17 عاماً مرت على آخر انتخابات تشريعية جرت في فلسطين والتي عُقدت في 25 يناير من العام 2006، في ظل تجذر الانقسام وتعاظم الأزمات الفلسطينية التي ألقت بظلالٍ كارثية على حياة الفلسطينيين، في الضفة الغربية التي تُعاني الاقتحامات اليومية والاستيطان الغير شرعي، والقدس التي تمر بأسرع عملية تهويد وسلب للأراضي، وقطاع غزّة الذي ما يكاد ينتهي من عدوان "إسرائيلي" حتى يبدأ آخر.
هذه الأزمات يرى مراقبون أنّ حلها يكمن في إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات العامة في كامل الأراضي الفلسطينية، وصولاً إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس صحيحة، يختار فيها الفلسطينيين قيادة جديدة تكون قادرة على تجاوز هذه الحقبة السوداء من التاريخ الفلسطيني الحديث وتعود بالقضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية والإقليمية والعربية من جديد.
رئيس المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الإستراتيجية، د.محمد المصري، قال في حوارٍ خاص مع وكالة "خبر": "إنَّ مرور 17 عاماً على آخر انتخابات جرت في فلسطين، يدعونا لتذكر حالة الانقسام المستمرة منذ 14 يونيو 2007 وحتى يومنا هذا، كونه عامل أساسي في عدم إجراء الانتخابات".
وأضاف المصري: "لكي لا نجلد أنفسنا فإنَّ الاحتلال يتحمل أيضاً جانب من المسؤولية عن عدم إجراء الانتخابات في فلسطين، لأنّه حينما أصدر الرئيس مرسوماً يقضي بإجراء الانتخابات بناءً على اتفاق مع كثير من الدول الأوروبية التي وعدت بالضغط على إسرائيل للسماح بإجراء الانتخابات في القدس كما تمت في الدورتين السابقتين".
وأشار إلى أنَّ الاحتلال لا يُريد أنّ يرى قيادة منتخبة لشعبنا الفلسطيني، ولا يُريد أنّ يُعطي رسالة للعالم بأنَّ هذا الشعب يختار قيادته بشكل ديمقراطي، وهو ما ينعكس سلباً على شعبنا بأنّه غير قادر على إقامة دولة مستقلة، مُؤكّداً على وجود قصور فلسطيني أيضاً في هذا الجانب.
وأكمل: "المتغيرات الدولية الراهنة والصراع في أوكرانيا وتجدد الأقطاب العالمية، والحرب بين روسيا وحلف الناتو، بدأت بإفراز قطبية جديدة في العالم، وهي انتقلت على الإقليم، وبدأ ظهور مصالحات وتحالفات جديدة وتغير في بعض المواقف السياسية، وعلى سبيل المثال تركيا أصبحت تُقيم علاقات جيدة مع الإمارات والسعودية وحوار جدي مع القاهرة، وبدأ الحديث أيضاًَ مع دمشق، ما يعني تغير الموقف الإقليمي والدولي".
واستدرك المصري: "الحرب الأوكرانية أعطت رسالة للعالم بوجود قوىة فاعلة في الشرق الأوسط وتستطيع أنّ تلعب دوراً فاعلاً في تغيير موازين القوى على الصعيد الدولي، وبدليل عدم التزام الإمارات والسعودية بالطلب الأمريكي لزيادة صادرات النفط، وأيضاً استقبال السعودية للقيادة الصينية وعقد قمة مشتركة معها".
وأردف: "الفلسطينيون مطلوب منهم إنهاء الانقسام وإقامة خطط وبرامج على أساس النقاط المشتركة، وتحديد دولة الاحتلال كعدو مركزي، وبالتالي الوصول إلى الانتخابات الديمقراطية كأساس وفيصل وحل وحيد للخروج من أزمة الانقسام".
وبيّن المصري، أنّه في حال عدم إجراء الانتخابات فإنَّ نظرة المجتمع الدولي هي أنك غير ناضج وليس ديمقراطياً، بل تصل أيضاً تصل إلى حد الابتزاز، وعلى الرغم من ذلك لا يوجد دولة أوروبية تضغط على السلطة لإجراء الانتخابات، لأنَّ الكرة في ملعبهم وهم من طلبوا إصدار المرسوم الرئاسي القاضي بإجراء الانتخابات، لكِن "إسرائيل" تُريد أنّ تُخرج القدس من ملف الصراع وقضايا الحل النهائي وحسمها كعاصمة لدولة الاحتلال.
وتابع: "المشكلة الأكبر في الأجيال الفلسطينية التي تشعر بالإحباط من سلوك القيادات، جراء عدم مشاركتهم في أيّ انتخابات أو الإدلاء بالأصوات في الانتخابات"، مُضيفاً: "نستبشر خيراً بانتخابات البلدية بالضفة والغرفة التجارية بغزّة وهي خطوة للأمام".
وشدّد على أنَّ الانتخابات الديمقراطية خيار أساسي لشعبنا الفلسطيني ومخرج من الأزمات الحالية، مستائلاً: "كيف لشاب تجاوز الثلاثين عاماً ولم يُشارك في أيّ انتخابات؟، وكيف سيأخذ حقه في الشراكة السياسية وأنّ يختار قيادته؟!".
وأوضح أنّ حلول كافة الأزمات الحالية تتمثل في إنهاء الانقسام ومصالحة حقيقية، وفي حال الفشل بذلك، فيجب البحث عن مقاربات حقيقية بين غزّة والضفة كحد أدنى للحفاظ على عدم ذهاب قطاع غزّة نحو الكيانية المنفصلة عن فلسطين.
وفي ختام حديثه، رأى المصري، أنَّ الاحتلال يُريد التعامل مع شعبنا كـ"جماعات، مناطق، محافظات، عشائر"، ولا يُريد أنّ يتعاطى مع مرجعية واحدة للشعب الفلسطيني، مُشدّداً على أنَّ الوحدة قائمة بالفعل في الميدان، وهو ما يترجمه اشتباك الشبان مع الاحتلال دون التمييز بين فصيل وآخر، لكِن المشكلة في السياسيين المستفيدين من الواقع الحالي.