خالف البنك المركزي المصري،اتجاهات البنوك العالمية، معلناً عن الإبقاء على أسعار الفائدة كما هي دون تغيير، وذلك في أول اجتماع للجنة السياسة النقدية خلال العام 2023.
جاء قرار اللجنة بتثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند 16.25 بالمئة و17.25 بالمئة، على الترتيب.
وكانت أغلب التوقعات قبيل اجتماع اللجنة، تشير إلى احتمالية رفع أسعار الفائدة بين 1 أو 2 بالمئة، في ظل تشديد السياسة النقدية على مستوى العالم، وضمن الإجراءات الهادفة لكبح جماح التضخم.
من جانبها، تشرح الخبيرة المصرفية سحر الدماطي، في تصريحه، أبرز الأسباب التي دفعت المركزي المصري لتثبيت أسعار الفائدة، وتقول:
- شهادات العائد المرتفع (25 بالمئة)، والتي توقفت عن العمل بنهاية يناير، حققت 460 مليار جنيه في بنكي مصر والأهلي.
- 30 بالمئة من حائزي الشهادات في بنك مصر هم من خارج عملاء البنك.. وحوالي 75 ألف عميل جديد انضموا للبنك الأهلي.
- نحو 210 مليارات جنيه دخلوا بنكي مصر والأهلي من خارج عملاء البنكين.
- البنك المركزي ليس بحاجة في هذه المرحلة لرفع الفائدة لكبح جماح التضخم؛ لأن شهادات الـ 25 بالمئة حققت المراد منها، كما سحبت السيولة من خارج الجهاز المصرفي.
في الرابع من شهر يناير الماضي، طرح بنكا الأهلي ومصر شهادات ادخار جديدة بعائد سنوي 25 بالمئة لمدة سنة. وتم إيقاف بيعها بنهاية الشهر نفسه بعد أن حققت المأمول منها في جمع السيولة من السوق.
وتشير الخبيرة المصرفية البارزة، إلى أن من بين أهم أسباب تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع الأول بالعام 2023، هو أن الفترة المقبلة هي فترة ضبابية نوعاً ما، وذلك في ضوء:
- انتظار قرار لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية، والتي ستنعقد الشهر الجاري، ومن المرجح أن ترفع أسعار المواد البترولية، بما يدفع إلى ارتفاعات إضافية بالأسعار.
- قرب حلول شهر رمضان المبارك، والذي ترتفع عادة فيه معدلات التضخم.
معدلات التضخم المتوقعة
وبالتالي، في تقدير الدماطي، كان من الطبيعي أن يتم تثبيت الفائدة من قبل البنك المركزي، على أساس معدلات التضخم المتوقعة وليست القائمة (عند حدود 24.5 بالمئة) من أجل تقليل الأعباء على الموازنة العامة.
وكانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، قد أشارت في بيانها الصادر الخميس، إلى أن مسار أسعار العائد الأساسية يعتمد على معدلات التضخم المتوقعة وليس معدلات التضخم السائدة. كما أكدت اللجنة على أن تقييد الأوضاع النقدية يعد شرطاً أساسياً لتحقيق معدلات التضخم المستهدفة وهدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
وعلى مدار العام الماضي 2022، رفع المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس لتصل إلى 17.25 بالمئة على الإقراض، و16.25 بالمئة على الإيداع. كما رفع نسبة الاحتياطي النقدي التي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها لدى البنك المركزي بواقع 400 نقطة أساس في سبتمبر 2022.
وأشارت لجنة السياسة النقدية في بيانها أمس، إلى أنها ثبتت الفائدة من أجل "تقييم أثر سياسة التقييد الاستباقية" التي انتهجها في الفترة الماضية.
وتتابع الخبيرة المصرفية المصرية: لو تمت زيادة الفائدة بنسبة 1 أو 2 بالمئة كما كان يتوقع البعض، ثم رفعت لجنة تسعير المواد البترولية بعد ذلك الأسعار، فسوف يضطر المركزي لإقرار زيادة جديدة في قراره القادم، وهو ما يعطي بعد ذلك انعكاسات سلبية على أكثر من صعيد، أهمها:
- إحداث تباطؤ اقتصادي.
- زيادة العجز بالموازنة العامة.
