هل من بديل في علاقات دولة بدولة أخرى؟ هذا السؤال تم ترديده في مناسبات كثيرة على مستوى العلاقات العربية بغيرها من الدول، وخصوصاً في أعقاب زيارة الرئيس الصيني للرياض وعقد القمة الصينية -السعودية والقمة الصينية - العربية - الخليجية؟ وتردد هذا السؤال فيما يتعلق بالدور الأمريكي على مستوى القضية الفلسطينية؟ ولذلك أعود لصياغة التساؤل: هل من بديل للعلاقات مع الولايات المتحدة والصين أو روسيا؟ الأساس في العلاقات الدولية المصالح الوطنية أولاً، ثم التقارب في الرؤى السياسية والأيديولوجية، والأهم في مكانة وقوة الدولة على سلم القوة الدولية، وفي المحددات الاقتصادية والتقارب الجغرافي، وفي التهديدات التي تواجها الدول، وفي شكل التحالفات الدولية والإقليمية.
وكما يقال في السياسية لا تضع البيض في سلة واحدة. التنوع في العلاقات والشراكات الدولية أحد أهم الأسس التي تحكم سياسات الدول وعلاقاتها الخارجية. ويقال أيضاً في السياسة الدولة «عدو عدو صديقي»، و«عدو اليوم صديق الغد» و«صديق اليوم عدو الغد». وهذا معناه أن الأساس هي المصالح الحيوية والوطنية للدولة. وفي ضوء التطور التاريخي للعلاقات العربية -الأمريكية والعربية - الصينية والعربية -الأوروبية يمكن القول ابتداء أنه لا بديل للعلاقات العربية الأمريكية ولا بديل للدور الأمريكي في تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. لكن ليس معنى هذا أن تبقى هذه العلاقات أسيرة هذا الإطار الضيق وإلا تحولت لعلاقة تابع بمتبوع، وهذا معناه فقدان استقلالية القرار وممارسة السيادة الوطنية، وتقليص مصالح الدولة، وعدم مراعاة التحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية. فلا يمكن للدول العربية والخليجية مثلاً تجاهل دور الصين اليوم في سلم القوة الدولية، ولا تجاهل التراجع في قوة الولايات المتحدة كقوة عالمية أحادية. فهناك تحولات واضحة في بنية النظام الدولي القائم، ولا شك أن هناك تحولات وتداعيات فرزتها وما زالت تفرزها الحرب الأوكرانية، على مستوى الطاقة والمناخ والعلاقات الدولية.
ولو نظرنا للعلاقات من منظور التطور السياسي للدول العربية مثل السعودية ومصر والإمارات لرأينا أن هذه الدول تشهد تغيرات سريعة في بيئاتها وبيئة سياساتها. فلا يمكن لهذه الدول أن تعود لسياساتها القديمة ولا تستجيب لتطورات بيئتها السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، ورؤية قياداتها لدور ومكانة دولها في النظام الدولي.
تاريخياً نظرت الولايات المتحدة للمنطقة على أنها إحدى مناطق النفوذ التابعة لها ولا يجوز لأية دولة أخرى النعامل معها بمعزل عن إرادتها، وكان من أهم مبادئ السياسة الأمريكية ضمان تدفق النفط بأسعار معقولة. ولكن من منظور مصالح الدول المعنية فقد توجد رؤية ومصالح أخرى تستوجب المراجعة في العلاقات والتكافؤ والتوازن. وهذا ما رأيناه في قرار النفط الأخير في أعقاب الحرب الأوكرانية وتخفيض الإنتاج النفطي، القرار هنا من منظور مصلحة الدول ذاتها ومصلحة الاستقرر العالمي. فلم تعد السعودية ولا الإمارات ولا مصر ولا غيرها من الدول أسيرة الرؤى القديمة، فالسعودية اليوم تحكمها رؤية مستقبلية كما الإمارات ومصر، وهذه الرؤى الوطنية تحتم على هذه الدول بناء شراكات استراتيجية دولية مع كافة الدول وخصوصاً، دول بوزن الصين وروسيا، ودول إقليمية كالهند وماليزيا وباكستان. وليس معنى ذلك التخلي عن الدور الأمريكي الذي لا يمكن تجاهله تاريخياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً. فما زال للولايات المتحدة دورها وتحالفاتها، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل قوة هذه الدول وأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية.
والإشكالية في العلاقات نمط ثنائية التفكير الأمريكي وتقسيم العالم من هذا المنظور لقوى شر وخير في زمن بوش الابن والعالم الديمقراطي والآخر الاستبدادي، هذا النمط لم يعد هو الحاكم في عالم يتغير نحو القطبية الثنائية. وهذا ما يفسر لنا عمق العلاقات مع الصين وتفسير زيارة الرئيس الصينى للرياض في تحول واضح للعلاقات. وأنهي بمقولة لوزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل عام 2004 في لقاء مع الصحفي ديفيد أوتواى: العلاقة بين السعودية وأمريكا ليست زواجاً كاثوليكياً. مع مراعاة أن الولايات المتحدة تعتبرحليفاً استراتيجياً في مجال التسلح والاستثمار والرؤية الأمنية... وما ينطبق على السعودية ينطبق على مصر والإمارات وغيرها من دول المنطقة.