التنسيق الأمني : لماذا تلوح بوقفه القيادة الفلسطينية كلما زادت جرائم الإحتلال؟

12583881_10206543369036177_1499157511_n
حجم الخط

التنسيق الأمني: يعتبره البعض التفسير الجاهز  لكل ما ألمّ بالشعب الفلسطيني من فواجع ونكبات منذ ولادة السلطة الفلسطينية، وهذا بفعل التعبئة السياسية التي أفرزها الانقسام الفلسطيني وعدم وجود أرضية  توحد الآراء السياسية تجاه هذا الموضوع.

سرعان ما تبدأ المطالب سواء على صعيد الشبان أو الفصائل السياسية- خاصة معارضي أوسلو-  بوقف التنسيق الامني  بعد حدوث جريمة إسرائيلية بحق الفلسطينيين، او مواجهة ما  .. ولكن ماذا بعد وقفه ؟ و ما هي تفاصيل التنسيق الأمني وماذا يعني ؟

التنسيق الأمني

المشاعر الوطنية تدفع الكثيرين –ربما من غير ادراك- إلى التسرع في إطلاق الأحكام -كالتخوين والعمالة- والعديد من المصطلحات النابعة من الغضب الشعبي خاصة بعد كل مرة يحدث فيها تصعيد أو مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة على صعيد التنسيق الأمني الذي نجد لغط في فهمه لدى الكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني.

في وقت سابق ، كان قد نشر عضو المجلس الثوري لحركة فتح "د.سفيان أبو زايدة" توضيح حول ماهية التنسيق الأمني وماذا يعني ، قال فيه :" التنسيق مع الاسرائيليين ، يجري من خلال قنوات متعددة وفقا لاتفاقات اوسلو وما نتج عنها من اتفاقات اخرى، التنسيق الامني هو فقط احدها، وعلى الاقل هناك اربع انواع من التنسيق تنظم العلاقة مع الاسرائيليين في ظروف غاية في التعقيد.

النوع الاول هو التنسيق المدني و الذي تشرف عليه هيئة الشؤون المدنية و التي تعمل مقابل ما يُعرف بمكتب منسق المناطق من خلال مكتبي الارتباط في "ايرز و بيت ايل"، و هذا النوع من التنسيق لا جدال فلسطيني حوله حيث هو تنسيق خدماتي يساهم في تخفيف معاناة الفلسطينيين.

النوع الثاني من التنسيق هو من خلال الارتباط العسكري ، و هو تنسيق بين الامن الوطني الفلسطيني و الجيش الاسرائيلي، ويُعنى في الأمور العسكرية التي لها علاقة بحركة القوات الفلسطينية و اماكن تواجدها، و احيانا تنسيق لتحركات القوات الاسرائيلية بهدف منع الاحتكاك بلا ضرورة و منع سوء الفهم عند قيام الجيش بنشاطات في مناطق حساسة.

وعن النوع الثالث من التنسيق هو التنسيق في القضايا الجنائية التي تجري بين الشرطة الفلسطينية المدنية و الشرطة الاسرائيلية في القضايا الجنائية مثل المخدرات و السرقات، خاصة سرقة السيارات.

المشكلة الاساسية هو في النوع الرابع من التنسيق و هو التنسيق الامني، حيث هناك قناعة فلسطينية و رأي عام فلسطيني يقول ان استمرار هذا التنسيق يصب في المصلحة الاسرائيلية و على حساب المصالح الفلسطينية، و ذلك في ظل فشل العملية السياسية و توقفها بشكل نهائي حيث التنسيق الامني احد مخرجاتها و كذلك في ظل استمرار الاستيطان و عربدة المستوطنين.

في هذا السياق، أوضح الكاتب والمحلل السياسي د. هشام أبو هاشم أن التنسيق الأمني وُجد منذ نشأة السلطة الفلسطينية، وهو على عدة مستويات ما بين الأمني البحت وعلى نطاق مرافق الحياة في الضفة وغزة، مضيفاً أن عدم التزام إسرائيل في الاتفاقيات التي وقعت ومن بينها باريس الاقتصادية، هو الذي يُجبر ويدفع السلطة إلى وقف التنسيق الأمني، ومن هنا جاءت توصية المجلس المركزي لإيقافه .

