تتسارع وتيرة الموت في وطننا لتواكب وتائر السرعات التكنولوجية المنتشرة في العالم ، كسرعة الانترنت على سبيل المثال لا الحصر ، و بالكاد تستطيع مدينة نابلس دفن كوكبة شهدائها ، هذا إذا نجحت في الحصول على جثامينهم ، حتى تسقط كوكبة اخرى في جنين ، و قبل استكمال استعدادات احياء ذكرى الاربعين لمن قضوا ، تكون كوكبة اخرى في مدينة ثالثة قد ارتقت الى باريها ، و هكذا دواليك . و مع تزايد الاعداد بمثل هذه الوتيرة ، يسكننا الحزن على مدار أيام السنة ، بغض النظر عن فصولها ، و تعجز الذاكرة عن الاحتفاظ بكل الاسماء والاعمار و العناوين و التفاصيل والملابسات بسبب تزايد الاعداد ، باستثناء عائلاتهم و اقرب مقربيهم . حتى الاعياد القومية والدينية ، تعجز لأن تعيد الينا صفاءنا و هدأة ارواحنا وسط كلاشيهات اعلامية و فصائلية ممجوجة مكررة كالنعي والدعاء والتنديد واحيانا التهديد الفارغ والانتقام الجبار واقتراب وعد الآخرة ، حتى ظهر احتفال حركة فتح في ذكرى انطلاقتها الثامنة والخمسين في غزة ، فاخرج هذا الناس من قوقعات يأسهم ، وأعاد الى قلوبهم الكسيرة بعضا من أمل غاب عن محياهم ردحا طويلا من الزمن ، هو زمن الانقسام والتشرذم بين الحركتين الكبيرتين التي تمنع هذه تلك من الاحتفال بانطلاقتها ، و كأن غزة اصبحت مزرعة لحماس و الضفة حسبة لفتح .
إن قرار حماس السماح لفتح بإحياء انطلاقتها على هذه الشاكلة الرائعة ، أعادت للجماهير شيئا من رونقها المتطلع نحو مستقبل ما زال واعدا بالتحرر والاستقلال والعلاقات الاخوية السوية بين ابناء الشعب الواحد والشعار الناظم ، لا انتصار بدون الوحدة الوطنية والحد الادنى من ترسيم وترسيخ المفاهيم الديمقراطية و حرية الرأي والمعتقد بما في ذلك الرأي السياسي و المعتقد الديني .
لقد حظيت حماس في قرارها هذا بالكثير من الاشادات والثناءات ، و هو – القرار – بمثابة نقلة نوعية في الوعي المتنامي لدى قادتها ، والذي أعقب قرارا نوعيا آخر المتمثل في الاعتذار عن خطيئتها في سوريا ، و على الرغم انها اتخذت قرارا اصعب من قرار السماح بإقامة الاحتفال ، يوم اتفقت مع فتح على خوض الانتخابات التشريعية في قائمة واحدة و برئيس واحد ، و هو ما عرف باتفاق الرجوب والعاروري ، الا ان قرار الاحتفال اكثر نضجا و عمقا و شأوا ، لأنه ببساطة يخرج الحركة من شرنقة الكهف الى رحاب الشمس واحترام الاختلاف مع الآخرين .
إننا نحث حماس على المزيد من هذه الخطوات الوطنية والسياسية والاجتماعية ، فهي الكفيلة ان تجعل من الحركة ، اي حركة ، اقرب الى الناس والجماهير ، والعكس هو الصحيح ؛ الانغلاق والقمع والمنع والزجر والسجن والتعذيب ، يجعل من الجماهير و قواها الحية عدوا لها حتى لو كان الفضل يعود لها في معركة التحرير . أليس هذا هو تاريخ حركات تحررنا في وطننا العربي الذي ما زالت مقدراته نهبا لأعدائه ؟؟؟