"السعودية- إيران".. هل بدأت التحولات السياسية؟

حجم الخط

بقلم صالح عوض

 

 

 هل هو لقاء الشيعة والوهابية؟ أم هو لقاء العرب والفرس؟ أين الأبواق التي نفخت في نار الاختلافات العقائدية والمذهبية والعرقية؟ توافقات بين البلدين.. أي حدث هذا؟ ركام من الملفات المتشابكة الحادة تقفز عنها السعودية وإيران لنكتشف في لحظة أنها كانت تكديس لأوهام ووقائع مفتعلة.. صحيح ليس سهلا أن تتوقف فجأة كل وسائل الإعلام التابعة لهذا الطرف و ذاك عن التحريض والشيطنة!! ليس سهلا أن يبتلع الأتباع الإمعات ألسنتهم رغم انها سوف تغيب مصطلحات الرافضة والفرس المجوس كما ستندثر مصطلحات حكام نجد والوهابية وحلفاء الأمريكان؟ لكنه صحيح كذلك أن مصالح البلدين الإستراتيجية تكمن في تجاوز واقع لا يستفيد منه إلا أعداء البلدين.. ولا فرصة أمام الطرفين للتجاوز كما هي الآن؟ تجاوز واقع كان مرتعا للمجرمين الكبار واللصوص الصغار
إن السعودية بما لديها من ثقل عربي وإسلامي ومالي، تلتقي بإيران المحاصرة والمرهقة بالعقوبات الأمريكية وصاحبة المشروع النووي وممولة الحركات المعارضة في المنطقة.. ما هي الملفات التي ستجد نفسها في حكم الانفراج؟ وأي مستقبل للمنطقة؟
فشل التصعيد والمواجهة:
مما لاشك فيه ان الصراع بين البلدين الكبيرين بدأ منذ انتصار الثورة الايرانية فمن الواضح ان كلا من البلدين اختار نظاما سياسيا مختلفا عن الاخر وله أولوياته وسياساته وطريقة تعاطيه مع القضايا، و لقد جاءت الثورة الايرانية بحمولات فكرية وسياسية راديكالية في السياسة والعلاقات الدولية.. وبلاشك احدثت هزة في المنطقة كبيرة ولقد وجدت نفسها مباشرة في صدام مع النظام العربي لاسيما الذي يتمتع بعلاقات اقتصادية وسياسية مع امريكا، و اندلعت حرب الخليج الاولى واصطف معظم النظام العربي لاسيما في الجزيرة العربية خلف العراق لتحجيم الثورة الايرانية او القضاء عليها واستمرت الحرب طويلة وفي ظل هذه الحرب كانت موجات من الحملات الدعائية بين البلدين حيث اعتبرت ايران ان السعودية هي حجر العثرة امامها وانها هي المسئولة عن كل التجييش ضدها في المنطقة لاسيما وان المملكة تحظى بمكانة خاصة لوجود الحرمين الشريفين ومهد الرسالة.
طبعت الكتب وافتتحت محطات الاذاعات واستصدرت الصحف والمجلات ليس من همة لها الا التصيد على الجانبين والتشنيع والشيطنة وقد تعيش قوم كثيرون على هذا الخلاف واصبحت أي دعوة لجمع الصف او تصغير الفجوة ان صعب ردمها انما هي دعوة ساذجة لا احد يستمع اليها..
استطيع ان ادعي ان كلا من البلدين الكبيرين قد خسرا كثيرا في هذه الحرب الباردة والساخنة احيانا في ساحات كثيرة.. واستطيع كذلك القول ان احدا منهما لم يحقق نصرا على الاخر بضربة قاضية، فلئن حاولت ايران تحريك الجيوب الشيعية هنا وهناك فانها كذلك تضم كتلا مذهبية مخالفة وقوميات مختلفة يمكن تحريكها كذلك بمعنى ان الصراع كان عملية استنزاف رهيبة بين البلدين يستفيد منها المستعمرون الكبار في امريكا حيث تجد سوقا شرهة لاستقبال السلاح باثمان باهضة وفي اسرائيل التي تحاول اختراق المنطقة وفي راسها حيث المملكة بموقعها ومكانتها..
ليس هنا مجال رصد التطور الحاصل على الخطاب الايراني ولا على محاولات المملكة في معالجة الموضوع .. لكن مهم في هذا المستوى التأكيد على ان التصعيد المتبادل والعنيف أحيانا قد انتهى الى فشل وعدم قدرته تحقيق أي من اهدافه.. فايران حقيقة باقية في الجغرافيا والشيعة مذهب من المذاهب الاسلامية كما ان المملكة عصية عن اية محاولة لزعزعة امنها فهي تمتلك من الامتداد في الوطن العربي والعالم الاسلامي ما يجعل حدودها وامنها القومي خطا احمر امام الجميع.