وأضاف أبو هاشم:" الغالبية العظمي من الشعب والفصائل تريد وقف التنسيق الأمني لمعاقبة الاحتلال على عدم التزامه بالاتفاقيات الموقعة، مشيراً إلى أن أثار وقفه – التنسيق- هي سلبية على الجانب الإسرائيلي أكبر بالمقارنة منه على الفلسطينيين، ذلك لأن طبيعة مناطق الضفة الغربية والتي يكثر فيها الحواجز الإسرائيلية وانتشار المستوطنون بشكل كبير يشكل وقف التنسيق خطورة عليهم، لأن السلطة في هذه الحالة لن يكون لها دور أمني في هذه المناطق وهذا يعني أن الشبان الفلسطينيين سيأخذون حريتهم في مقارعة الاحتلال .

ماذا إذا توقف

وعن آثار وقف التنسيق الأمني بشكل كامل، يقول النائب عن حركة فتح " جمال الطيراوي "، لاشك أن وقفه يؤثر في القضايا الإنسانية و الاقتصادية، ذات البعد الاجتماعي، ولكن هذه القضايا لها اتفاقيات دولية خاصة بها تفُرض على الإسرائيليين كـ " مُحتل " أن يتعاطى مع هذه الاتفاقيات .

و يرى " أبو هاشم " أن السلطة محرجة من ابناء شعبها بسبب التزامها في الاتفاقيات في المقابل اسرائيل لا تلتزم فأصبح وقف التنسيق مطالب شعبية وفصائلية.

ووبالإشارة الت تساءل الكثيرون عن الأسباب التي تدفع السلطة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، وتمسكها في التنسيق الأمني لآخر لحظة، أوضح " أبو هاشم" أن السلطة لا تريد للأمور الإنهيار وأن تصل للفوضوية.

ويضيف : " الجميع يلاحظ أن الضفة الغربية على شفا حفرة، والغضب الجماهيري من المستوطنين و جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا ، فإنّ السلطة لو تركت الأمور على غاربها سيصبح الوضع في حالة يُرثى لها.

ويقول :" لهذا السلطة تهدد اسرائيل- باستمرار- وقف التنسيق والاتفاقيات، وتحذرها من رفع جرائم جيشها ومستوطنيها للمحاكم الدولية."

ويستنكر " الطيراوي " أن يفهم أطياف الشعب معنى " التنسيق الأمني " بالمفهوم الإسرائيلي، مضيفاً :" علينا أن نعود مرة اخرى لدراسة التنسيق الأمني واتفاقية باريس وجميع الاتفاقات التي تحدد مسار العلاقة مع الإسرائيليين."

ولفت " الطيراوي" إلى أنه من حق الشعب الفلسطيني أن يفهم التنسيق الأمني في الطريقة المغلوطة في ظل جرائم المحتل من قتل واعدامات ميدانية، ومن حقه أن يقول كلمته في هذا الأمر، ولكن ليس من حق القيادات السياسية أن تشوه التنسيق الأمني مستغلة ذلك لخلق حالة من الاستقطاب السياسي .

وأضاف:" ليكن هناك موقفاً بالإجماع بين اللجنة المركزية وقيادات الفصائل والعمل الوطني لتحدد الخطاب السياسي، و لا يجوز لنا الاستمرار في التجاذبات واستغلال موضوع التنسيق الأمني للاستقطاب الحزبي، ومن يريد أن يُقرّ بوقفه عليه أن يجلس على طاولة واحدة ، وإما أن يقول نعم نقبل التنسيق الأمني وعلينا توضيح ماهيته ، أو يقول نرفضه تماماً ."

وشدد " الطيراوي " على رفضه بأن يبقى تشويه التنسيق الأمني خطاب اعلامي للمزاودة فقط، مضيفاً لا يجوز ان نقول :" غزة محررة من التنسيق الأمني بشكل كامل، لأنه يحدث ما يماثل ذلك من خلال منع المظاهرات على الشريط الحدودي، ولا يجوز أن نقول أيضاً أن الضفة محررة بشكل كامل من التنسيق الأمني ، بل علينا أن نقيم" التنسيق حتى نستطيع توحيد الخطاب الداخلي بعيداً عن التجاذبات السياسية."

يُذكر أنه في الآونة الأخيرة، ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بمطالب لوقف التنسيق الأمني، وخاصة بعد تصريحات اللواء ماجد فرج بإحباط 200 عملية ضد الاحتلال ، وحتى بعد توضيح المتحدثين من اسامة القواسمي والاعلامي ناصر اللحام بأن هذه العمليات تعود لأطفال قُصّر وهو لعدم زج الضفة الغربية إلى مواجهة ليست مطلوبة ولا بأوانها، إلا أن الغضب ما زال سيّد الموقف.