التقيت في شارع صلاح الدين بالقدس الشرقية وهو اهم واكبر شوارعها، بأحد اصدقائي القدامى الاعزاء والذين احترم تاريخ علاقتي معهم. جلسنا في مقهى صغير وبدأنا نتبادل الحديث العام، ثم تطرق الى ما اكتبه منذ سنوات وقال لي هل تزعل من مصارحتي ؟ قلت له بالعكس تماما وإني ازعل من عدم المصارحة. قال اسمع اذن، وبدأ يتكلم.
قال لا تزعل من الصراحة، وانت تعرف انك صديق واخ منذ ايام مدرسة المطران. قلت له صدقت في ما تقول ولن ازعل وانما احترم الصراحة والكلام الصادق غير المجامل.
وبدأ يتحدث
قال انت ، منذ نحو اربعين سنة، وانت تكتب بأمانة وصدق وموضوعية الى حد كبير، فماذا كانت نتائج كتاباتك الطويلة هذه ، وماذا غيرت ومن استجاب لها او حاول تنفيذ بعض ما جاء فيها؟
قلت له هذا سؤال ايجابي، وأنا اعتقد ان كثيرين تعجبهم مقالاتي وآرائي، وحين يتصل كثيرون منهم معي هاتفيا او حين نلتقي بالصدف، يعربون لي عن التقدير والصراحة، ويطالبون بأن اتابع الكتابة، ويذكرون بعض النقاط والمواضيع في بعض المقالات.
وأنا اعترف ان هذا الكلام مفيد لي شخصيا ولكنه لا يؤثر لا من قريب او بعيد في المواضيع والنتائج. وفي بعض الاحيان أبدأ افكر ماذا افعل. وأصل الى نتيجة ضرورة وأهمية مواصلة الكتابة ولكن بصدق اوضح وباختصار لأن القراء اليوم لم يعودوا يقرأون اكثر من ذلك.
كما اني احسست ان كل الذين يكتبون اذا توقفوا عن الكتابة فإن الوضع سيكون أسوأ فمهما كان عدم الاهتمام او عدم التجاوب مع ما هو مكتوب ومطلوب، ولو قليلا سيكون الأسوأ، خاصة في ما يتعلق بالفساد بالسلطة وأزلامها. ودخلت في ذهني المعادلة بين الواجب المفروض والاقتراح المرفوض. وتخيلت لو توقف جميع الكتاب عن الكتابة هل سيكون الوضع افضل .. والجواب ، في تقديري، بالتأكيد لا ، ولكن على من يكتب ان لا يكون المقال مجرد صف كلام. وارجو ان تكون هذه النقطة موضع اهتمام ومراجعة ومتابعة ممن يعنيهم الامر و مهتمين بالوضع.
وأتأمل من يقرأ هذا المقال ان يبدي رأيه ويقول ذلك بكل صراحة لأن لدي قناعة قوية ان النملة يمكن ان تحرك الفيل اذا عرفت اين تقرصه.والكتاب، وبالدرجة الاولى اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين ، وهما يتحملان المسؤولية الاولى ، ونحن نسمع عن اجتماعات لها دون ان نرى شيئا عمليا غير تكرار الكلمات والبيانات.
ارجو ان تكون هذه الكلمة صرخة تدوي في آذان من يعنيهم الامر.. وسيكون للامر بقية ان شاء الله ، لتحليل النتائج وردود الفعل المحتملة.
واشهد لله اني اقول هذا الكلام بكل صراحة وصدق وموضوعية ولغرض خدمة التعبير عن الرأي وتقوية الصحافة، والوصول بالرسائل الفعالة الى الجهات ذات الاختصاص والمسؤولية والقيادة التي تبدو في واد والناس في واد آخر.
هذا وستكون للموضوع بقية حسب التداعيات.