بعد مرور شهرين على بدايتها فإن المعارضة للانقلاب النظامي وصلت الى مفترق طرق. سؤال ماذا يجب علينا أن نعمل من هنا، أصبح معقداً أكثر. يوجد حولنا الكثير من الخوف والإحباط والتشويش. يجب إعطاء رد على كل هذه الأمور. وخلال ذلك نحن بحاجة الى تحليل هادئ للواقع وفحص متزن لاحتماليات العمل الموجودة أمامنا.
إن مقارنة إسرائيل بهنغاريا وبولندا هي مقارنة مضللة. هذه الدول ليست في وضع حرب مستمرة، ولا تدير احتلالاً طويلاً، ولا توجد فيها اقلية قومية كبيرة، التي هي جزء من الشعب الذي تحاربه الدولة. في هذه الظروف فإن عملية التحول الى الفاشية في إسرائيل يمكن أن تكون سريعة واكثر خطورة.
مع كل ذلك كيف، رغم هذه الظروف، كان هناك حتى الآن فضاء ديمقراطي في إسرائيل؟ الإجابة على هذا السؤال تكمن في معظمها في الكوابح المؤسسية التي تتعرض الآن للهجوم. إن إقصاء القضاة الليبراليين والمستشارين القانونيين المستقلين عن الطريق، كما يقول ياريف لفين بشكل علني، ليس سوى المرحلة الأولى في خطة اكبر بكثير، والشرط لنجاح خطوات بعيدة المدى والتي فقط بعضها تم كشفه حتى الآن في اقتراحات وزراء وأعضاء كنيست آخرين.
ايضاً من المهم الفهم بأنه لا حاجة الى تطبيق جميع الخطوات المقترحة الآن من اجل إحداث تغيير نظامي. سيكون بالإمكان التنازل عن عدة أغنام تم إدخالها الى الغرفة اذا تم فقط تحقيق تغيير في تشكيلة المحكمة العليا وإخضاع المستشارين القانونيين في الوزارات الحكومية للحكومة.
· المحكمة العليا في إسرائيل غير فعالة. أنا كنت سأكون أكثر سروراً لو أنها تدخلت اكثر في الدفاع عن حقوق الانسان وعن المجموعات السكانية الضعيفة وتحارب مظالم الاحتلال المتواصلة. القاضي النشيط الوحيد في المحكمة العليا ينتمي بالتحديد لليمين، القاضي نوعم سولبرغ الذي صاغ قرار الحكم الذي الغى الضريبة على الشقة الثالثة، وهي ضريبة ربما لا تتطابق مع وجهة نظره.
من أجل الفهم لماذا تتم مهاجمة المحكمة العليا بهذه الوحشية يجب رؤية كيف تشوش على خطط اليمين المتطرف. رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بالطبع يريد النجاة من محاكمته، لكن أهداف هذه العملية أوسع بكثير.
في أمور ثلاثة احبط تدخل المحكمة خطوات مهمة لليمين المتطرف. أولاً، المحكمة العليا شوشت على الخطة التي استهدفت تجميع طالبي اللجوء في معسكر اعتقال في النقب. ثانياً، المحكمة العليا تصعب السيطرة على اراض خاصة فلسطينية في الضفة لغرض توسيع المستوطنات. ثالثاً، المحكمة العليا ألغت مرة تلو الأخرى قرارات الأغلبية السياسية في لجنة الانتخابات، التي حاولت منع ترشح أحزاب ترتكز على الجمهور العربي للكنيست. إقصاء قضاة مستقلين يمكن أن يمكن من القيام بهذه الخطوات الثلاث.
· العملية الثالثة تستحق اهتماماً خاصاً. في هذه السنة يتوقع أن يتقاعد ثلاثة قضاة من المحكمة العليا. وتعيين سياسي لثلاثة بدلاً منهم يمكن أن يؤدي الى تغيير تاريخي في صورة إسرائيل: إذا تم شطب أحزاب الجمهور العربي فإن هذا الجمهور لن يذهب للتصويت. الآن في الأصل نسبة تصويت العرب اقل بكثير من نسبة التصويت في أوساط اليهود. وبدون الصوت العربي فانه سيكون من المضمون لليمين المتطرف سنوات كثيرة في الحكم.
