إسرائيل .. حرب القضاء ضد الاقتصاد

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

 


حاول نتنياهو الذي عمل سابقاً وزيراً للمالية أن يجد رجل اقتصاد ذا قيمة يؤيد خطته للإصلاح القضائي لكنه لم يجد، كل مدراء البنوك ورجال الأعمال وخبراء المال ورجال البورصة وأساتذة الاقتصاد أو الحاصلون على جوائز كلهم أعطوا رأياً متشائماً لمستقبل إسرائيل الاقتصادي إن تم تشريع خطة الإصلاح القضائي.
أحد أغنياء الاقتصاد سحب وديعة بـ 170 مليون دولار وحولها للخارج، ولم يكن الوحيد حيث أبلغ رجال البنوك الدولة عن زيادة 10% لفتح حسابات خارجية.
وكان الاجتماع الذي تم الأسبوع الماضي بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ومدراء البنوك عاصفاً، لم يحصل الوزير على تأييدهم أو حتى صمتهم بل تمت مواجهته وتحذيره كما قال مدير عام بنك ديسكونت «ما تخطط له الحكومة يخلق مؤشرات بداية أزمة، إضعاف للشيكل، ارتفاع مستوى المخاطرة وضعف أسواق الأسهم «ولكن الوزير بدل أن يطمئنهم صرخ فيهم قائلاً: «أين كنتم في أوسلو وفي فك الارتباط»؟ ما يعني أن الحكومة تسير في واد والاقتصاد في وادٍ آخر تماماً.
في الأسابيع الثلاثة الأخيرة وحدها ضعف الشيكل بنحو 5 % وأغلق مع دخول عطلة نهاية الأسبوع على 3.55 للدولار ما يعني المساهمة بـ 0.5 في المئة في التضخم المالي في جدول شهري شباط وآذار. فقد سجل جدول المستهلك أعلى من التوقعات بـ0.3 بالمئة لتصل وتيرة التضخم في إسرائيل إلى 5.4 بالمئة بعد أن كانت التوقعات فقط لشهر كانون الثاني الماضية أقل بكثير.
أدى انخفاض الشيكل إلى الارتفاع التلقائي للأسعار بسبب غلاء المواد المستوردة بالدولار، وهذا بدوره سيؤثر على قرار الفائدة الذي سينشر غداً والذي حسب التقديرات سيواصل بنك إسرائيل رفعها حفاظاً على الشيكل من الانهيار بمستوى 0.5 أو 0.25 نقطة في محاولة لإبطاء وتيرة التضخم المتسارعة.
خروج المال من إسرائيل وبداية هجرة الشركات على خلفية انعدام اليقين السياسي فيها يهدد بدخول إسرائيل نفقاً اقتصادياً هو الأصعب منذ أزمة 2008 التي ضربت العالم وتأثرت بها إسرائيل. لكن وزير المالية الجديد يبدو في حالة جهل شديد عن عالم الاقتصاد حيث يقول لمدراء البنوك متجاهلاً كل تخوفاتهم أن « الإصلاح سيعزز الاقتصاد «غير آبه بالشركات التي تغلق وبالحوالات البنكية للخارج وبالانخفاض الكبير للشيكل فقط خلال الأيام السابقة من هذا الشهر.
بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية بأسبوع وقبل مغادرته مكتبه أطلق وزير المالية السابق أفيغدور ليبرمان تحذيراً من تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل إذا ما أدير الاقتصاد بشكل سيئ.
وكان تحذير ليبرمان ينطلق من طبيعة الاتفاقيات الائتلافية والموازنات التي يطلبها المتدينون لمرافقهم التعليمية والدينية، هذا قبل أن تكون  خطة الإصلاح الاقتصادي جزءا من النقاش العام.
ومع طرح تلك الخطة بدت تخوفات ليبرمان تفاصيل صغيرة أمام هواجس كبار المستثمرين ورجال البورصة وهو ما بدأ يتحقق.
قبل حوالى أسبوعين نشرت القناة 12 وثيقة داخلية للبنك الأميركي جيه بي مورجان يحذر فيها من الاستثمار في إسرائيل، وقارنت الوثيقة بين إسرائيل وبولندا التي أقرت إصلاحات قضائية مماثلة وبالتالي تم تخفيض تصنيفها اائتماني مطلع 2016 جاءت تلك بعد أيام من إشارة بنيامين نتنياهو في مقطع فيديو إلى أن «جيه بي مورجان ومجموعة غولدمان ساكس المصرفية الأميركية العملاقة لم يحذرا من أي مخاطر استثمارية» كدليل على أن خطة الإصلاح القضائي لا تبعد المستثمرين.
ويحاول نير بركات وزير الاقتصاد التخفيف من وطأة الوضع الاقتصادي قائلاً في مؤتمر صحافي: «لا أشعر أن خطة الإصلاح الاقتصادي ستؤثر على على الوضع» لكن الأرقام المتسارعة في جدول غلاء المعيشة باتت أكبر من أن يتم نفيها بتصريحات وزارية وخصوصاً في بنود الصحة 1 في المئة والغذاء 0.9 في المئة وكذلك الكهرباء 8 في المئة والتبغ والسجائر 2.2 في المئة فيما سجل سوق العقارات انخفاضاً وخصوصاً في منطقة تل أبيب «وتقطن غالبيتها النخبة الإشكنازية».
رئيس وزراء إسرائيل كوزير مالية ناجح في حكومة شارون يعرف تماماً ما الذي يحدث، ولكن تلك الإصلاحات القضائية ليست فقط ضرورية لإنقاذه من السجن بل هي مطلب لشركائه في الائتلاف لصياغة قوانين السيطرة على الدولة وتسهيل الحياة لمؤيديهم من المتدينين ودونه ستنحل حكومته، لذا يحاول التخفيف من وطأة الأزمة مدركاً حجم الخطر، فقد شرع قبل أيام بإجراء اتصالات مع مدراء عدد من وكالات التصنيف الائتماني العالمية لإقناعها بأن الإصلاحات القضائية لن تؤثر سلبا على البيئة الاستثمارية ولا يوجد ما يستدعي خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، وكلف وزير الشؤون الإستراتيجية رون دريمر بمواصلة الاتصالات مع ممثلي وكالات التصنيف الائتماني لإقناعهم.
قبل شهر وبعد عودته من مؤتمر دافوس طلب محافظ بنك إسرائيل أمير يارون لقاء نتنياهو على عجل ليحذره من أصداء خطة الإصلاح الاقتصادي على تصنيف إسرائيل الائتماني مبدياً قلقه العميق من الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي، لكن يبدو أن إسرائيل تمضي في خطتها التي لن تتوقف آثارها السلبية عليها في كل القطاعات وأبرزها الاقتصاد حيث الأرقام التي تنشر يفترض أن تدعو للفزع، لكن أولويات التحالف بين الهارب من القضاء والهاوي المسكون بالنصوص الدينية وهاجس تديين المجتمع وتهويده أكثر يجعل الانهيار قائماً، وهذا في صالح كل خصوم إسرائيل الذين يبتهلون ألا تسقط هذه الحكومة وأن تعمر أكثر.
اختصرت رفيت هيخت ما حدث في إسرائيل من فوضى بعنوان واحد لمقال نشرته الجمعة عنونته بـ»ياريف ليفين وزير العدل يخوض حربا ضد الاقتصاد» ....هكذا هي المسألة.