فشل التصعيد وفشلت المواجهة بين البلدين في اكثر من مكان وعلى الاقل يكونا قد وصلا الى نقطة التعادل في الخسائر المتجهة بهما الى العدم فلا العراق بيد ايران ولا اليمن استعادتها السعودية، وهنا وهناك لابديل عن الحل بالتراضي.. كما ان التحريك على الجانبين للاثنيات باء بفشل ذريع.
تغير المناخ السياسي عالميا:
من الواضح أننا منذ عام نشهد تصاعدا في تغيير شروط لعبة التحالفات والعلاقات الدولية فلقد رجت الحرب الاوكرانية الخرائط السياسية رجا عنيفا، فلقد نقلت الولايات المتحدة الامريكية ثقل اهتمامها الى مواجهة وجودية مع روسيا عنوانها اوكرانيا.. وهاهي امريكا تحشد قوتها وحلفاؤها في مواجهة تدرك ان نتائجها ستكون حاسمة بالنسبة للامبراطورية الامريكية في العقود التالية..
كان واضحا قبل سنوات عديدة ان الامريكان لايكترثون بامن السعودية وانهم تخلوا عنها في سحب القبة الحديدية من اماكن عديدة وانهم لم يزودوا السعودية بما يكفي من سلاح لمواجهة المسيرات والصواريخ الحوثية، وادرك السعوديون انه لابد ان يبحثوا عن شركاء دوليين اكثر تجاوبا في مسائل حساسة فكان التوجه لروسيا والصين في مجالات تسليح وتجارة بينية رغم ما يحمله ذلك من ازعاج للامريكان..
روسيا واالصين يدركان تماما ان للملكة مكانها ومكانتها المميزة في الحس الاسلامي وفي الجغرافيا العربية و لها الثقل المهم في الاوبك ورفع اسعاره وخفضها بمزيد ضخه او التوقف عن ذلك.. فكان توجه البلدين بالترحيب لاي خطوة سعودية نحوهم الامر الذي يحمل دلالات كبيرة في ان الاستفادة ستكون كبيرة من التوجه شرقا ليس فقط في جانب التسليح ولكن كذلك في صياغة علاقات في المنطقة ولعل بعض قضايا المنطقة كاليمن سيكون اكثر سهولة للحل لما ستقوم به روسيا والصين من ضغط لتنفيس التوتر في اليمن وتحجيم جنوح الحوثيين.
المناخ الدولي الان يقول بوضوح ان للسعودية القدرة وبسهولة رفض الطلب الامريكي بزيادة ضخ النفط وان للسعودية فرصة ان تجلب بايدن في مؤتمر جدة لتسمعه غير الذي كان ينتظره وتحدد له شروط أي خطوة سياسية تجاه اسرائيل بانها لن تكون الا على ارضية قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس على ارضية المبادرة العربية السعودية للسلام.
قوة التحرك الصيني المدعوم بالموقف الروسي جاءت في مرحلة تاريخية مناسبة ولم يكن لها ان تنجح لو جاءت قبل حرب اوكرانيا.. فالان امريكا منشغلة بمشكلاتها الداخلية والعالمية وهي على اعتاب انتخابات قد تعصف بالديمقراطيين وستكون دعوة اكثر جدية في النكفاء على الذات بعد ان بلغت الديون على الدولة الامريكية حدا لايمكن قبوله برلمانيا فيما يمكن الاشارة الى ازمات اقتصادية تطال بعض البنوك الكبيرة في الولايات المتحدة الامريكية.
لم تعد لغة التحالف هي التي تأنس اليها المملكة التي ايقنت بان الامريكان لن يزودوها بما ترغب من اسلحة لتحقيق امنها القومي وان الامريكان لا شيء مضمون في العلاقة معهم.. اما الروس والصين فهما قابلتان لتزويد السعودية ب اس 400 وطائرات متطورة واسلحة نوعية وذلك باسعار اقل تكلفة ثم ان هذين البلدين قادرين على اقناع الايرانيين بسحب اياديهم من ملفات مزعجة للسعودية وذلك ضمن تفاهمات عميقة ترعاها الدولتان الكبيرتان.
الدور الصيني المفاجيء:
لم يكن واردا ان يحصل هذا اللقاء والاتفاق والتفاهمات في أمد قريب.. ولقد ظل الاعداد لما تم فترة طويلة وبدأب صيني وصمت حتى تصافح الرجال معلنين انهم تفاهموا على القضايا جميعا.. من العبث ان يكون الموقف الصيني يتحرك بمفرده في هذا الملف فالروس داعمون حقيقيون للجهد الصيني وقد يكونوا هم الضامن الثاني الرئيس لنجاح التفاهمات، ويأتي هذا التحرك الصيني ليقول بلسان فصيح أنه يمكن انهاء النزاع بعيدا عن ارادة الامريكان والمجتمع الدولي"الموقف الغربي" وهذا في حد ذاته يعتبر انجازا كبيرا تاريخيا يجسد انتهاء مرحلة السيد الاوحد والقطب الوحيد.. فهاهما دولتان كبيرتان في العالم الاسلامي يتصالحان ويتفاهمان – وهذا خسارة استراتيجية لامريكا- وان يكون للصين المنافس الاقتصادي الرئيس للامريكان الدور البارز.. وهكذا تعزز الصين مجهودها الاقتصي في طريق الحرير الذي سيجد من مواني المملكة فرصة استراتيجية لنجاحه كما انه سيفتح فرص التجارة مع ايران.