· وجود احتجاج واسع هو شرط حيوي لكبح حكم بدون كوابح. حجم المعارضة للانقلاب النظامي في اسرائيل مشجع جدا. بمقارنة دولية، فقد استيقظت هنا قوى كثيرة اكثر مما كان في مجتمعات اخرى وقفت امام خطوات فاشية. ولكن مهم ايضا أن نرى التحديات والاخطار التي تقف امام الاحتجاج. حركة المعارضة نجحت حتى الآن في تجنيد الجمهور اليهودي المثقف والثري. لكنها لم تنجح، ولا تحاول حقاً، في التوجه للعرب. أيضاً هي لا تتحدث بما فيه الكفاية مع الهوامش الاجتماعية في الجمهور اليهودي.
من اجل النجاح في هذه التحديات للتوسع، الاحتجاج يجب أن يتعلم كيف يكون اكثر استيعاباً للرسائل التي تسمع من داخله، وأن يتمكن من تطوير وحدة في أوساط المجموعات المختلفة عن بعضها. من اجل الدخول ايضا الى قواعد القوة الاجتماعية للحكومة يجب أن يتعلم الاحتجاج التحدث أكثر عن الطريقة التي فيها المصالح الحقيقية للكثيرين جداً في داخله يمكن أن تتضرر من هذه الخطوات. من مجرد طبيعة احتجاج واسع فانه يشارك فيه كل انواع الناس. الفروقات في اوساطنا لا يجب أن تعتبر مشكلة، بل يجب التغلب عليها، وهي ايضا احد الموارد التي يجب استغلالها، هي افضلية تمكننا من الارتباط بجمهور متنوع أكثر. يجب علينا أن نطور بأنفسنا القدرة على تنسيق عمل مشترك لقوى مختلفة عن بعضها في مواقفها ولغتها واحساسها.
على سبيل المثال، هناك مشاركون في الاحتجاج ضد الانقلاب الى جانب الذين يريدون بشكل عام الحفاظ على النظام الحالي، والذين ينتقدونه أيضاً ولكنهم يخشون التدهور الى مكان أسوأ. الذين ينتمون للمجموعة الثانية، مثلي أنا مثلا، يرون في لحظة الأزمة الحالية أيضا فرصة حقيقية لتشكيل افق ديمقراطي حقيقي (حسب تعبير الصياغة الناجحة للمنشور الجماعي الشرقي – المدني)، هذا الأفق هو حيوي حسب اعتقادنا، لأن النظام بحاجة الى إصلاح في الحقيقة، لأننا بحاجة فيه الى المزيد من التمثيل والتنوع، لأن هناك مجموعات سكانية ضعيفة ومتضررة حقاً. إذا اردنا أن نجند ايضا هذه المجموعات للاحتجاج فيجب إعطاؤها رداً على هذه المشكلات. لذلك، من الحيوي أن نسمع في الاحتجاج صوتا يختلف عن الصوت المعارض البارز فيه. لكن مع ذلك، من الخطأ التطلع الى دفع الجمهور المحافظ الى خارج الاحتجاج. جميعنا في الاحتجاج يجب علينا العمل توسيع الخيال السياسي وخلق علاقات تعاون جديدة. الذين يقتنعون مثلي بأن الاحتلال هو الجذر العميق لأزمة الديمقراطية في إسرائيل يجب أن يكونوا مسرورين لأن الكثيرين، الذين لم يصلوا بعد الى هذه الرؤية، ينضمون الينا في المقاومة. وهم من ناحيتهم بحاجة الى أن يفهموا بأنه رغم الجدل الكبير حول هذه القضية، فنحن شركاء أساسيون وصوت شرعي في النضال.
· امام حركة المعارضة يقف خطر التسوية الوهمية. لفين وسمحا روتمان يمكنهما أن يحققا أهدافهما حتى اذا تنازلا عن معظم الخطوات التي يقترحانها. هنا تأتي ميزة السياسة المتطرفة: اذا كان الهدف هو قطع ارجل شخص ما، فيمكن أن نقترح بأن تقطع يداه أيضاً، والتوصل الى تسوية حول الموافقة على التنازل عن الطلب الثاني.
