بعد تدمير حل الدولتين

تحليل: "رؤية دحلان" الانتخابات وخيار الدولة الواحدة.. فهل تسمح السلطات القائمة بتطبيقه؟!

النائب دحلان
حجم الخط

رام الله - خاص وكالة خبر - مي أبو حسنين

تُقاتل السلطة الفلسطينية مُنذ نشأتها عام 1994، لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف؛ وفقاُ لمبدأ "حل الدولتين"؛ تماشيًا مع قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967؛ لكِن بعد مرور كل هذه السنوات أصبحت السلطة مسؤولة عن كانتونات منفصلة بالضفة الغربية ومعزولة جغرافيًا عن غزّة؛ بفعل الحصار الإسرائيلي.

رؤية دحلان.. انتخابات عامة وتبني خيار الدولة الواحدة

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال السلطة الفلسطينية، تفاوض وتطرح خيار حل الدولتين،  الذى بات غير واقعياً على الأرض؛ بسبب ضم الاحتلال للأغوار ومحاولاته ضم مناطق "ج" واستباحة مدن الضفة الغربية الواقعة في المناطق "أ" و"ب"، والقتل والتدمير والاعتقال دون أيّ ردة فعل رسمية من السلطة التي لا زالت تلتزم بالاتفاقات التي خرقتها إسرائيل في مهدها.

العودة لإجراء انتخابات عامة "برلمانية ورئاسية" وتبنى خيار الدولة الواحدة، رؤية النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، قائد تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، محمد دحلان؛ للخروج من المأزق الذي يمر به النظام السياسي الفلسطيني والذي يعيش حالة موت سريري "على حد وصفه"، دون أيّ ردة فعل إزاء ما يحدث في الضفة الغربية والقدس والضفة من حكومة "نتنياهو - سموترش - بن غفير".

وقال النائب دحلان في مقابلة خاصة على قناة "سكاي نيوز عربية": "هناك غياب كامل للحالة القيادية الفلسطينية، وهناك انقسام داخل فتح، وهناك انقسام بين غزّة والضفة".

وأضاف: "الخيار السهل أمام السلطة هو أنّ يُعلن الرئيس عباس عن وحدة الضفة وغزة ووحدة القيادة الفلسطينية"، كما دعا إلى وضع برنامج للمقاومة وبرنامج توافقي لشكل المقاومة وآلية التعامل مع "إسرائيل"، بدلاً من السباب والشتائم التي نشاهدها من بعض القيادات الفلسطينية.

عليان: لماذا لا تطرح الرؤى الفلسطينية الداخلية على الطاولة؟!

بدوره، رأى القيادي في حركة فتح بمدينة القدس، رأفت عليان، أنَّ القيادة الفلسطينية تتمسك منذ ثلاثين عاماً، بخيار واحد وهو "حل الدولتين"، مُشيراً إلى أنّه ولد ميتًا مُنذ اغتيال إسحاق رابين في نوفمبر 1995، حيث بدأت حينها "إسرائيل" بقتل حُلم إقامة دولة فلسطين، وأصبح الرهان على المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين ويُدير الصراع ولا يسعى لحله.

وقال عليان، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّه يجب في هذه المرحلة التي تشهد تمادي وتطرف دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث أغلبية أحزابها لا تتحدث عن خيار حل الدولتين، التوقف عن طرح "وهم" حل الدولتين، والبحث عن بدائل أخرى مثل طرح "حل الدولة الواحدة" الذي نعلم أنَّ إسرائيل سترفضه".

وتابع: "لكِن يجب أنّ نُبادر محلياً وإقليمياً ودولياً، ونُعطى رسالة لإسرائيل وللمجتمع الدولي، أنّه إذا لم يتم تطبيق خيار حل الدولتين، فلدينا بدائل آخرى لإحراج إسرائيل والعالم".

وأكمل: "إذا اجتهدنا سياسياً بإلغاء حل الدولتين والسعي لحل الدولة الواحدة، سنجعل إسرائيل تُطالب بحل الدولتين، حيث ستشعر بخطر الديموغرافيا، -لأنَّ الشعب الفلسطيني يتفوق على الإسرائيليين في الصراع الديمغرافي-؛ وهنا سيبدأ المجتمع الدولي بالمفاوضة لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني".

ورأى أنَّ المراهنة على شعارات خيار الدولتين استُهلكت، في ضوء تمادي الاحتلال في ضم الضفة الغربية وقتل شعبنا بدون ثمن؛ وبالتالي لابّد من التعاطي بإيجابية مع طرح القيادي محمد دحلان، مُتسائلاً: "لماذا لا نتعامل مع أيّ مبادرة داخلية فيها رؤى سياسية وحسن نيه، بينما نتعطش لأيّ مبادرة خارجية؟".

وبالحديث عن أسباب عدم تعاطي القيادة الفلسطينية مع حل الدولة الواحدة في ضوء انهيار خيار الدولتين، أكّد عليان، على عدم وجود مؤسسة قيادية فلسطينية؛ بمعنى -لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومركزية لحركة فتح- تُمارس مبدأ الشورى والديمقراطية؛ فالمشهد الحالي هو استفراد واسترجال بالقرار الوطني ليس أكثر.

وأشار إلى ذهاب القيادة الفلسطينية منفردة لسحب قرار إدانة الاحتلال من الأمم المتحدة وكذلك الذهلاجتماع للعقبة، الأمر الذي يعكس التفرد بالقرار على حساب الشعب الفلسطيني من أجل امتيازات شخصية.

