حقق الديمقراطيون فوزاً غير متوقع في الانتخابات النصفية للكونغرس بفوزهم في مجلس الشيوخ. والتساؤلات هنا: ما أهمية مجلس الشيوخ ومكانته في النظام السياسي الأمريكي والسلطة التشريعية؟ وما هي سلطاته؟ وما هي آليات عمله؟
مجلس الشيوخ أو المجلس الأعلى هو المجلس الثاني في الكونغرس، إلى جانب مجلس النواب، والمجلسان لهما نفس الصلاحيات في سلطة سنّ القوانين، فلا قانون يصدر إلا بموافقة المجلسين.
ووفقاً للدستور الأمريكي وطبيعة النظام السياسي، يتكون مجلس الشيوخ من مئة عضو، لكل ولاية نائبان بصرف النظر عن عدد سكانها، وهو بهذا يحقق مبدأ المساواة بين الولايات، ويحقق الرغبة في الاستقلالية التي تحتفظ بها كل ولاية من خلال الكونغرس. فالفيدرالية، وإن قامت على مركزية السلطة الاتحادية وقوتها، فإن لكل ولاية سلطات تتمتع بها من كونغرس محلي، وحاكم ولاية ونظام قضائي، وكلها تأتي بالانتخاب، وهذا يعطي للولايات قدراً من السلطات، ويعطي لمجلس الشيوخ سلطات ينفرد بها، يشارك فيها الرئيس الذي يمثل السلطة التنفيذية.
ومن هنا، فالتعرّف إلى هذه السلطات يلقي الضوء على أهمية السيطرة على مجلس الشيوخ. ومن سمات مجلس الشيوخ أن رئاسته لنائب رئيس الولايات المتحدة، وهنا رئاسته لكامالا هاريس، وفي حال تعادل الأصوات فصوتها هو المرجح. وبهذه الآلية يسيطر الديمقراطيون على المجلس، إلى جانب أن لهم 50 صوتاً.
والأهمية الثانية للمجلس هي شهرة ومكانة أعضائه ونقاشاته التي تصل إلى كل المواطنين في الولايات المتحدة. فسمعة ومكانة مئة غير سمعة ومكانة 435 نائباً لمجلس النواب، وغالباً يأتي المرشح للرئاسة من الشيوخ. والأهمية الثالثة للمجلس هي في السلطات التي ينفرد بها في مجالات الشؤون الخارجية والحرب والتعيينات.
فسيطرة الديمقراطيين على الشيوخ قد تسهل إدارة الرئيس بايدن في مجال الشؤون الخارجية. فسلطة التعيينات تفتح أمام الرئيس المجال واسعاً في حرية الاختيار وخصوصاً تعيين القضاة في المحاكم الفيدرالية خلال العامين القادمين، بالشكل الذي يريده، وتعديل تركيبة المحكمة الاتحادية العليا التي استغلها الرئيس السابق دونالد ترامب في تعيين قضاة محافظين مؤيدين له، وذلك في حال خلوّ أي مقعد فيها بسبب الوفاة أو الاستقالة. ولن يكون بإمكان الجمهوريين إعاقة تعيين يختاره الرئيس.
ولا يزال الديمقراطيون يتذكرون عام 2016 عندما منعت أغلبية جمهورية بزعامة ميتش ما كونيل، حتى عقد جلسة استماع لمرشح الرئيس باراك أوباما. وتشمل التعيينات كل المناصب الكبرى الحكومية، بما فيها الوزراء والسفراء. وللمجلس لجنة للشؤون الخارجية تتم فيها مساءلة ومناقشة حتى وزير الخارجية وكبار المسؤولين.
وللمجلس أيضاً سلطة مهمة ومحورية في التصديق على المعاهدات والاتفاقات الدولية التي يعقدها الرئيس بايدن، لكن لا تعتبر المعاهدات نافذة من دون تصديق المجلس. وتمتد سلطات المجلس إلى مسألة الحرب، وإرسال القوات المسلحة إلى الخارج، والفترة المسموح بها، وقرار إعلان الحرب. مثال ذلك صدور قانون صلاحيات الحرب عام 1973 حول حق الفيتو للرئيس ريتشارد نيكسون، لمعالجة الحالات التي يمكن أن يقر فيها إرسال القوات المسلحة في الخارج، وكيف يمكن للرئيس القيام بعمل عسكري إلى جانب ذلك، ولا يكتمل القانون إلا بموافقة مجلس الشيوخ.
ويبقى أن مجلس الشيوخ لا يعمل بمفرده، فمجلس النواب له سلطاته وصلاحياته التي يمكن أن تشكّل تحديات لإدارة الرئيس بايدن في العامين القادمين في كثير من القضايا، وخصوصاً تمويل الحكومة. وتعني الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب أن الأجندة التشريعية للرئيس بايدن، كما يرى الكثيرون، قد فقدت زخمها ما لم يتمكن من التوصل إلى حلول وسط. وستركز إدارة بايدن خلال ما تبقى من الحكم على الحفاظ على ما أنجز مثل قانون مشروع خفض أسعار الأدوية، واستثمار مئات المليارات من الدولارات لمعالجة تغير المناخ.
وفي الوقت ذاته يعبّر المشرعون الجمهوريون عن رغبتهم في التراجع عن بعض ما تم إنجازه في عهد إدارة بايدن، فعيونهم على الانتخابات الرئاسية القادمة بما يخدم مرشحهم. ويذهب المشرعون أبعد من ذلك في لجنتي الرقابة والقضاء للتحقيق في بعض القضايا مثل أصل فيروس كورونا، وانسحاب القوات من أفغانستان، لكن الجمهوريين في الوقت ذاته، لا يملكون الأغلبية التي تسمح لهم بالذهاب بعيداً، خصوصاً أن العديد من القرارات والسياسات لا تكتمل إلا بموافقة مجلس الشيوخ، ولذلك فمن المتوقع أن تعمل الحكومة في العامين القادمين في إطار ما يعرف بنظرية «البطة العرجاء»، والتوصل إلى القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة والمساومة، وهذه من سمات النظام السياسي الأمريكي.