ماذا يبقى لنتنياهو ليصبح عضواً في نادي الحكام الأزليين... والحكام الأزليون هم أولئك الزعماء الذين يحبون التأبد في مواقعهم اعتماداً على الإمساك بمواطن القوة والتأثير، ويفقدون مع طول الوقت ألق الإبداع وتوهج التجديد ويسدون الطريق أمام الشباب ويتحولون إلى عبء معيق.
نتنياهو الآن وصل إلى دق باب الدخول إلى النادي، ولا يبدو أن هناك ما يمنعه من الدخول أو يدفعه للتردد في ذلك، ولا يبدو أن هناك من سيمنعه أو من سيستطيع منعه من الدخول.
نادي الأزليين يفتح أبوابه مرحباً لمن يملك المؤهلات، ونتنياهو يملك من المؤهلات ما يكفي وهو يسير بثقة وثبات في تعزيز ما هو قائم، منها ويطوّر مؤهلات جديدة. المؤهل الأهم لدخول نتنياهو نادي الأزليين، أنه مستقر في الموقع الأول للحكم في دولته لمدة طويلة لم تعتد عليها هذه الدولة ولم يصلها أحد قبله من قومه. والأهم أنه لا يبدو في وارد مغادرة هذا الموقع.
إنه يقوم بكل الحيل والمناورات تحت يافطة الديمقراطية والانتخاب الشكليين ليضمن بقاءه واستمراره بالموقع، بل إنه يقدم نفسه بوصفه الخيار الوحيد القادر على ملء هذا الموقع. في انتخابات رئيس حزبه، حزب الليكود، فرض نفسه المرشح الوحيد أولاً، ثم حدد للناخب، فيما لو أجريت انتخابات، خياراً وحيداً هو التصويت بنعم أو بلا شيء، بورقة بيضاء، وحرمه حق التصويت بلا.
المؤهل الثاني لنتنياهو لدخول نادي الأزليين، أنه كغيره نجح خلال بقائه الطويل بالحكم في تعزيز تشكّل مجتمع يتأسس في أغلبيته الحاسمة على سيادة فكر ومبادئ وقيم يمينية متطرفة، على شاكلة فكره ومبادئه وقيمه وبانسجام كبير معها، وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه إمكانية بقاء نتنياهو وأزليته في موقعه.
ومجتمع أغلبيته الحاسمة بهذا الشكل لا يمكن إلا أن ينتج ترجماته المرافقة: أولها، في الحالة المحددة، خلق وتنمية تمييز بين فئات وشرائح مجتمعه نفسه، وأكثرها شراسة وأذى، وتكريس تمييز عنصري عميق وشامل ضد الأقليات التي تعيش في حدود دولته وهم في حالتنا المحددة فلسطينيو 1948.
ومن الطبيعي، بل المتوقع، لمجتمع بهذا الفكر والقيم والمبادئ مقرونة بتمييز عنصري وباحتلال يستميت في إدامته وفي استيطان ما يحتله من أرض، أن يفرز إرهابه الخاص، وهو في هذه الحال إرهاب مجتمعي، ولن تنجح في تغيير هذه الحقيقة كل ادعاءات انحصار هذا الإرهاب في فئة محددة، محدودة ومعزولة، فهذا الإرهاب يضرب جذوره عميقاً في المجتمع اليميني. ولنتنياهو مؤهل ثالث لدخول نادي الأزليين، وهو أنه كغيره من أعضاء النادي تركبه العزة بالإثم، فهو لا يعترف بالمتغيرات والحقائق الموضوعية المستجدة ولا يتعامل معها بشكل موضوعي، حتى لو حصلت من أخلص أصدقائه وأكثرهم دعماً وتأييداً لدولته، بل يلوي كغيره، عنقها لتكون على مقاس فكره وأهدافه وسياساته المحلية والخارجية.
أمثلة من الفترة القصيرة الماضية توضح هذا المؤهل بجلاء:
- المثال الأول هو دخوله في تحدي مع حكومة البرازيل بإصراره على تعيين داني ديان سفيراً لدولة الاحتلال فيها حتى لو أدى ذلك إلى تخفيض التمثيل الدبلوماسي معها.
وذلك رداً على تحفظ دولة البرازيل على الاسم المذكور نتيجة لتاريخه المعروف المتبني بشدة للاستيطان في أراضي الضفة الغربية، فقد كان رئيساً لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، وبمثابة وزير الخارجية لمجلس المستوطنات مع جهات يمينية في شتى أنحاء العالم.
- المثال الثاني هو الحرب الضروس التي يشنها هو وأركان حكمه، ضد وزيرة خارجية السويد مارغوت وولستروم، التي وصلت إلى منعها من زيارة دولة الاحتلال وأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، إضافة إلى عدم الترحيب بوفود رسمية من دولة السويد.
الأسباب وراء هذه الحرب: أولاً، أن الوزيرة المذكورة كانت رأس الحربة المحركة وراء اعتراف دولة السويد بالدولة الفلسطينية لتكون بذلك أول دولة غربية تقوم بذلك.
وثانياً، لمطالبتها العلنية بإجراء تحقيق فيما إذا كانت "إسرائيل تقوم بإعدام فلسطينيين دون محاكمة"، وهوما دعا إلى وصف أقوالها بـ"السخيفة والمغرضة، وتتسم بالكيل بمكيالين".
- المثال الثالث هو تحذير نتنياهو للاتحاد الأوروبي "من اتخاذ وزراء خارجية دوله قراراً بفرض عقوبات اقتصادية على المستوطنات في الأراضي المحتلة العام 1967 (الضفة والقدس والجولان)" وهدد بأن هذا القرار "سيحول دون أن يكون الاتحاد شريكاً في مفاوضات السلام المجمدة في الشرق الأوسط، فضلاً عن أنه قرار ينطوي على معيار مزدوج وهو سخيف ومشوه للحقيقة".
هذا التحذير جاء بعد أن كان الاتحاد الأوروبي قد أصدر في وقت سابق قراراً بوجوب وسم البضائع المصنعة في المستوطنات والمستوردة من دولة الاحتلال إلى أسواق دول الاتحاد.
- المثال الرابع هو تجاهل نتنياهو وحكومته لما وجهه دان شبيرو السفير الأميركي لدى تل أبيب خلال مشاركته يوم الاثنين الماضي، في مؤتمر "معهد أبحاث الأمن القومي" من انتقادات حادة للسياسة التي تتبعها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أكد السفير المذكور "نحن في واشنطن قلقون من نشاط إسرائيل في المستوطنات حيث يتعرض الفلسطينيون للكثير من الهجمات في ظل التساهل الإسرائيلي الرسمي".
إذا لم تكن هذه المؤهلات الثلاثة كافية لانضمام نتنياهو إلى نادي الأزليين فيمكن إضافة مؤهل الخطاب الشعبوي الذي يحترفه ويجيده نتنياهو كغيره من أعضاء النادي، وهو الخطاب الذي ينتهج الديماغوجية أسلوباً أساسياً يقوم على تصنع الانفعالات العاطفية ويخاطب غرائز البقاء ويتوجه إلى نواقص الجهل والانحياز الأعمى.
بالتأكيد لدى نتنياهو مؤهلات أخرى لا يسمح المقام باستعراضها.