استيقظت الأم على صوت ابنها الرضيع وهو بالكاد يلتقط أنفاسه، حملته بين ذراعيها عله يهدأ قليلاً وتُحدد سبب بكائه، لكِنه استمر في البكاء دون توقف، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كانت درجة حرارة جسده مرتفعة ما قد يُلحق برضيع مثله بالغ الضرر.
اصطحباه والداه إلى مستشفى كمال عدوان للأطفال شمال قطاع غزّة، وفي التشخيص الأولي تبيّن أنَّ الطفل الذي أتعبه البكاء والألم، مصاب بفايروس المخلوي التنفسي respiratory syncytial virus، والذي يبدو بأعراضه عند الرضع عبارة عن تنفس سريع وقصير الوتيرة وغير عميق ومجاهدة أثناء التنفس، حيث ينسحب الجلد والعضلات للداخل مع كل نفَس، مع سُعال وارتفاع في درجة الحرارة.
فايروس "المخلوي التنفسي" لا يقتصر على الرضع فقط فهو يصيب الكبار أيضاً، ويكاد لا يخلو أيّ منزل في هذا الوقت من السنة من وجود أفراد مصابين به ممن يُعانون ويتألمون، وما أنّ يبدأ جسدهم بالتماثل للشفاء حتى يُصاب غيرهم من أفراد العائلة بالفايروس ذاته نتيجة العدوى.
في داخل أروقة قسم الاستقبال بالمستشفى عدد كبير من الأطفال الذين يصرخون ويتألمون، بعضهم تحملهم أمهاتهم تحت صنبور المياه لتخفيض حرارة جسده، والبعض الآخر يُوضعون تحت جهاز التبخيرة لتفتيح الشعيبات الهوائية لهم وتخفيف الألم قليلاً ومساعدتهم على التنفس.
كان الأب الأربعيني يجلس بين طفليه، الأول يبلغ من العمر 7سنوات والآخر 4 سنوات، وجوههم شاحبة ونحيلة وكأنهم مستسلمين لمرض لعين قيّد حركة الطفولة التي جُبلوا عليها.
ويقول لمراسلة وكالة "خبر": "توجهت إلى إحدى عيادات وكالة الغوث "الأونروا"، بعد أنّ أصيبا بارتفاع في درجات الحرارة، صاحبه آلام في المفاصل والعظام، وسُعال متقطع، وقد وصف لي الطبيب علاج لهما لمدة 4 أيام وأخبرني أنّهما مُصابان بالإنفلونزا الموسمية، لكِن حالتهما لم تتحسن بل ارتفعت الحرارة، وقد دب هذا الأمر الرعب والخوف في قلبي وجئت إلى المستشفى، ساورني الشك أنّ يكونا مصابين بفايروس كورونا، لكِن الطبيب شخّص حالتهما بأنّهما مصابان بفايروس المخلوي التنفسي، نتيجة عدوى مدرسية، حتى أنّ باقي أبنائي بدأوا بالشعور بالأعراض ذاتها التي أصيب بهما هؤلاء الاثنين".
أما أم أحمد، التي تحمل صغيرها بين ذراعيها وتنتظر دورها كباقي المرضى أمام غرفة الطبيب، بجسدها النحيل ووجهها المغطى بكمامة تكاد تتنفس منها بصعوبة، تقول لمراسلة "خبر": "أنا مصابة بعدوى الإنفلونزا وقد أصيب رضيعي وزوجي أيضاً، جميعنا نُعاني من ذات الأعراض، لكِن لأنّنا كبار يُمكننا تحمل الألم، أما أحمد مازال صغيراً ولم يبلغ من العمر سوى ثلاثة أشهر، وليس لديه مناعة من الأمراض، ومنذ أسبوع ونحن نُعاني ولا فائدة من العلاجات، حتى أصبح الجميع يخاف من الاقتراب منا ظناً منهم أنّنا مصابون بفايروس كورونا".
طبيب الأطفال، محمد أبو ندى، أشار إلى أنَّ أعراض الفايروس المنتشرة هذه الأيام تظهر غالبًا بعد 4-6 أيام من الإصابة بالفيروس، مُوضحاً أنَّ أعراض الفايروس المخلوي التنفسي بالنسبة للبالغين والأطفال الأكبر سناً، تُسبب عادةً أعراضًا خفيفة تُشبه الزكام، تتضمن "سيلان الأنف أو احتقانه، السعال الجاف، الحمى الخفيفة، التهاب الحلق، العُطاس، الصداع".
وأكّد أبو ندى، خلال حديثه لمراسلة "خبر"، إلى أنّه في الحالات الشديدة يُمكن أنّ تنتقل عدوى الفيروس المخلوي التنفسي للمجرى التنفسي السفلي، مُسببةً التهاب الرئة أو القصبات، وهي الممرات الهوائية الصغيرة المؤدية إلى الرئة، وقد تشمل العلامات والأعراض، "الحُمّى، السعال الشديد، الأزيز — وهو صوت حاد يُسمع عادةً خلال الزفير، التنفس السريع أو صعوبة بالتنفس، وازرقاق الجلد بسبب نقص الأكسجين (الزُراق)".
