إلى أين تتجه الحرب الروسية الأوكرانية ؟ بات السؤال الأكثر قلقاً مع مؤشرات خطرة باتت تفرض نفسها وتشير لعزم تحالف بات يعلن عن جرأة أكبر بدعم لا محدود لأوكرانيا تجاوز الخطوط الحمر التي كانت روسيا قد هددت بها.
والآن تنفتح المخازن الأميركية في إسرائيل وتعلن كل من ألمانيا وبريطانيا أن دباباتهما ستدخل ساحات المعارك عبر الجيش الأوكراني.
بات واضحاً أن هناك تغيراً قد طرأ في الأشهر الأخيرة تزايدت حدته في الأسابيع والأيام الماضية بأن التردد الذي ساد في بداية الحرب حسم أمره لصالح الدخول بقوة، معلناً هدفه بوضوح هزيمة روسيا.
ومع غياب الحديث عن مفاوضات وتسويات يصبح الأمر مدعاة للخوف وسط عالم لم يعد السلاح التقليدي هو قوته الوحيدة. فكل أطراف الصراع مباشر أو غير مباشر تمتلك ما يمكنها من تحويل الكرة الأرضية إلى قطعة من الفحم.
لقد أصيب العالم بالجنون أكثر من مرة، وفي نهاية كل نوبة جنون عالمية تدرك الأطراف عبث ما فعلته حين تعود محملة بأكياس الجثث ودمار المجتمعات.
ويبدو أن نَهَم البشرية ونزوات شرورها أكبر من دروس التاريخ المكلفة، وها هي تعود لنوبة جديدة لم تخفف سعارها كل تلك القيم والمُثُل والمؤسسات التي تشكلت بهدف منع الحروب وإيجاد الطرق لحلول بلا طلقة واحدة، بعد أن كانت طلقة تفتح حرباً عالمية.
ليس مصادفة أن الحروب العالمية تجد مسرحها على الجغرافيا الأوروبية وفي كل مرة كانت أوروبا تخرج نازفة مدمرة.
وهذه المرة لم تتوسع رقعة القتال لكن من السهل ملاحظة الضربة الاقتصادية التي تلقتها دولها وقيمة عملاتها التي انخفضت بشكل مريع فيما شهدت انكماشاً لاقتصاداتها، وليس من المصادفة أن ارتفعت فقط قيمة الروبل الروسي والدولار الأميركي رأسي حربة الأزمة وتلك لافتة.
وفي الحروب الكونية السابقة كانت أوروبا تخرج مفلسة تماماً تبحث عن ممولين لاقتصادات سحقتها الحرب لتقف من جديد.
ويخشى أن التاريخ يعيد نفسه كأن هذه القارة التي أنتجت كل هذه العلوم وكل تلك المعارف باتت قاصرة عن قراءة تاريخها الدامي دون أن تتعلم من التاريخ دروسه الحية، فما زالت آثار المعارك ماثلة لدى شهود عيان ما زالوا أحياء يمكن أن يتحدثوا عن جحيمها.
مع اقترابها من عام على بدايتها في الرابع والعشرين من الشهر القادم بدا أن هناك تغيراً مقلقاً في سلوك الدول التي كانت أعلنت في البداية ما يشبه التعاطف الإنساني دون تدخل، ثم انتقلت للدعم الإنساني وتطور الأمر نحو دعم بأسلحة دفاعية ثم يصل الآن لمرحلة الإعلان عن الدفع بأموال وأسلحة هجومية. ولكن كيف يمكن أن تنهزم روسيا التي تهدد بتصعيد استخدام السلاح النووي قبل هزيمتها.
نحن أمام تصعيد مختلف عن مراحل الحروب السابقة التي كانت تقليدية. ففي مرحلة السلاح النووي يمكن للأطراف أن تبيد بعضها ولا منتصر فيها، وهذا لا يحتاج إلى خبراء عسكريين لتفسيره لأن جزءا من الترسانة النووية محمل على غواصات تجوب المحيطات وليس فقط على الأراضي بحيث يمكن شل فاعليتها. هكذا هو الأمر فالعالم على حافة الهاوية، ورغم كل تلك التجربة الطويلة وعقلانية السياسة والعقول المدهشة إلا أن نذر الجنون تطل من جديد.
هناك تصعيد في الاجتماعات المكثفة لوزراء الدفاع وتجاوز للخطوط في الدعم وتغير في لغة الخطاب، حتى أن أستاذ السياسة الأميركية هنري كيسنجر الذي كان يطالب بإعطاء روسيا تطمينات وعدم الذهاب بعيداً تغير موقفه لصالح هزيمة روسيا، واختفى خطاب ماكرون الذي طالب سابقاً بالحفاظ على ماء وجه بوتين لصالح هزيمته.
المشكلة أن روسيا ليست دولة ديمقراطية بل دولة حكم الفرد. وهذا أخطر ما يواجه اللحظة إن تصاعدت الحرب، نحن أمام شخصية مختلفة وليست كصدام حسين الذي لم يملك أسلحة دمار شامل، وبالتأكيد تدرك هذا كل الدول المتصارعة وسياسيوها بل ولديها أكثر الدراسات النفسية عن الرئيس الروسي.
وما دامت تدرك ذلك وهي المسلحة بأجهزة مخابرات ومراكز دراسات فما الذي تفعله ؟ سؤال بات يحتاج إلى إجابة تبدد هذا الغموض ...واضح أن التغير في السياسات تعززه إجراءات فقد تشهد ولاية أريزونا الأميركية أكبر عملية نقل دبابات نحو أوروبا وهو ما حدث سابقاً فقط في سياق الحربين الكونيتين.
وبهذا نكون أمام سيناريوهين: إما أن قرار الحرب نهائي مهما كلف الثمن وهذا قرار مرعب، أو أن التهديد بالسلاح في حالات معينة والدفع لحافة الهاوية سياسة لتجنب استخدام السلاح وإرغام روسيا على وقف الحرب، إرغامها على الدخول بمفاوضات تحت وقع التهديد بالتصعيد وخصوصاً بعد هذا الاستعصاء الحاصل والذي بات بحاجة إلى كسر حلقته المفرغة، وإلا فإن اقتصادات أوروبا ستدخل غرفة الإنعاش.
السيناريو الأخير أكثر ترجيحاً في ظل التوازنات القائمة ومرحلة الرعب القادمة في حال استمرت الحرب ولا أحد يظن أن أوروبا والبشرية بكل هذا التراث لديها من الترف والجهل بالإقدام على مغامرة بهذا القدر، مغامرة لا يمكن تصورها في هذا العصر. ووسط هذا التصعيد فإن العالم مطالب باستدعاء أشد لحظات الواقعية السياسية وبحاجة أيضاً لاستدعاء الصين القادرة وحدها على إنزال بوتين عن الشجرة وإقناع روسيا بالهبوط بسلام.