تبدد حلم إسرائيل بإقامة تحالف عربي – دولي ضد إيران، يوم الجمعة الماضي، بعد إعلان إيران بأنها ستستأنف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية خلال شهرين. يمكن أن ترسم هذه الخطوة الدراماتيكية خارطة علاقات جديدة في الشرق الأوسط وخارجه. فهي ستمنح شرعية حيوية لإيران في أوساط الدول العربية في المنطقة، ما سيثمر فيما بعد علاقات دبلوماسية أيضا مع دول أخرى مثل مصر.
يمكن أن يمهد الاتفاق الطريق أمام انتهاء الحرب في اليمين، وأن يؤدي إلى حل قابل للبقاء للأزمة في لبنان، وربما أيضا أن يدفع إلى استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي. سيجبر هذا التطور الولايات المتحدة أيضا على إعادة فحص موقفها بعد أن ثبت أن الصين – ليس واشنطن أو موسكو – هي التي نجحت في إعادة تشكيل بنية سياسية معقدة، بصورة تقليدية كان يمكن أن تكون برعاية وإدارة أميركا.
نضج استئناف العلاقات بين إيران والسعودية على نار هادئة وحتى متوسطة في السنتين الأخيرتين. بوساطة العراق وسلطنة عمان جرت خمس جولات من المحادثات بين شخصيات رفيعة من الرياض وظهران. كان جزء من هذه الجولات في بغداد وفي مسقط عاصمة عُمان. توسطت الأخيرة في السابق بين إيران والولايات المتحدة في المحادثات قبل التوقيع على الاتفاق النووي في العام 2015.
قطعت العلاقات بين الدولتين في 2016 على خلفية قرار السعودية إعدام المفتي الشيعي، نمر النمر. ردت إيران على ذلك بهجوم على السفارة السعودية في طهران. قبل سنة من ذلك أعلنت السعودية الحرب على الحوثيين في اليمن، وبذلك فتحت أمام إيران الباب للتدخل في دولة أخرى خطيرة في المنطقة؛ إضافة إلى لبنان والعراق.
هذه الحرب الفاشلة، التي قتل فيها تقريبا 150 ألف شخص، تحولت إلى محور خلاف رئيسي في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة والدول الأوروبية. لذلك أُضيفت أيضا قضية قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في إسطنبول في 2018. في أعقاب عملية القتل أغلقت واشنطن بابها أمام حاكم السعودية الفعلي، ولي العهد محمد بن سلمان. إذا كان هناك أدنى شك فإن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أوضح بأنه ينوي "إعادة معايرة" العلاقات مع المملكة.
في السنة ذاتها كانت إيران لا تزال خاضعة لبنود الاتفاق النووي. ممثلون لشركات دولية كانوا يقفون على بابها ووقعت صفقات ضخمة، وكان يبدو أنه بفضل حرصها على تطبيق الاتفاق فهي ستحل محل السعودية حليفة للولايات المتحدة والغرب بشكل عام. ولكن ضائقة السعودية لم تستمر فترة طويلة. في أيار 2018، بضغط من إسرائيل، أعلن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن الانسحاب من الاتفاق النووي. بعد ذلك بسنة بدأت إيران الانسحاب من التزامها بشروطه.
دفع ترامب قدما بعد ذلك بـ"صفقة القرن" و"اتفاقات إبراهيم"، ودفع نحو إقامة التحالف العربي ضد إيران. ولكن في العام 2021 تبين أن هذا تحالف خيالي عندما سحبت الإمارات قواتها من اليمن، وأبقت السعودية وحدها في الحرب. بعد ذلك بسنة، في آب 2022، استأنفت أبو ظبي والكويت العلاقات مع إيران، بعد شهر فقط على الزيارة المثيرة للخلاف لبايدن في جدة ومصافحته الخفيفة لبن سلمان.
أيضا بعد هذه الزيارة لم ينم أي حب بين الزعيمين. في تشرين الأول الماضي، تلقى بايدن صفعة مدوية عندما أعلنت السعودية أنها لا تنوي زيادة حصتها في إنتاج النفط – مثلما طلب بايدن، الذي كان يهدف إلى التغلب على أزمة الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا. لم تكن هذه ضربة وحيدة من جانب الرياض.
في كانون الأول، رافقت اربع طائرات قتالية سعودية طائرة الرئيس الصيني، شي جينبينغ، أثناء زيارته الرسمية، فعليا الملكية، في السعودية. لم تكن هذه الزيارة الأولى له في السعودية. ولكن في هذه المرة وقع تحالف استراتيجي يشمل اتفاقات تجارية واستثمارات بعشرات ملايين الدولارات، وبالأساس تطوير مفاعل نووي لغرض إنتاج الكهرباء لصالح الرياض. أرادت السعودية منذ سنوات من الولايات المتحدة أن تساعدها في بناء مثل هذه المفاعلات، لكن الطلبات التي قدمتها الولايات المتحدة – منها تلبية شروط الوكالة الدولة للطاقة النووية – شطبت هذا التعاون من الأجندة. في 2020 نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن برنامج مقلق للتعاون بين الصين والسعودية لإنتاج "كعكة صفراء" من خام اليورانيوم الموجود بكثرة في السعودية. بعد فترة قصيرة نشر أن المخابرات الأميركية تفحص معلومات تفيد بأن السعودية تريد إقامة منشأة لإنتاج المياه الثقيلة بمساعدة الصين.
نشرت "وول ستريت جورنال"، أول من أمس، بأن أحد الشروط التي طرحتها السعودية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل هو، مرة أخرى، مساعدة أميركية في بناء المفاعلات، وهو طلب تم وقفه حتى الآن في الكونغرس في واشنطن. يبدو أن السعودية وجدت في الصين الحل لهذا العائق، كما أنهما وقعتا في 2017 مذكرة تفاهم لبناء المفاعلات. على أي حال، تضع السعودية الولايات المتحدة في مأزق: مساعدتها في المجال النووي وربما الحصول في المقابل على تطبيع مع إسرائيل أو السماح للصين بجني المكاسب السياسية والاقتصادية.
هكذا تحولت الصين إلى حليفة استراتيجية، سواء للسعودية أو لإيران. قبل سنتين تقريبا وقعت بكين وطهران على اتفاق استثمارات وتعاون اقتصادي بمبلغ 400 مليار دولار خلال 25 سنة. ولكن من الواضح للصين وإيران أن استنفاد الإمكانية الاقتصادية الكامنة في الاتفاق سيلزم إيران بالتوقيع على اتفاق نووي جديد.
على خط التماس هذا دخلت الصين إلى دور الوسيط بين السعودية وإيران من اجل بناء منظومة علاقات تخدم جيدا مصالح الدول الثلاث دون الحاجة إلى خدمات أو موافقة الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك بكين آخذة في احتلال مكانة واشنطن ليس فقط في المجال الاقتصادي، فقد تحولت إلى قوة استراتيجية إقليمية، قدرة إسرائيل على التأثير عليها محدودة جدا.
عن "هآرتس"
«ربيع ساخن» على الشرق الأوسط والعالم
09 يناير 2025