هارتس : مسيرة إسرائيل: من الأمل إلى الإفساد إلى الدمار

ب ميخائيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: ب. ميخائيل

 

 



ولدتُ قبل ميلاد الدولة ببضعة أشهر. يمكن بناء على ذلك القول إنني عايشتُ كل سنواتها حتى الآن. من التقشف وحتى "ذريعة المعقولية". من "التلينا" وحتى هراءات "سفر الجامعة". لا يختلف فهم ووعي الطفل عن فهم ووعي البالغين. لكن يمكنني أن أشهد بأن تجارب الرضيع تنقش صوراً وأحاسيس في وعيه.
العشرون سنة الأولى من عمر الدولة، من 1948 وحتى 1967، يجدر حسب رأيي أن نسميها "مرحلة الأمل". ساد في الأجواء في حينه شعور مختلف واحتفالي للصعوبة الكبيرة المضمخة بأمل أكبر، أن شيئاً جديداً ولد هنا، وأنه بالتأكيد سينمو ويزدهر. الآن الوضع وبحق غير جيد، ولكن لا شك أنه بعد قليل سيكون جيداً. سيطر الأمل والانفعال، وبعد ذلك تم اكتشاف أخطاء تقشعر لها الأبدان وأعمال إجرامية تثير الاشمئزاز حدثت في تلك السنوات. لكن الأمل غطى على كل شيء.
في العام 1967 بدأت المرحلة الثانية، "مرحلة الإفساد". انضم المارد الديني للمارد الصهيوني. ومعا بدآ في مهمة الافساد. العيون المندهشة لمسرعي عودة المسيح والذين يستندون إلى ماضيهم "الطلائعي" قادوا إسرائيل الى نفاد الصبر وفقدان الكوابح، الانسانية والمنطقية. ليس فقط للقيادة بل ايضا لكل الشعب.
في 29/12/2022، عندما سلمت الخرقة البالية التي تقف على رأس الحكومة الحالية الحكم لحكومة المكانس، بدأت المرحلة الثالثة، "مرحلة التدمير". كان هذا الأمر متوقعاً ومحتوماً، لأنه لا يوجد شفاء مريح من 55 سنة من الادمان على الشر والنهب والسيادة والعنف. لا يوجد ايضا تحرر من حكم المهووسين بالدين والشوفينيين والزعران إلا عن طريق كارثة. والدليل على ذلك هو خراب الهيكل وكارثة بار كوخافا.
لكن في هذه الأثناء مسموح لنا الهدوء. فهذه المرة لن يكون لدينا يوم قيامة دراماتيكي، فقط تفكك بالتدريج الى أن تصبح إسرائيل مكاناً لا يرغب أي شخص متحضر في العيش فيه، إلى درجة أن المتشائمين والمتطرفين والشوفينيين والمختلين عقليا فقط هم الذين سيبقون فيها ويحكمونها الى أن تتلاشى.
بمناسبة افتتاح "مرحلة التدمير" حاولتُ أن افحص كم من الجهد والوقت سيستغرق استكمال المشروع. وقد تفاجأتُ عندما اكتشفتُ بأن المهمة ستكون سهلة بدرجة مدهشة. أغلبية الأشياء مدمرة، الأموال الضخمة، التي استثمرت، وتستثمر في صيانة وتشغيل أوكار المستوطنين والحكم الذاتي للحريديين، بدلا من أن تذهب الى أماكن ناجعة اكثر، استكملت معظم المهمة.
هاكم قائمة جزئية للدمار الذي تم تنفيذه. التعليم يحتضر. البناء متخلف وباهظ الثمن. التمريض والعناية بكبار السن نكتة إجرامية. الصحة مسحوقة. غلاء المعيشة في عنان السماء. البنى التحتية متآكلة. المواصلات العامة مضحكة. الفقر يتعاظم. الدين يسيطر. تجميع الشتات يولد الشجارات. أعمال الشرطة قبيحة. العنف يزدهر. الفساد يشرق. العدل يزحف. حقوق الإنسان تحتضر. المساواة ماتت ودفنت.
يبدو، لشديد الغرابة، أن دولة إسرائيل خلال الـ 75 سنة من حياتها لم تنجح في حل أي مشكلة من المشكلات التي من شأن دولة سليمة أن تواجهها. يبدو أن هذا هو مصير الدول التي تخدم الله وليس مواطنيها. كم هو التاريخ ظالم: أردنا أن نكون أثينا فأصبحنا سبارطة. أردنا أن نكون نوراً للأغيار فأصبحنا محللين للحشرات للأغيار. أملنا أن نصنع العنب فخرجنا ولدينا بالأساس أمور نتنة. وهذا غير مريح (لحظة! تصحيح خطأ: مصانع التحلية في إسرائيل هي قصة نجاح باهرة، وبحق حلت مشكلة حقيقية. نعم، هذا سيكون عزاءنا).

عن "هآرتس"