في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت أسهم شركات التكنولوجيا في دولة الاحتلال تعيش فترة ازدهار، وكانت شركات التكنولوجيا تتفاعل مع حالة الازدهار من خلال ارتفاع ملحوظ في اسعار اسهمها، ورفع رواتب موظفيها بوتيرة سريعة، وتخصيص اموال اكثر للبحث والتسويق وكأن ظروف الازدهار لا نهاية لها.
ومن الواضح ان عنصراً رئيسياً في المعادلة الاقتصادية العامة، وهو نفس سبب انهيار بنكي سيليكون فالي وسيغنتشر الامريكيين خلال الخمس ايام الماضية، لم يكن في حسبان الكثير من رؤساء شركات التكنولوجيا التنفيذيين، وهو معدل ارتفاع التضخم، سواءاً في الولايات المتحدة، دولة الاحتلال، اوفي معظم دول العالم. فارتفاع معدل التضخم في غالبية دول العالم ادى إلى اتخاذ إجراءات عملية من قبل البنوك المركزية في تلك الدول للحد من ارتفاعه، ومن ابرز هذه الاجراءات واشدها تأثيراً هو رفع أسعار الفائدة لعدة مرات متتالية، مما أدى إلى تقلص الأسواق المالية وخاصة أسهم التكنولوجيا. الامر الذي ادى ايضاً الى هبوط حاد في قدرة الشركات الناشئة على تجنيد التمويل الاستثماري، وخاصة المُخاطِر منه، واللازم لاستمرار نموها. هذا كان واضحاً بدأً من النصف الثاني من عام 2022، حيث يُقدر مركز IVC Research البحثي إلى أن تجنيد التمويل للشركات الناشئة في دولة الاحتلال في هذا العام لن يتجاوز 6 مليارات دولار اي أقل بربع مما كان عليه قبل عامين.
ويشهد اقتصاد دولة الاحتلال نزوح كبير لشركات تكنولوجية ورؤوس الاموال بسبب التأثير الاقتصادي القوي للتغيرات القضائية التي يعمل الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف تطبيقها مُستغلاً الاغلبية الفاشية في الكنيست، والتي تواجه واحتجاجات شعبية واسعة. ففي الأسابيع العشرة الأخيرة، شهدت دولة الاحتلال تغييرات سريعة في الكثير من الجوانب السياسية والاجتماعية بسبب الاحتجاجات على محاولات الائتلاف الفاشي الحاكم الانقلاب على الجهاز القضائي. ومن بين التأثيرات لهذه التغييرات المقترحة للجهاز القضائي تراجع ثقة المستثمرين، وتأخر استثمارات الشركات في الصناعات المختلفة وخاصة في مجال الشركات التكنولوجية الناشئة، مما سيؤدي حتماً إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة في معدلات البطالة. ومع ذلك، فإن حكومة الإسرائيلية مُنغمسة في التوسع الاستيطاني وتطبيق قوانين وسياسات فاشية لا يمكن تفسيرها الا على انها "تَنْفيس" عن الحالة العنصرية والعقلية الفاشية التي تمخض عنها التشكيل الحكومي، بدل من العمل على تحسين الظروف الاقتصادية الناتجة عن التغيرات المحلية والعالمية.
انهيار بنك سيليكون فالي وبنك سيغنتشر ( الذي اسسه بنك هبوعاليم الاسرائيلي قبل نحو عقدين من الزمن) السريع خلال الخمس ايام الماضية سيحمل تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي في المنظورين القريب والبعيد. فقد كان هذان البنكان مصادرا تمويل مهمان للشركات الناشئة في دولة الاحتلال، الاول بُحكم طبيعته كمصرف معروف لشركات التكنولوجيا الناشئة، والثاني بُحكم جذوره الاسرائيلية، وسيُسفر فشلهما إلى تقليل كبير في الاستثمار في صناعة التكنولوجيا في دولة الاحتلال.
وبما ان صناعة التكنولوجيا هي مساهم كبير جداً في اقتصاد دولة الاحتلال، وان ان المساس في نمو هذا القطاع واي نقص استثماري فيه، سيُخلّف تباطؤ في النمو الاقتصادي بشكل عام، وبالتالي إلى مستويات أعلى من البطالة وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وهذا سيزيد من تفاقم التأثيرات الاقتصادية على الاقتصاد الفلسطيني المُعتمد بشكل اساسي على اداء الاقتصاد في دولة الاحتلال بسبب فشل السياسات الاقتصادية المُتبعة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي ما زالت بدائية تحرم المواطن الفلسطيني من فُرص التطور الاقتصادي المستقل او حتى شبه المستقل.
ولانهيار البنكين الامريكيين تأثيرات على نظام الخدمات المصرفية في دولة الاحتلال بشكل عام، حيث انه من المتوقع ان تصبح البنوك أكثر حذراً في منح القروض للشركات الناشئة والمشاريع عالية المخاطر في كافة المجالات من خلال تشديد شروط الائتمان. وهذا بدوره سيجعل من الصعب على الشركات في قطاعات أخرى الحصول على التمويل الذي يحتاجونه للنمو والتوسع.
ويقترح بعض الاقتصاديين في دولة الاحتلال تدخل الحكومة للمساعدة في التخفيف من تأثيرات انهيار هذين البنكين بشكل سريع قبل تفاقم تأثيرات الانهيار، بل اكثر من ذلك، قبل انهيار بنوك اخرى، ومن المقترحات المطروحة: توفير دعم مالي للشركات الناشئة الخاسرة، تقديم حوافز للمستثمرين للاستمرار في الاستثمار في صناعة التكنولوجيا وغيرها من المقترحات التقليدية في مثل هذه الظروف، لكن علينا ان نضع نصب اعيننا ان أي تدخل حكومي في الاقتصاد من شأنه أن يثير الجدل، وقد يكون هناك تأثيرات طويلة الأجل لمثل هذه التدخلات على الاقتصاد وحتى على المشهد السياسي.