وخلص إلى أنّه لا يمكن تغيير الرؤى والاستراتيجيات الوطنية في ظل وجود القيادة الحالية التي فشلت في إدارة الملف الفلسطيني، مُستشهداً بمقولة للأديب الفلسطيني غسان كنفاني: "إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية فلنغير المدافعين لا أنّ نُغير القضية".

وشدّد على أنَّ المخرج الوحيد هو الانتخابات العامة وإعادة الأمانة للشعب الفلسطيني؛ الذي بدوره ينتخب قيادة تُحدد الرؤى السياسية والميدانية، مُردفاً: "أما القيادة الحالية فلن تُغير شيئاً لأنّها منقسمة على ذاتها، حيث الانقسامات داخل فتح وبين فتح وحماس وبين غزّة والضفة".

أبو بكر: احتلال عنصري يرفض حل الدولة الواحدة

الكاتب السياسي المقرب من حركة فتح، بكر أبو بكر، رأى أنَّ فكرة الدولة الواحدة هي فكرة حركة فتح مُنذ البداية وفكرة الفصائل الفلسطينية مُنذ العام 1967، على فرض أنَّ النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي القائم لدولة الاحتلال ليس نظاماً عنصرياً ؛ لكِن هذا لن يكون، لافتاً إلى أنَّ هذه المحاولة فشلت أمام نازية الاحتلال وفاشيته.

ولفت أبو بكر، في حديثه لمراسلة وكالة "خبر"، إلى أنّه على مدار خمسين عاماً، حقق الفلسطينيون إجماعاً عالمياً على ضرورة استقلال دولتهم كحق طبيعي وقانوني، على الرغم مما يقوم به المستوطنين على الأرض.

وأردف: "هناك فرق كبير بين تبني خيار حل الدولتين الذي يُثبت للاحتلال حدوده بينما حدود دولة فلسطين غير مثبته، وما بين تبني الآلية الثلاثية وهي أولاً: حل الصراع القائم على استقلال دولة فلسطين كحق طبيعي وقانوني وفق وثيقة الاستقلال في الجزائر عام 1988، وثانياُ "الاعتراف بدولة فلسطين من الأمم المتحدة كدولة مراقب عام 2012؛ وقد فشلنا كإرادة سياسية في التحول من فكرة سلطة إلى دولة قائمة تحت الاحتلال، أما المرحلة الثالثة التي وافقت عليها الفصائل بما فيها حماس عام 2020 هي إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 عاصمتها القدس"، على حد وصفه.

وشدّد أبو بكر، على أنَّ نقطة الانطلاق للخروج من المأزق الذي يخيم على النظام السياسي الفلسطيني، هي وحدة البرنامج السياسي والإرادة المفقودة من حماس وجزء من الموجودين في الضفة، مُؤكّداً على ضرورة تغيير المسار والتخلي عن كل الضغوط الإقليمية والدولية بالوحدة الوطنية الفلسطينية.

كما خلص أيضاً إلى أنَّ فكرة دولة أو دولتين بالمفهوم الإسرائيلي ليس له قيمة عند الاحتلال، فإما أنّ تكون مواطن مدني- مثل الحيوانات- تأكل وتشرب، ويسمح لك بالعيش وإذا اعترضت سوف تُطرد أو تُقتل وهذا ما يطرحه "نتنياهو وسموترش".

طرح متزن.. لكِن حكومة الاحتلال مجنونة

أما الكاتب والمحلل السياسي، أحمد رفيق عوض، فقد رأى أنَّ "خيار الدولة الواحدة طرحه كثيرون من الكتاب والمثقفين؛ باعتباره مخرجاً من أزمة "حل الدولتين" الذي تم تدميره تماماً"، مُنوّهاً إلى أنَّ خيار الدولة الواحدة يفترض المساواة والتكافؤ في الفرص.

وأردف عوض، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لكِن مفهوم المساواة للاحتلال الذي أصبح فاشياً، يُشكل جنوناً، فإذا كان حل الدولتين غير وارد؛ فخيار الدولة الواحدة جنون لأنّه لا يحقق اليهودية والديمقراطية؛ ولهذا السبب فإنَّ فكرة حل الدولتين وإنّ بدت مخرجاً وحلاً إنسانياً وعقلانياً ليس به تهجير وتمييز؛ لكِنه بالنسبة للحركة الصهيونية في معظمها حل يكاد يقترب من الجنون".

وعن إمكانية قبول المجتمع الدولي بخيار الدولة الواحدة، أوضح عوض، أنَّ "إسرائيل تخترق القانون الدولي ولا تُنفذ قرارات مجلس الأمن ونصائح حلفائها وأصدقائها؛ وبالتالي الإحراج على المجتمع الدولي وخاصةً أمريكا وهي جهات استعمارية كبرى- وإسرائيل في قلبه، لا يهمها؛ لأنها لا تتعامل أخلاقياُ مع الشعوب التي تحتلها".

واعتبر أنَّ طرح القيادي دحلان مُتزن، ويمكن طرحه لمجتمع متزن وحكومة متزنة؛ أما الإدارة الأمريكية فقد وصلت من الوقاحة إلى أنّ تحمى إسرائيل في مجلس الأمن.

وحول أسباب عدم تبني السلطة الفلسطينية لخيار الدولة الواحدة، قال عوض: "إنَّ القيادة الفلسطينية طرحت هذا الخيار في يوم من الأيام؛ لكِن هناك من يُعارضه؛ لأنّه لا يحقق الهوية الوطنية وفكرة الوطن والتحالفات والوعي، فحل الدولة الواحدة ليس مجرد مساواة في الحقوق، وإنّما تغيير في الوعى والأولويات وهناك صعوبة سياسية وسيكولوجية ودينية".