الديمقراطية وحالة منظمات العمل الأهلي

thumb.jpg
حجم الخط

بقلم محسن أبو رمضان

 

 

 نشأت منظمات العمل الاهلي من مبادرات العمل الطوعي والتي كان لها دور في تعزيز الطابع الشعبي للانتفاضة الشعبية الكبرى.

اخذت منظمات العمل الاهلي طابعًا ممأسسًا ومهنيًا بعد تأسيس السلطة حيث أصبحت تعمل في قطاعات وتخصصات مختلفة.

أدركت منظمات العمل الأهلي طبيعة المرحلة التي تلت تشكيل السلطة بوصفها تتداخل بها المهمات الوطنية مع المهمات البنائية.

دفع هذا التشخيص العديد من المنظمات باتجاه تقديم الخدمات الاغاثية والتنموية لصالح الفئات الاجتماعية الضعيفة والمهمشة من جهة وكذلك الضغط لتبني قوانين وتشريعات عادلة ومنصفة لها وكذلك الدفع باتجاه تعزيز الحكم الصالح ومحاربة الفساد وهدر المال العام وتوسيع مساحة الحرية والديمقراطية وصيانة مبادئ حقوق الانسان بالمجتمع وبما يشمل الحق بالرأي والتعبير والتجمع السلمي واحترام التعددية الحزبية والنقابية والدفع باتجاه الانتخابات الدورية كوسيلة للتداول السلمي للسلطة واداة للمسائلة والمحاسبة والمشاركة وتدوير النخب .

تعرضت منظمات العمل الاهلي كجزء من نسيج المجتمع المدني للعديد من التحديات أبرزها الاحتلال ورصده لنشاطها والتحريض ضدها واتهامها بأنها معادية للسامية او منخرطة بأنشطة تدعم (الارهاب) اي المقاومة.

أعلنت دولة الاحتلال عن سبعة منظمات تعمل في تخصصات مختلفة بوصفها منظمات تدعم (الارهاب) اي المقاومة.

ضغطت دولة الاحتلال علي منظمات التمويل الدولية لتضع الأخيرة شروطًا سياسية علي عملية التمويل.

تدفع بعض أطراف التمويل الدولي المنظمات الاهلية باتجاه تنفيذ مشاريع لا تستقيم بالضرورة مع اهداف العمل الاهلي وبما يساهم في تبني منظور العولمة والليبرالية الجديدة بعيدًا عن اهداف الصمود والكفاح من أجل إنهاء الاحتلال وتحقيق حقوق شعبنا بالحرية والاستقلال والعودة.

وتدفع بعض منظمات التمويل باتجاه تشجيع مشاريع التطبيع بعيدا عن التركيز على حقوق شعبنا وبالمقدمة منها حقه في تقرير المصير.

عانت منظمات العمل الاهلي من الانقسام وتداعياته علي مبني هذه المنظمات الأمر الذي اثر على مسيرة عملها.

افرزت سنوات الانقسام الطويلة دون انتخابات حكما مركزياً الأمر الذي دفع (الحكم) باتجاه سن العديد من القوانين والقرارات واتخاذ العديد من الإجراءات باتجاه تقليص الحيز العام بما يشمل الحق بالرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.

تبرز مخاطر مركزة الحكم في بلورة نخبة سياسية تستفيد من مكانتها لتحقيق المصالح والمكتسبات الخاصة علي حساب السواد الاعظم من الفئات الاجتماعية وخاصة الفقيرة منها والمهمشة.

وتبرز كذلك في تعميق التمايز الطبقي والاجتماعي من خلال اضمحلال الطبقة الوسطى واندماج قطاعات منها داخل الطبقة الفقيرة.

وتظهر مسألة مركزة الحكم في غياب المشاركة وتعطيل عمل المؤسسات ذات الصلة بآليات الرقابة والمسائلة والمحاسبة وقد تم التعبير عن ذلك من خلال إلحاق جهاز القضاء بالسلطة التنفيذية وتجميد عمل المجلس التشريعي وتشكيل المحكمة الدستورية.

ان مركزة الحكم يؤدي الى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والقوانين والقرارات التي تحد من مساحة الحريات وتعمل على تقليص الحيز العام بما يشمل القيود على حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والحق في تكوين الجمعيات وعدم الاكتراث بمصالح الفئات الاجتماعية المتضررة. 

تم التعبير عن رفض مركزة الحكم عبر العديد من الاضرابات النقابية وابرزها اضراب نقابة المحامين وكذلك اللجوء الي سياسة تحجيم الاحتجاج على الحقوق الديمقراطية والمطلبية عبر وسائل عدة من فرض القيود.

برزت خلال فترة الانقسام العديد من الحراكات المطلبية الشبابية وغيرها ومنها الحراكات التي تطالب بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وصيانة الحريات العامة الا انها حجمت وتم انهاؤها بوسائل التحكم والسيطرة والقوة.

من الهام العودة للديمقراطية التي قلصت مساحتها بصورة كبيرة بسبب الانقسام وحالة الاستقطاب الحاد وذلك عبر اللجوء الي لغة الحوار والاحتكام لصندوق الاقتراع لإعادة بناء المؤسسات التمثيلية الفلسطينية على اسس ديمقراطية وتشاركية.

نحن بحاجة لإجراء الانتخابات بالاتحدات الشعبية التابعة للمنظمة وكذلك بالبلديات والنقابات والأندية الرياضية وغيرها.

ونحن بحاجة الى فصل السلطة عن المنظمة أيضًا وإعادة بناء الأخيرة على اسس ديمقراطية وتشاركية بوصفها الجبهة الوطنية العريضة والقيادة الموحدة لإدارة دفة الكفاح الوطني في مواجهة حكومة اليمين الفاشية والعنصرية في دولة الاحتلال.

أصبحت معظم الجمعيات مشغولة في تسيير أمورها وإزالة المعيقات التي تعترض عملها والتي كان آخرها النظام الخاص بالشركات غير الربحية والتي تتضمن آليات تحت بنود (مكافحة غسيل الأموال والإرهاب ).

يتم ذلك بالوقت الذي تلعب به منظمات العمل الاهلي دورًا هامًا في تعزيز الصمود والتمكين التنموي وبرصد الانتهاكات الاحتلالية تجاه حقوق الانسان وتعزز من اواصر العلاقة مع قوى التضامن الشعبي الدولي.

توجد مصلحة حقيقية لكل هيئات ومؤسسات المجتمع ومنها منظمات العمل الاهلي بإنهاء حالة الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية ولعل المدخل الرئيسي باتجاه ذلك يكمن بالتمسك بأحد بنود اتفاق المصالحة (لم الشمل )والذي أعلن بالجزائر والقاضي بإجراء الانتخابات العامة لكل من المجلسين التشريعي والوطني والرئاسة.

ان الانتخابات ستساهم بوقف سيل القوانين والقرارات وتعيد تشكيل النظام السياسي على اسس ديمقراطية ووفق مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء وتعزز آليات الرقابة والمسائلة والمحاسبة وتضمن المشاركة وتمكين الترابط في مبنى النظام السياسي وتحقق التلاحم بالنسيج الاجتماعي.