- زيادة التكلفة الإنتاجية (رغم وجود مبادرة الـ 11 بالمئة لدعم وتمويل قطاعي الصناعة والزراعة، لكنّها تضع حداً أقصى بقيمة 75 مليون جنيه، وبالتالي لا تغطي كامل التكاليف الإنتاجية).
مخالفة التوقعات
على الجانب الآخر، يقول أستاذ الاقتصاد الدكتور علي الإدريسي، في تصريحه،: كانت غالبية توقعات الخبراء والمراكز المالية والاستشارية والمتخصصين تشير إلى أن البنك المركزي يتجه لرفع الفائدة، بينما كان الاختلاف حول نسبة الرفع ما بين 1 أو 2 بالمئة، وتوقعات أخرى رأت أن اللجنة سوف ترفع الفائدة بنسبة 3 بالمئة جملة واحدة.
ويتابع قائلاً: "توقعات رفع أسعار الفائدة مُبرَرَة بارتفاع معدلات التضخم الآخذة في الزيادة لأكثر من ثمانية أشهر على التوالي وهي الأعلى منذ خمسة أعوام".
- طبقاً لبيانات البنك المركزي المصري، فإن "معدل التضخم الأساسي" في البلاد ارتفع إلى 24.4 بالمئة على أساس سنوي في ديسمبر 2022، من 21.5 بالمئة في نوفمبر.
- تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، إلى أنه في شهر ديسمبر 2022، سجل "معدل التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية" 21.9 بالمئة مقابل 19.2 بالمئة لشهر نوفمبر.
ويشير الإدريسي إلى أن رفع الفائدة الهدف الأساسي منه في هذه الحالة مواجهة معدلات التضخم وجذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة (الاستثمار الأجنبي في أدوات الدين) لسد الفجوة المالية.
لكن لجنة السياسية النقدية قد أبقت على أسعار الفائدة دون تغيير. ويعتقد الإدريسي بأن هذا القرار جاء كمحاولة من أجل "خلق استقرار نسبي.. والتقاط الأنفاس"، وقد دعم ذلك لجوء الفيدرالي الأميركي إلى خفض وتيرة رفع الفائدة، من خلال رفعها بمقدار 25 نقطة أساس فقط.
ويعتقد الخبير الاقتصادي بأن البنك المركزي المصري سوف يضطر إلى رفع الفائدة بنسبة 3 بالمئة في المجمل خلال العام الجاري 2023 على مدار الاجتماعات القادمة للجنة. ويشير إلى أنه من المتوقع ارتفاع معدلات التضخم -أو ثباتها في أفضل الأحوال- نتيجة استمرار تراجع سعر صرف الجنيه، وكذلك الدخول في مواسم تتميز بزيادة الطلب على السلع الغذائية (مثل شهر رمضان) وأيضا التحريك المتوقع لأسعار المواد البترولية.
وفي السياق، ينتقد الإدريسي النهج الخاص بتثبيت أسعار الفائدة لفترات ثم رفعها بشكل مفاجئ أو بنسبة عالية، بما يخلق حالة من الصدمة للأسواق، وبما يفضي إلى حالة من الضبابية على المشهد الاقتصادي.
أسعار الفائدة
قرار البنك المركزي المصري جاء في اليوم التالي لزيادة الفائدة الأميركية بمقدار 25 نقطة أساس، وهي الخطوة التي تبعتها معظم البنوك المركزية الخليجية، كما أن المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا قد واصلا زيادة الفائدة بمعدلات كبيرة بلغت 50 نقطة أساس لترويض التضخم.
ويقول رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، الدكتور رشاد عبده، في تصريحه، إن المركزي المصري قد أبقى على أسعار الفائدة كما هي دون تغيير نظرا لارتفاع معدلات الفائدة بالفعل بشكل كبير، بالإشارة إلى عائد الـ 25 بالمئة من خلال الشهادات التي أطلقها بنكا الأهلي ومصر، وقبلها شهادات الـ 18 بالمئة، بخلاف شهادات الادخار الأخرى التي توفرها البنوك حاليا.
ويشير إلى أنه مع حلول شهر مارس المقبل تنتهي شهادات الـ 18 بالمئة التي سبق وأن تم إطلاقها في 21 مارس من العام 2022، وبلغت حصيلتها الإجمالية ببنكي الأهلي ومصر حوالي 755 مليار جنيه.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن المركزي ارتأى أن الأوضاع شبه مستقرة حاليا، والسوق السوداء للدولار في حالة هدوء، وعليه لم تكن هناك حاجة لرفع الفائدة، ويمكن أن يلجأ لاحقا لرفع الفائدة قبل موعد الاستحقاق الأخير لشهادات الـ 18 بالمئة في الاجتماع القادم.