شاهد: فيديو لطفل رضيع مُصاب
ولفت أبو ندى، إلى أنَّ الرُضّع هم أشد الفئات تأثرًا بالفيروس المخلوي التنفسي، حيث تشمل علامات وأعراض الإصابة الشديدة بالفيروس المخلوي التنفسي لدى الرُضّع، تنفس سريع وقصير الوتيرة وغير عميق، المجاهدة أثناء التنفس، حيث ينسحب الجلد والعضلات للداخل مع كل نفَس، السعال، التغذية السيئة، تعب غير معتاد (خمول)، الانفعال.
وأضاف: "يتعافى معظم الأطفال والبالغين من أسبوع إلى أسبوعين، لكِن قد تتكرر ظاهرة الأزيز لدى البعض".
وعن سُبل الوقاية من هذا الفايروس، أوضح أبو ندى، أنّه لا يوجد لقاح لهذا الفيروس، لكِن يُمكن للعادات الحياتية التالية أنّ تُساعد في منع انتشار العدوى وتتمثل في:
- غسل اليدين بشكل متكرر وتعليم الأطفال أهمية غسل اليدين.
- تجنُّب التعرُّض للمرض، وتغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس، مع الحد من مخالطة الطفل للأشخاص المصابين بالحُمّى أو الزكام.
- الحفاظ على نظافة البيئة المحيطة والمقتنيات ومن المهم الحفاظ على نظافة المطبخ والحمام وأسطح الطاولات ومقابض الأبواب وغيرها من الأسطح التي تُلمَس باستمرار.
- يجب التخلص من المناديل المستعملة فورًا.
- عدم مشاركة أكواب الشرب مع الآخرين. يجب استخدم كوب شرب خاص لكل شخص أو أكواب أحادية الاستخدام في حال مرض أي شخص. ويُنصح بوضع ملصق على كل كوب لتحديد صاحبه.
- الامتناع عن التدخين، الأطفال الذين يتعرضون لدخان التبغ أكثر عرضة للإصابة بعدوى الفيروس المخلوي التنفسي واحتمال الإصابة بأعراض أكثر حدة. بالنسبة للمدخنين، يجب الامتناع مطلقًا عن التدخين داخل المنزل أو السيارة.
أما عن العلاجات التي تُعطى للمريض في هذه الحالة، فيوصى بمسكن مثل الأسِيتامينُوفين "تايلينول أو وغيره" لتخفيف الحمى، مع التنبيه بعدم إعطاء الأسبرين للأطفال أبدًا.
وبالحديث عن العناصر المساعدة التي تُخفف من أعراض الألم، فهي استخدام البخاخة الملحية الأنفية والشفط في التخلص من الاحتقان الأنفي، مع تقديم الكثير من السوائل للطفل ومراقبة أيّ أعراض تدل على الجفاف، مثل جفاف الفم أو قلة البول أو عدمه، أو أنّ تصبح العينان غائرتان، أو الهياج أو النعاس الشديدين.
وختم أبو ندى، توصياته بأنّه إذا كانت عدوى الفايروس المخلوي التنفسي شديدة، فيُفضل أنّ يبقى في المستشفى تحت الملاحظة لتقديم السوائل له من خلال الوريد، والأكسجين المرطَّب جهاز التنفس "وذلك في حالات نادرة".
وكانت وزارة الصحة في غزة قد حذّرت من انتشار فيروسات موسمية تُصيب الجهاز التنفسي في فصل الشتاء، حيث لفت نائب مدير عام الرعاية الأولية في قطاع غزة، رامي العبادلة، في تصريح سابق، إلى انتشار مجموعة من الفيروسات الموسمية التي تُصيب الجهاز التنفسي، وهذه الفيروسات تنشط بصورة كبيرة مع دخول فصل الشتاء، وانخفاض درجات الحرارة.
وقال العبادلة: "إنّه رغم اختلاف الفيروسات عن بعضها، إلا أنّها متشابهة إلى حد كبير من حيث الأعراض، منها الإنفلونزا الموسمية، وما يُسمى "الفيروس المخلوي"، إضافةً لفيروسات تُسببها نزلات البرد".
وأوضح أنَّ هذه الفيروسات تُصيب كافة الفئات العمرية، لكِن كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والمناعة الضعيفة، هم الأكثر تأثراً بأعراضها، وتعرض الجهاز التنفسي لديهم لالتهابات حادة.
وفي ظل انتشار الفايروس بشكل كبير وانتقال العدوى للكثيرين خصوصاً بين الأطفال في المدارس، طالب أهالي التلاميذ إدارة التربية والتعليم بإقفال المدارس وإعطاء الطلبة إجازة ريثما ينتهي هذا الفيروس الذي يتلذذ في الهجوم الشرس على أجساد أطفالهم.
لكِن التربية والتعليم ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، كان لهما رأي آخر وهو أنّ الأمر لا يستدعي إجازة أو إغلاق المدارس، بقدر ما هو إتباع لإجراءات السلامة بين الطلبة، مع الالتزام بارتداء الكمامة، وعدم إرسال الأطفال المصابين بالإنفلونزا للمدراس لكي لا ينتشر الفايروس بين بقية الطلاب.
وكالة "خبر" تابعت مُجريات انتشار هذا الفايروس بين المواطنين، ورأيهم في مواصلة التربية والتعليم فتح المدارس كما هو معتاد وكانت كالتالي: