تجد الكثير من علامات الاستفهام عندما يقوم أي شاب فلسطيني بعمل مناهض للاحتلال الصهيوني سواء كان عملًا سلميًا كالتظاهر، أو عملًا شبه عنفي عبر إلقاء الحجر في دفاعه عن ذاته أو أرضه أو اغنامه أو أشجاره أو بالاشتباك بالأيدي، وتزداد الدهشة حين يقوم بعمل عسكري من مثل استخدام السكاكين أو السلاح المذخّر كالبندقية أو المسدس؟
وتجد من التساؤلات الغريبة لدى الأبعاض الذين ينسبون للشاب أو للمجتمع العربي الفلسطيني النزوع نحو العنفّ؟ والتطرف في نظرة عمياء كليًا لا تنظر مطلقًا لبشاعة القتل اليومي الصهيوني ولا لبشاعة سلب الأرض وهدم البيت على رؤس أصحابه! بمنطق النظر في صرخة الضحية دون لوم الجُناة الأصليين أي الاحتلال؟
أثارني كاتب عربي منذ أيام وهو يقارن بين الاعتداءات الصهيونية، وبين العمليات الفلسطينية ويعتبرها –على اعتبار أنه رجل معتدل!؟-اتجاه نحو العنف داعيًا لنزع فتيل العنف (من الطرفين!؟) متحولًا من متضامن مع الظلم الواقع على العرب الفلسطينيين منذ 100 عام حتى الآن الى حمامة سلام غبية! وكأنه وأمثاله من الكُتاب اصبحوا سفراء للأمم المتحدة أو للرئيس الامريكي "بايدن" الذي يقول ما لايفعل، وتستنكر ولا تقدم خطوة واحدة نحو الحل؟
على العموم فإن مثل هذا الكاتب "المعتدل"! في صحيفة إيلاف الالكترونية قد تجده أفضل من أولئك الذين هجموا هجومًا شرسًا على الفلسطينيين عندما رفضوا بعنفوان، بقول لا كبيرة ضد صفقة "ترامب" التدميرية للقضية الفلسطينية حيث بدأوا يسكبون الزيت على النار وينفخون في بوق ضياع القضية! على صحيفة الشرق الأوسط وصحيفة الاتحاد متهمين القيادة الفلسطينية بالتقصير، وأنها السبب؟!
ومما قاله رسول البرية صلى الله عليه وسلم مما صححه الألباني لأبي داوود (....وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا، لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ...)، ولنقل أن الجهاد هنا بحده الأدنى بالدعم الفكري والثقافي (وذلك أضعف الإيمان)، والدعم المالي ما لانراهُ أبدًا ولا حتى بتبني الثقافة التحررية أو الرواية العربية الفلسطينية؟! إنهم من قال فيهم سبحانه وتعالى المتثاقلين (المتكاسلين والمحبذين الدعة والذل) الى الأرض. وكما تكمل سورة التوبة بالىية (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
إن الصورة العمياء حين النظر للمقاومة الفلسطينية بأي شكل من أشكالها قد جاءت من الانبهارالعاري بالآخر، ومن الانهزام العربي والانسحاق النفسي أمام الهيمنة الصهيو-أمريكية من جهة.
وجاءت من نقيصة ترك الجهاد-بأي فهم كان، وإيثار الدعة، والخلود الى النوم ما أصبح سِمة كثير في أمة العرب التي افتقدت الهدف الجامع والقضية الحاضنة والفكر الحضاري المتميز!
ويأتي ثالثًا من تعملق النَفَس الرأسمالي الاستهلاكي الغرائزي فتصبح القضية القيمية أو المبدئية بلا أي اهمية أو قيمة أمام الغرائز والنزق وأمام المتطلبات الشخصية من رخاء واسترخاء ودِعة لن تكسب صاحبها الا الاستكانة والنوم في العسل حتى يدهمه الطوفان! أي طوفان السحق والاكتساح الصهيوني الثقافي والاقتصادي، بل-لا تستغربوا- والجغرافي والعسكري لكل مساحات جلوس أقفيتهم الدافئة في قرّ الشتاء.
يستغرب الملوّثون بالدعاية الصهيونية المأسورون لوسائل التواصل الاجتماعي المهيمن عليها من الغربي والصهيوني أن يقوم شباب أو أطفال بعمليات عسكرية وهم ليسوا منتمين لهذا الفصيل الوطني أو ذاك في الشمال أو الجنوب؟ ويستغربون فكرة الموت (الشه..ادة) التي لا تكف عن مطاردة الفلسطيني الشاب في مواجهة الإسرائيلي الذي نهب الأرضَ والشعب، بل ودخل في دماغ الفلسطيني فنهبه عزته وكرامته، ولعب باحلامه وقتل آماله؟ فما العمل.
في سياق آخر هل تجوز المقارنة بين الفعل العنفي (الرسمي) للمحتل الباغي، مع العنف غير الرسمي الفردي أو الجماعي في منهج القانون أو منهج الثورات، أو في الوعي القومي أوالحضاري؟
يقول د.مكرم خوري-مخّول أن "الخطاب الإعلامي السياسي للاحتلال الإسرائيلي يصف دوما العمليات الفدائية، مهما كان موقعها الجغرافي (غرب فلسطين المحتل عام ١٩٤٨ أو شرق فلسطين المحتل عام ١٩٦٧) على أنها عمليات “إرهابية” رغم أن “القانون الدولي” لا يعترف باحتلال الحركة الصهيونية لشرق فلسطين والذي يجيز أيضا للشعب الذي يرزح تحت الاحتلال اختيار أنواع المقاومة التي يراها مناسبة سلمية كانت أم غير سلمية."
ويضيف: "إن تحول الإنسان الفلسطيني على وجه التحديد الى مشروع فدائي ينبت اجتماعيا ونفسيا من الغبن والظلم والحرمان من الاستقلال السياسي وانعدام الحرية القومية والعدالة الإنسانية وممارسة القمع وفرض حواجز بينه وبين وطنه وحصار الجسدي الذي يتحول الى شعلة تختار عملا تضحي فيه (أو على الأقل تعرف أنها ستضحي بجسدها لأجل قناعتها أو لكي تضحي للآخرين) قبل أن تتحول أحيانا على حالة انتقام نفسي."
وبرغم الخيار الفلسطيني للمقاومة الشعبية السلمية الجماهيرية، فإن المداهمات الصهيونية والاعتداءات ومسلسل القتل الذي لا ينتهي تُلقي بعيدًا بكل الدعاة لمثل هذا الخيار، وتستجدي الدم كما ذكرنا سابقًا؟
فكيف بربكم سيفكّر شاب قُتِل جدّه أو أبوه أو أخوه، أو اعتقل، أو هدم بيته أو تم الاعتداء على صديقه أو غيرها من مئات الانتهاكات والاعتداءات؟ كيف سيكون ردّه؟ والمعروف عن الشعب العربي الفلسطيني تمسكه الأثير بأهداب الكرامة والعزة والفخار؟ وهو مرصود في جيناته العربية الأصيلة من نصف مليون عام عاشها وما زال في فلسطين منذ الحضارة الناطوفية والحضارة الكبارية ثم ما لحقها حتى اليوم الحاضر.
إن كنا لا نرى المستقبل بعد أن سدّته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بسلب ما كان متاحًا لاعلان استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والقانوني (تحت الاحتلال) ومع ما تراه يوميًا من قتل لا يشبع من الدماء فما العمل؟
وما العمل حين تفترق الفصائل ولا تقدم رِجلًا او تؤخرها الا استتباعًا لهذا النظام أوذاك؟! وكأن "المقاومة" رهن إرادة الغير، والأرض ما زالت محتلة؟ او كأن الجُدُر الخارجية أكثر حنانًا من حضن الأخوة؟!