· خطر آخر هو حرب زائدة. هنري كيسنجر هو الذي قال إنه لا توجد لاسرائيل سياسة خارجية، توجد لها فقط سياسة داخلية. عندما تهدر المدافع – هكذا يمكن لأحد ما أن يأمل بأن تصمت التظاهرات. دائماً، في كل الأحوال، كانت المغامرة الأمنية ملجأ مناسباً للانتقاد الداخلي. وفي الواقع الإسرائيلي يوجد في يد الحكومة تركيز كبير لقوة القرار. هل المعارضة يمكنها الصمود أمام هذه التحديات؟ من اجل ذلك مطلوب نضوج وحكمة سياسية في أوساط جمهور واسع. الطريق الى جهنم، كتب سي اس لويس، هي مسار معتدل ومن اللطيف السير فيه. مطلوب هناك لافتات تصرح "توقف". هل سنعرف كيفية وضع هذه اللافتات؟ هل سنعرف متى وكيف سنتوقف؟ متى وكيف نرفض؟ كم منا سيوافقون حقاً على التنازل عن الحياة اليومية المريحة عندما يبدأ بالارتفاع الثمن الشخصي للمعارضة؟
سؤال مهم بشكل خاص وهو ماذا علينا أن نفعل، رغم كل التظاهرات، اذا نجحت الحكومة في تمرير التغيير الذي تسعى اليه؟ حيث أنه في هذا الوضع يمكن أن ينشأ في اوساطنا احباط خطير للمعنويات: "اذا كنا جمهوراً كبيراً في الشوارع ومع ذلك نجحوا فلا يوجد ما نفعله وسنيأس".
اليأس، بحد ذاته، هو معطى سياسي لا بأس به. هو جسر يؤدي بالناس الجيدين الى الاستسلام. وعندما يستسلم الناس الجيدون فإن أمورا فظيعة ستحدث. في حالتنا اليأس هو مضلل حتى لأنه الآن وجدت هنا قوة لم تكن موجودة من قبل، حركة معارضة كبيرة مع جمهور واسع، اصبحت تشارك في السياسة. التحدي هو معرفة كيفية الحفاظ على هذه القوة حتى في سيناريو صمدت فيه الحكومة ونجحت في تمرير جزء كبير من خطتها التدميرية.
· جزء من الرد على هذه الخطوة يوجد في قدرتها على تطوير سياسة من المعارضة البناءة. "هي استراتيجية تستخدم طاقة المعارضة من اجل أن تطور بواسطتها البديل. التظاهرات نفسها مهمة، لكنها لا تكفي. يجب الانتظام. يجب الدخول الى مؤسسات قائمة وتحويلها إلى معقل للمعارضة (أنتم تذكرون أنه في هذه السنة توجد انتخابات محلية؟). في الوقت نفسه يجب تطوير مؤسسات جديدة. يجب خلق شبكة من التجمعات التضامنية والدعم المتبادل، تجمعات يمكنها أن تشكل لنا مرساة للتمسك بها حتى لو اصبح الواقع أصعب. يجب أن تشمل هذه الشبكة مؤسسات ومنظمات كثيرة، قائمة وجديدة ايضا، سلطات محلية، حركات شبيبة وكليات تمهيدية، مدارس ولجان آباء، اتحادات طلابية ومؤسسات التعليم العالي، وسائل اعلام نقدية، منظمات مجتمع مدني، مؤسسات ثقافية ولجان عمالية. هيا نخلق مثلا منظومة لبيوت الشعب التي ستعمل في ارجاء البلاد بكونها اماكن للقاءات الجسدية للتفكير، العمل وثقافة اخرى. هكذا نستطيع أن لا نكون وحدنا وأن نلتقي مع شركاء وأن نوسع الدائرة وأن نفكر معا وأن نسمع ونرى مضامين لا تروق للحكومة، وأن ننتظم للدعم المتبادل واظهار التضامن مع الاشخاص الذين تتم مهاجمتهم. في هذا الشأن يمكن أن نتعلم من التجربة التاريخية لاحزاب يسارية مضطهدة، بعد أن قاموا باخراجها خارج القانون قامت بتركيز نشاطاتها على مثل هذه الشبكات.
اذا تحولت الدولة الى دولة ديكتاتورية فان طاقة المعارضة يجب أن تستخدم لخلق البنية التحتية للدولة الديمقراطية القادمة على الطريق. بنية تحتية نكون ملزمين بها ومخلصين لها ونقاتل من اجل الدفاع عنها.
هل سننجح في نهاية المطاف؟ عندما نرى القوى التي امتثلت ونفكر بالذين يمكن تجنيدهم فمن الواضح أن الجواب على هذا السؤال يكون مرتبطاً بنا.
عن "هآرتس"