤولة أخيراً عن عمليات مختلفة مثل إطلاق قذائف من منطقة السياج الحدودي مع الاحتلال في رسائل لحركة "حماس"، إلا أن الاحتلال يولي أهمية واهتماماً بتحركات "حماس" في الفترة الأخيرة، ورصد تصريحات قادتها ونشاطها في إعادة بناء قوتها العسكرية.
وفي هذا السياق، يقول هرئيل إن التقديرات لدى الاحتلال تشير إلى أن "حماس" تمكّنت في الآونة الأخيرة من ترميم جزء من منظومة أنفاقها التي تمتد بعضها داخل الأراضي المحتلة ، بعد أن كانت قد تضررت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف عام 2014.
ومع إشارة هرئيل إلى أن جيش الاحتلال يواصل البحث عن حل تكنولوجي يُمكّنه من تعقّب هذه الأنفاق وتحديد مكانها الدقيق، إلا أنه يعترف بأن "حماس" لا تزال تسبق جيش الاحتلال في هذا السياق بخطوة واحدة على الأقل، ولا سيما أن حكومة الاحتلال لم تحدد بعد ميزانية واضحة لمنظومة حماية وتحصين السياج الحدودي، بالتوازي مع خطوات ووسائل إضافية لضرب الأنفاق وتُقدّر حكومة الاحتلال الكلفة المحتملة لهذه الخطة بما لا يقل عن 700 مليون دولار أميركي.
ويكمن القلق الإسرائيلي بشكل خاص، كما تقول التحليلات الإسرائيلية، من احتمال إطلاق الجناح العسكري في حركة "حماس" شرارة المواجهة المقبلة من دون الرجوع بالضرورة لقيادة الحركة السياسية، مما سيترك إسرائيل في حالة لا تقدر بالضرورة على منع أو إحباط عملية كبيرة، مثل محاولة اختطاف جنود إسرائيليين أو حتى مواطنين مدنيين عبر أحد الأنفاق.
وفي هذا السياق، يلفت هرئيل إلى كلام عضوين معارضين في الكنيست، من أعضاء اللجان الفرعية السرية للجنة الحرب والخارجية التابعة للكنيست، ممن شاركوا في وضع تقرير اللجنة الخاص بالعبر والاستنتاجات من العدوان الأخير. ويعتبر العضوان أن المواجهة المقبلة ستكون مع حركة "حماس" في قطاع غزة.
وبحسب هرئيل فإن عومر بار ليف، من حزب "المعسكر الصهيوني"، (وهو نجل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق حاييم بار ليف) اتهم حكومة بنيامين نتنياهو بالتساهل مع عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه غزة، والسعي لتبنّي سياسة احتواء بدلاً من إشهار وتطبيق سياسة واضحة كالتي سادت عشية العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
في المقابل، فإن زميله من "يش عتيد"، عوفر شيلح، الذي اشتهر بكونه محللاً عسكرياً ووضع عدة كتب حول الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل، اتهم كلاًّ من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ويعالون، باتباع سياسة "الشلل والركض الموضعي في الطريق إلى الحرب المقبلة". واعتبر شيلح في هذا السياق أن العملية الأخيرة على السياج الحدودي مع قطاع غزة، عندما قام طيران الاحتلال باستهداف خلية فلسطينية كانت تحاول زرع عبوة ناسفة عند السياج، هي شكل من أشكال التصعيد الذي سيفضي في نهاية المطاف للمواجهة المقبلة مع حركة "حماس". وربط شيلح ذلك "بمحاولة حركة حماس تشكيل خلايا عسكرية في الضفة الغربية لتنفيذ عمليات داخل الضفة"، معتبراً أن ذلك يدلل على أن "العدو" وإن كان لم يقرر بعد الخروج لحرب جديدة، إلا أنه مستعد لها.
واتفق شيلح، في هذا السياق، بحسب التقرير المذكور، مع تقديرات لدى جهات عسكرية إسرائيلية أيضاً، ترى أن بقاء الوضع الحالي في القطاع، واستمرار الحصار من دون تحرّك إسرائيلي لعملية إقليمية ودولية واسعة لإعادة إعمار غزة، سيشكّل عامل ضغط على "حماس"، ولا سيما أن الأوضاع الاقتصادية في القطاع باتت اليوم أسوأ من التي سادت قبل العدوان الأخير.
ويفسح التقرير حيزاً للاتصالات والتحركات التي انطلقت قبل نصف عام بغية التوصل إلى معادلة تُمكّن من إقامة ميناء بحري للقطاع، لكن تم إجهاضها من قبل المستوى السياسي الإسرائيلي.
لكن القلق الإسرائيلي لا يقف عند مآل الأمور في قطاع غزة. إذ يشير تقرير هرئيل إلى استمرار مساعي الاحتلال وضباطه ومستواه العسكري لفك شيفرة "انتفاضة الأفراد" وآفاق استمرارها، من خلال ما يكشف عنه من "زيارات" و"لقاءات" تحقيق، لم يسبق لها مثيل، يقوم بها قادة ألوية في جيش الاحتلال لمقاومين من الضفة الغربية حاولوا تنفيذ عمليات طعن أو دهس، لمعرفة دوافعهم.
ويلفت التقرير إلى أن قادة الألوية العسكريين يخرجون بشكل عام باستنتاج واضح بأن "حالة الإحباط وانعدام الأفق والرغبة في الانتقام من استشهاد أقرباء برصاص الاحتلال" تُشكّل الدافع الرئيسي لمحاولاتهم تنفيذ عمليات الدهس.
وبمعزل عن محاولات الاحتلال المتواصلة لوقف الانتفاضة الفلسطينية منذ انطلاقها في القدس، ولاحقاً تحوّلها إلى عمليات فردية شبه يومية، وخصوصاً في منطقة الخليل وعند مفترق التكتل الاستيطاني غوش عتصيون، مع استهداف عناصر الاحتلال والمستوطنين، فإن اللافت في استنتاجات القيادات العسكرية من قيادة "المنطقة الوسطى" في جيش الاحتلال المسؤولة عن الضفة، هي القناعة التي ترسخت بشكل عام عند قيادات عسكرية ميدانية وعناصر الاستخبارات العسكرية، بأن هذا النمط من العمليات لن يختفي بل سيتواصل، وأن علاجه ليس بأيدي الجهاز الاستخباراتي، ولا بمحاولات جمع معلومات عن الأفراد الذين يقررون تنفيذ عمليات، خصوصاً أن المعطيات التي جمعها الاحتلال في هذا السياق تنفي صفة التنظيم العسكري أو الانتماء إلى فصيل فلسطيني منظم.
ويخلص التقرير إلى القول إنه حتى لو شهدت العمليات الفردية حالات مد وجزر، إلا أن أحداً في قيادة الجيش الإسرائيلي ولا في قيادة جهاز الاستخبارات العامة، "الشاباك"، لا يوهم نفسه بأن الانتفاضة الثالثة ستختفي قريباً.