بيان بائس لمجلس الأمن!

8a1afac6f539e24e687661c7c68b608d.jpg
حجم الخط

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان


اكتفى مجلس الأمن الدولي المكلف بالأمن والسلم الدوليين وفق ميثاق الأمم المتحدة، ببيان بدل قرار تم سحبه في صفقة عقدتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت هي قد قدمت طلبا لعقد جلسة لمجلس الأمن. ، وقد عبر المجلس فيه عن قلقه واستيائه العميقين من إعلان إسرائيل عن المزيد إجراءات إسرائيلية استيطانية غير الشرعية، والتي قضت بشرعنة تسع بؤر استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، بحجة أن مثل هذه الإجراءات تعيق حل الدولتين المزعوم. وأدان البيان جميع أعمال العنف ضد المدنيين بما في ذلك الأعمال الإرهابية وأعمال التحريض التي تستهدف المدنيين، ويذكر السلطة الفلسطينية التزامها بالتخلي عن الإرهاب ومكافحته. ودعا مجلس الأمن إلى التزام الهدوء وضبط النفس والإمتناع عن الأعمال الإستفزازية والخطاب التحريضي والإحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني لضمان سلامة المدنيين ورفاهيتهم. وفي الختام دعا مجلس الأمن إلى الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة قولا وعملا دونما تغييربما في ذلك احترام الوصاية الهاشمية ودورها.
أولا، وقبل كل شيء بيانات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة واليونسكو نادرا ما تلزم وهي ذات بعد أدبي معنوي. حتى قراراتها لا تلزم الدول الأخرى من الناحية العملية، وإن ألزمتها ظاهريا من الناحية النظرية القانونية. لذلك يتمرد الكيان الإسرائيلي ومن شابهه على هذه القرارات مجتمعة ومنفردة منذ قيامه وإلى يومنا هذا. ولعل خير دليل على ما نقول، أن العشرات من قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، مركونة على الرفوف وعلاها الغبار، وبقيت حبرا على ورق. أضف أن هذه المؤسسة الدولية المسيسة القابعة في نيويورك لم تجرؤ على إصدار قرار من مجلس الأمن مربوط بالفصل السابع ( فصل الجزاءات الدولية ) مرة واحدة في تاريخها كلها، وليس كما حصل مع العراق حينما توالت القرارات الملزمة بموجب الفصل السابع فور احتلال العراق للكويت. ناهيك عن المعايير المزدوجة التي تطبق على أوكرانيا والقضية الفلسطينية من قرارات ومساعدات ومواقف وأسلحة وإلزام وكذبة حل الدولتين ورغم ذلك لم يسلم البيان من النقد الإسرائيلي.
بيان مجلس الأمن الذي استعيض عن قرار له يحتوي بين جنباته مفردات غير مقبولة في أدبيات الأمم المتحدة، بل تمثل تراجعا عن الأدبيات السائدة في قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن. فمثلا مجلس الأمن يعبر عن " قلقه واستيائه العميقين " من إجراءات الكيان الإستيطانية وشرعنة البؤر الإستيطانية. فبدل أن يدين مجلس الأمن الإجراءات الإستيطانية الإسرائيلية الإحتلالية بأقوى العبارات، هو يكتفي بإلإعراب عن قلقه واستيائه بأخفها. فبدل أن يدعو لمحاكمة المستوطنين عن أفعالهم الإستيطانية التي تشكل جرائم حرب وخروقات خطيرة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وبرتوكول 1977، وميثاق المحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، يتواضع