الدور الصيني المتصاعد سياسيا في العالم يكون قد انتقل بالصين الى اهم المواقع الدولية مباحث عن حلول للصراعات الاقليمية المستعصية، ولطبيعة النظام والسياسة الصينية سيجد الطرفان الايراني والسعودي التزاما صينيا بانجاح التفاهمات وتقديم كل ما من شانه لجعله حقيقة واقعة عكس كل المحاولات التي تصنعها الولايات المتحدة حيث لاتفكر حكوماتها الا بالحروب والصراعات واملاء صيغ التسوية والقهر على الضعفاء..
الدور الصيني لم يعد فقط اقتصاديا في المنافسة مع الامريكان بل هو سياسي كذلك وهو منافس ناجح وهاهو يوجه ضربة عنيفة لطبيعة التوجه الامريكي في المنطقة وللارادة الامريكية باستمرار الصراع بين البلدين المسلمين..وستكون هذه الخطوة الصينية العملاقة بوابة لانجازات صينية سياسيا في المنطقة وفي الوطن العربي والعالم الاسلامي لاسيما وان العرب والمسلمين اكثر ثقة بالصين وروسيا من ثقتهم بالامريكان الذين لاينسى العرب لهم تدميرهم للعراق وقتلهم 2 مليون عراقي ونهب العراق وتسليط حكام فاسدين على دفة الحكم.
تداعيات التفاهمات:
تكون اسرائيل قد فقدت الاسطوانة الدعائية بانها بصدد تحالفات امنية عسكرية مع السعودية ودول الخليج ضد ايران وانها ستكون جبهة عسكرية تعلن الحرب على ايران واسقاطها.. وتكون اسرائيل كذلك قد فقدت تهريجها عن قرب التطبيع مع السعودية التي اقدمت على خطوة جبارة ضد الارادة الامريكية في المنطقة بتوصلها الى تفاهمات مع ايران " المنبوذة امريكيا" والمحاصرة.
وهكذا تكون جبهة الصمود العربي ضد التطبيع قد تعززت و ستجد هذه الجبهة عناوين رئيسية فستكون الرياض والجزائر عاصمتان عربيتان مهمتان رئيسيتان في ايقاف انهيار المنطقة العربية.. وستجد الدول العربية الصغيرة فرصة لها في الاحتماء بموقف عربي كبير
ان ادخال الصين والروس في الملف يعني بوضوح ان المملكة ستحقق ما تريد من تزود بالسلاح النوعي ومن غير المستبعد مفاعلات نووية.. كما انها ستنعم بتهدئة حقيقية مع ايران التي ستوقف انشطتها ضد امن المملكة وسيجد الحوثيون سبيلهم لحل سياسي ينهي انقلابهم ويعيدهم الى طبيعتهم كجزء من الشعب اليمني وليس بديلا عنه.
ستنعم ايران بعلاقات جيدة نموذجية مع المملكة وبهذا تكون قد كسرت اطواق من الحصار عليها وتجنبت كثيرا من العقوبات وستجد ايران في العلاقة مع السعودية فرصتها في تخفيف الضغط النفسي الرهيب عليها جراء الحرب المتبادلة الدعائية..
هناك تداعيات عديدة سنراها عما قريب في العراق حيث سينتعش التوجه العروبي الذي يحاول التقرب من السعودية.. كما ان لبنان وفرقاؤه المتناحرون سيجدوا انفسهم امام محركين متقابلين متفاهمين مما سيقلل الاحتكاك وينفس الاوضاع.
اكثر من ساحة سيتم التفاهم في كيفية ادارة العلاقات فيها بين الدولتين الكبيرتين، ومنذ هذه اللحظة ستبدأ الموازانات تتعدل في كلا البلدين لسد ابواب صرف رافقت الحرب الباردة بين البلدين.. وهذا سيوفر للبلدين مزيدا من الاموال والجهد والامن..

ان سياسة التصالح التي تكون السعودية تنهجها تجاه ايران وتركيا سابقا وقطر وسواها من الدول الاقليمية يمنح المملكة دورا في ترتيب العلاقات وضبطها في قضايا حساسة النفط وفلسطين والعلاقات الدولية.. هي فرصة للسعودية كبيرة وكذلك لايران وان التقاء الدولتين الكبيرتين سيعود بفوائد حقيقية على الامن الاقليمي وعلى المجتمعات العربي والاسلامية وفي ذلك خسارة كبيرة للامريكان والاسرائيليين.