سمحت الرقابة العسكرية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنشر وثائق سرية تتعلق بالاجتماعات التي سبقت التوقيع على اتفاق (أوسلو)، في سبتمبر 1993، بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات.
وأشارت صحيفة "هآرتس" العبرية، في عددها الصادر اليوم الثلاثاء 14 فبراير 2023، بعد 30 عامًا من توقيع الاتفاق، إلى كواليس المفاوضات السرية التي أكدت على أن المفاوضين الإسرائيليين لم يكونوا على ثقةٍ بالراحل عرفات، وحاولوا الالتفاف عليه بواسطة قنواتٍ سريّةٍ أخرى لم يكُن عرفات نفسه يعلم عنها.
واعتمدت الصحيفة، على الأرشيف الإسرائيليّ الرسميّ، مبينة أنّ وزير خارجية الاحتلال وقتذاك شمعون بيريز، وصف زعيم منظمة التحرير الراحل ياسر عرفات بـ “الثعلب”، وعبّر عن خشيته من أنّه “غير جدي”، وتساءل: “هل يمكن الاعتماد عليه؟“.
وأضافت الصحيفة، أن مدير عام وزارة خارجية الاحتلال في حينه، اوري سبير، كان لديه الانطباع بأنّ عرفات “غريب، ومضحك وغير واقعي“، على حدّ وصفه.
كما كشفت الوثائق النقاب عن أنّه في يوم 28 يوليو 1993، قال بيريز خلال نقاش داخلي: “نحن نتعامل مع ثعلب، بدأت أقلق، هل الرجل جدي؟ أنا لا أريد أنْ أكون ضحيته”، كاشفًا النقاب عن أنّ لديه تخوفات من فشل المحادثات، لأنّ ذلك سيؤدي إلى حرج، وأنْ يظهر هو وطاقمه كأغبياء وساذجين، على حدّ وصفه.
وأوضحت الصحيفة في تقريرها أنّه قبل 10 أيام من ذلك، قال بيريز للوسيط النرويجيّ في المحادثات، تاريا لأرسن: “كثيرون يقولون لنا لا تتحدثوا مع عرفات، لا يمكن الوثوق به، فهو يغير رأيه، ويجب أنْ يخلق ثقة”، حتى أن مدير عام وزارة الخارجية سبير، بيّن أنّ “أساس المحادثات غير الرسمية مع نظرائنا تركزت على تحليلهم لعرفات وأسلوبه في الأداء كزعيم للمنظمة”.
وخلافا لما سبق، عرضت في الوثائق صفات أخرى لعرفات، أنّه “شخص له تأثير ساحر على قيادة المنظمة وعلى معظم الشعب الفلسطينيّ، له قدرة غير محدودة على منع أوْ تمكين حدوث عمليات داخل شعبه، وهو الوحيد القادر على إدخال النظام إلى صفوف الفلسطينيين”، وفقًا لنفس الوثائق.
وذكر سبير أنّ “الشخصيات الفلسطينية الرفيعة، أوضحت أنّ الدور التاريخيّ لعرفات، تنفيذ مرحلة العودة إلى الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة المُحتليْن، وبعد ذلك، حسب قولهم، ستكون قوى أكثر براغماتية سترثه لتطوير تعاون مع إسرائيل”، وفق ما جاء بوثائق الأرشيف الإسرائيليّ.
بالإضافة إلى ذلك، ففي وثيقة أخرى بتاريخ 27 يوليو، تطرق المستشار القانوني في المفاوضات المحامي يوئيل زينغر لشخصية (أبو علاء)، وكتب: “مفاوض ذكي ومتحايل، يكذب على الجميع للوصول إلى الهدف، لدرجة أنّه جعل بيريز يتساءل كيف يمكن الاعتماد على شخص مثله”.
وحسب الصحيفة العبرية، بينت أنه على هذه الخلفية، يجب تفسير الجملة المهمة التي ظهرت في وثيقة أخرى، والتي كتب فيها بأنّ قريع هدأ النظراء الإسرائيليين، بأنّه لا يوجد لنا سبب للخوف من موضوع حقّ العودة، لأنّه مع الاتفاق الدائم سيوافقون على إلغائه.
وجاء في الوثائق، أنّ “بيريز اقترح في أحد النقاشات، بأنْ يتّم تحويل غزة إلى سنغافورة، وأنّه بإمكان غزّة أنْ تتحوّل أيضًا إلى سويسرا الشرق الأوسط”، على حدّ تعبيره.
وكشفت الوثائق أيضًا أنّ بيريز كان يخشى عن عودة عرفات إلى غزّة والضفّة الغربيّة كرئيسٍ، وهو الأمر الذي كان سيرفضه رئيس الوزراء آنذاك، يتسحاق رابين، ولذا حاول إقناع الفلسطينيين خلال المفاوضات بأنْ يتنازل عرفات عن اللقب لدى عودته إلى المناطق الفلسطينيّة المُحتلّة.