يستعد الاقتصاد الروسي لدخول عام 2023 وهو في وضع غير مستقر، نتيجة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي انطلقت في 24 فبراير الماضي، وما نتج عنها من عقوبات فرضتها الدول الغربية ليخسر الاقتصاد الروسي نحو 80 مليار دولار، ما يعادل العجز في الناتج المحلي الإجمالي بواقع 4.5 بالمئة لعام 2022.
وتلقى الاقتصاد الروسي على مدى 10 أشهر أكثر من ستة آلاف عقوبة في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والبنكية والعسكرية والعلمية، فضلاً عن فرض حد أقصى لسعر برميل النفط الخام الروسي المنقول بحراً عند 60 دولاراً.
ويرى خبراء اقتصاد أن عام 2023 لن يكون سهلاً على الاقتصاد الروسي، لكنهم في الوقت ذاته أكدوا أن هذا الاقتصاد "تمكن من الصمود بعد 10 أشهر من العقوبات والمقاطعة الأوروبية والأميركية بعد أن توقعت جهات ومؤسسات دولية عدة انهيار الروبل وانكماش الاقتصاد بين 10 و20 بالمئة.
ويوضح الخبراء أنه في أسوأ الحالات لن يتجاوز انكماش الاقتصاد الروسي مع نهاية العام 4.5 بالمئة، وفقي أفضل الحالات 3.5 بالمئة، مشيرين إلى أن "الروبل صمد نتيجة إصرار روسيا على أن تكون المدفوعات بالنسبة للطاقة وخصوصاً الغاز لمن يشتري بالروبل".
ووفقا لوزارة التنمية الاقتصادية الروسية سينخفض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 بنسبة 2.9 بالمئة، وفي عام 2023 من المتوقع حدوث انخفاض بنحو 0.8 بالمئة.
وفي حديثه قال الخبير الاقتصادي وضاح الطه: "بعد مرور نحو 10 أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية تمكن الاقتصاد الروسي من الصمود أمام شدة العقوبات والمقاطعة من الاتحاد الأوروبي والويات المتحدة الأميركية، وجراء هذه العقوبات كان من المتوقع أن ينخفض الاقتصاد الروسي خلال عام 2022 نحو 10 بالمئة لكن نتيجة الإجراءات التي اتبعتها الحكومة الروسية وتحديداً البنك المركزي، يُرجح أن ينتهي العام على انخفاض بين 3 إلى 4 بالمئة وهذ أمر طبيعي في ظل ظروف حرب واسعة النطاق.
وكان رهان الدول الغربية على انهيار الروبل وبالتالي رضوخ روسيا للقبول بشروط وقف إطلاق النار لكن ذلك لم يحصل، بل الذي حصل هو العكس تماماً، بحسب الطه، الذي أوضح أن الروبل تمكن من الصمود نتيجة إصرار روسيا على أن تكون المدفوعات بالنسبة للطاقة وخصوصاً الغاز لمن يشتري بالروبل الروسي ما دفع الكثير من الشركات الغربية للدفع بالروبل مقابل المشتريات وبالتالي حصلت روسيا على احتياطي من اليورو جراء عمليات الصرف الرامية لشراء الروبل.
ويضيف الخبير الاقتصادي الطه: "كانت هناك تحضيرات جيدة بالنسبة للبنوك الروسية إذ خضعت لاختبارات وسيناريوهات قاسية بما فيها قطع الاتصال بنظام "سويفت" أو التحويلات الإلكترونية، حيث تمكنت حتى الآن وعلى مدى 10 أشهر من عقد اتفاقيات مع الصين والهند ودول أخرى بأن تكون التجارة البينية بالعملات المحلية تجنباً لاستخدام الدولار، فضلاً عن أن إيرادات ضرائب استخراج المعدان التي تدفعها الشركات الروسية عززت الموازنة الروسية".
ويشرح الطه فيما يتعلق باقتصاد روسيا في العام 2023 أن الموازنة تكتفي بسعر 45 دولاراً لبرميل النفط لكي توازن النفقات وهذا يعتبر من أدنى الأسعار في موازنات الدول المنتجة للنفط، حيث يتراوح سعر البرميل في موازنات الدول الأخرى المنتجة للنفط بين 70 و80 دولاراً وأحياناً يفوق الـ 90 دولاراً، لافتاً إلى أن الأولوية في موازنة عام 2023 هي تمويل الحرب، حيث جاء ثلث المصروفات جاءت تحت بند "الأمن" كما انخفضت المصروفات على الاقتصاد بشكل عام من 4.5 تريليون روبل إلى 3.5 تريليون روبل، فضلاً عن أن 25 بالمئة من الموازنة جاءت تحت بنود سرية.
وينوه الطه إلى التوسع في الإنتاج الحربي والذي يشكل ثلث الموازنة الروسية وذلك لإنتاج الدبابات والصواريخ بدلاً من إنتاج السيارات حيث أنخفض إنتاج السيارات بشكل واضح لصالح التوسع في إنتاج الدبابات والصواريخ.
ويختم الطه قائلاً: "عام 2023 لن يكون سهلاً على الاقتصاد الروسي، ولكن بالمقابل أصبح لدى روسيا خبرة كبيرة وتدبير مسبق للتعامل مع سيناريوهات مختلفة".
من جهته، يقول مستشار الطاقة الدولي عامر الشوبكي: "كانت التوقعات نتيجة 8 حزم واسعة من العقوبات أن ينكمش الاقتصاد الروسي بشكل كبير وخاصة في بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، حتى أن جهات ومؤسسات دولية عدة توقعت انكماشه بين 10 و20 بالمئةـ وهذا لم نشهده على أرض الواقع، إذ أن انكماش الاقتصاد الروسي لن يصل في أسوأ الحالات مع نهاية عام 2022 إلى 4.5 بالمئة وفي أفضلها إلى 3.5 بالمئة، لكن حجم خسائر روسيا جراء الحرب بلغت نحو 80 مليار دولار ما يعادل العجز في الناتج المحلي الإجمالي بواقع 4.5 بالمئة لعام 2022.
وبالنسبة لأداء الاقتصاد الروسي في عام 2023، أوضح أن الحرب لاتزال مستمرة والعقوبات التي تسري على الاقتصاد الروسي والحظر الأوروبي على خام الأورال لا تزال مستمرة وبالتالي فإن الأزمات الاقتصادية قائماً أيضاً، لكنه توقع أن تكون مقاومة الاقتصاد الروسي في 2023 أكبر من مقاومته في 2022.
ورجح الشوبكي انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة أقل من 2022 لتصل في أحسن الظروف إلى 2.5 بالمئة، معتبراً ذلك طبيعياً مقارنة مع حجم العقوبات الكبيرة التي وقعت على الاقتصاد وحرمانه من جزء كبير من الإيرادات التي كانت ترفد الخزينة من بيع الطاقة إل أوروبا سواء الغاز والنفط.
وعلى الرغم من الحظر الأوروبي والسقوف السعرية على النفط الروسي حيث كانت التوقعات تشير إلى انخفاض الإنتاج بواقع مليون برميل يوميا، إلا أن روسيا وجدت منافذ لتصريف نفطها في الصين والهند وتركيا لتصبح هذه الدول من أكبر مستوردي النفط الروسي، بحسب مستشار الطاقة الدولي الشوبكي.
المصدر: سكاي نيوز عربية