مجلس الأمن ويعرب فقط عن قلقه واستيائه من الجرائم الإسرائيلية. وبدلا من أن يؤكد بيانه على قرار مجلس الأمن 2334 لعام 2016 الخاص بوقف الإستيطان كليا وإدانته ، وعدم شرعيته الصارخة وفق القانون الدولي، واعتباره غير شرعي من عام 1967 حتى اليوم وفي الضفة الغربية والقدس، حيث يعتبر إخلالا بالتوازن الديموغرافي ومصادرة وهدم المنازل الفلسطينية وتشريد المدنيين الفلسطينيين ولا يعترف بالتغييرات الحاصلة بعد الرابع من حزيران 1967. أليس هذا تراجعا صارخا عن قرار مجلس الأمن 2334 لعام 2016، بل شتان بينهما، حيث الجديد مجرد بيان والقديم قرار ملزم من ناحية قانونية ونظرية. وبدل أن يشكل لجنة تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية وضد الإنسانية يضدر بيانا هزيلا.
بيان بائس وخطير لمجلس الأمن، لأنه يحمل معنى التراجع والنكوص عن قرارات سابقة شكلت مركزا قانونيا متقدما للقضية الفلسطينية في مجلس الأمن، وكأننا أمام حل عشائري. فرغم أن البيان أقل مرتبة من القرار، إلا أن الأول ألغى كثيرا من الثوابت الراسخة للقضية الفلسطينية أو على الأقل تراجع عنها ولم يذكرها واسقطها أو كأنه عدلها. فهل تبقى قائمة أم غدت في مهب الريح ومحل شك وتحتاج إلى جهد جديد وقرارات جديدة لتأكيدها.
لوحظ في هذا البيان اقترابه من المفردات الإسرائيلية حينما أدان أعمال العنف والتحريض ضد المدنيين بشكل مطلق ووصفها بالإرهابية، وكأنه قصد أعمال المقاومة الفلسطينية تحديدا، وبخاصة أنه حض السلطة على القيام بواجباتها في هذا المجال. وقد كان من المفروض أن يربط أعمال العنف والتحريض والإرهاب بما تمارسه أجهزة الأمن الإسرائيلية بكل أذرعها في الضفة والقدس وقطاع غزة من أعمال وتصرفات وإجراءات من قتل لأطفال وتصفيات جسدية وهدم غير قانوني للمنازل الفلسطينية وحواجز وإغلاقات واعتقالات لأحداث واعتقالات إدارية وعقوبات جماعية. وأن لا يكون شبهة في ربطها بالمقاومة الفلسطينية. وهذا منحى خطير لمجلس الأمن ويعبر عن سلسلة تراجعات منهجية. وليس مقبولا بما أتت عليه من تصريحات ومفردات لممثلة الإمارات العربية المتحدة بأن هذا البيان راعى الإجماع الدولي ولذلك شهد تراجعا في مفرداته. فمجرد صدوره عن مجلس الأمن في بيان بدل قرار يؤكد بؤسه وتراجعه. اما بقية خطابها فلا يسمن ولا يغني من جوع في المفردات القانونية الدولية.
كل البيانات والقرارات والتصريحات الصادرة من هيئات ومنظمات وشخصيات دولية لا قيمة للمداد الذي تكتب فيه إن لم يرافقها الإلزام . وليس بالضرورة أن يكون هذا الإلزام عسكريا، فقد يكون اقتصاديا مثل مقاطعة منتجات المستوطنات، وعدم الإستثمار فيها، وسحب الإستثمارات منها، ومقاطعة الشركات الكبرى فيها أو جامعاتها أو أنشطتها الثقافية وغيرها كثير.
رغم قوة حقنا وضعف وضعنا، إلا أن التراجع عن القرارات الهامة لمجلس الأمن والجمعية العامة والإكتفاء ببيان بائس وهش وضعيف، هو أمر مرفوض، ويجب أن لا يحدث، رغم قوته الهزيلة عمليا. فتوافر البعد الدولي والقانون الدولي والقوة الذاتية والعدالة والقوة الإقتصادية كفيلة بترجمة الحق في تقرير المصير إلى دولة حقيقية فما ضاع حق وراءه مطالب رغم قلة السالكين في طريق الحق!!!