وكان المركزي المصري قد فاجأ الأسواق، في ديسمبر الماضي، بزيادة الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس دفعة واحدة، في خطوة كانت تمهد لتعويم ثالث للجنيه المصري في أقل من عام.
وتعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري سبعة اجتماعات أخرى هذا العام، بعد اجتماع الخميس، وذلك في 30 مارس و18 مايو و22 يونيو و3 أغسطس و21 سبتمبر و2 نوفمبر و21 ديسمبر.
مؤشرات عالمية ومحلية
وأورد بيان لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، بخصوص الإبقاء على أسعار الفائدة، عدداً من المؤشرات الأساسية على الصعيدين العالمي والمحلي:
- عالمياً، تشير توقعات الأسعار العالمية للسلع الأساسية إلى ارتفاع طفيف مقارنة بالتوقعات السابقة.
- استمر تيسير الأوضاع المالية للاقتصاد الأميركي في حين استقرت تلك الأوضاع بشكل عام في منطقة اليورو، وذلك مقارنة بالمعلومات المتوفرة خلال الاجتماع السابق للجنة السياسة النقدية.
- لازالت عديد من العوامل تسهم في استمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بتوقعات الأسعار العالمية للسلع الأساسية.
- محليا، تعافى النشاط الاقتصادي خلال الربع الثالث من 2022، ليسجل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 4.4 بالمئة مقارنة بمعدل 3.3 بالمئة خلال الربع الثاني.
- استمرت معظم المؤشرات الأولية في تسجيل معدلات نمو موجبة، وإن كانت بوتيرة أبطأ، خلال الربع الرابع من 2022.
- من المتوقع خلال الفترة المقبلة أن يتبع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وتيرة معتدلة خلال العام المالي 2022-2023 مقارنة بالعام المالي السابق وذلك قبل أن يعاود الارتفاع بعد ذلك.
- سجل معدل البطالة 7.4 بالمئة خلال الربع الثالث من 2022، مقارنة بمعدل 7.2 بالمئة خلال الربع السابق.
- ارتفع المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر ليسجل 21.3 بالمئة في ديسمبر 2022، واستمر الاتجاه التصاعدي للمعدل السنوي للتضخم الأساسي ليسجل 24.4 بالمئة خلال ذات الشهر.
- سجل المعدل السنوي للتضخم العام 18.7 بالمئة في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.
شهادات جديدة بعائد أعلى
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور السيد خضر، في تصريحه، إلى أن قرار الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير هو قرار صائب لدعم مسيرة الإصلاحات التي يقوم بها البنك المركزي، موضحا أنه "لم يكن هناك ما يدعو لرفع أسعار الفائدة، لا سيما وأن شهادات الـ 25 بالمئة قد نجحت في جمع السيولة المطلوبة".
ويتابع: "الهدف الأساسي من رفع أسعار الفائدة هو تحقيق التوازن مع معدلات التضخم، وكذلك الحماية من السوق السوداء.. وفي ضوء المؤشرات الحالية أتوقع أن يلجأ البنك المركزي لتثبيت الفائدة لفترة أطول".
كما يتوقع الخبير الاقتصادي أن يتزامن مع ذلك لاحقا الاتجاه لإصدار شهادات ذات عائد أعلى ربما يصل إلى 30 بالمئة. لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أنه حال حدوث ذلك السيناريو فقد يلجأ الكثيرون لكسر شهادات الـ 25 بالمئة للاستفادة من شهادات العائد الأعلى، وبالتالي لا تتحقق الاستفادة المأمولة، كما أن طرح هذه الشهادات يضر على الجانب الآخر بالاستثمار الحقيقي.
ويشير خضر إلى أن "المطلوب في المرحلة المقبلة زيادة الحوافز التشجيعية -في ظل ارتفاع أسعار الفائدة على النحو الحالي- بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، دعما للاستثمار الحقيقي الذي ينعكس على الاقتصاد الكلي، ولا سيما في مجال الصناعات التكميلية، وعبر تقديم قروض ميسرة للشباب، وبشكل خاص في القرى".
المصدر: سكاي نيوز عربية