لأنهم فضلوا الموت على المعاملة المهينة التي يتعرضون لها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، انتهجوا معركة الأمعاء الخاوية في محاولة منهم لتشديد ثقافة المقاومة بأسلوب جديد بعيد كُل البعد عن المقاومة العسكرية أو السياسية ، لكن وقعها ربما أقوى على السجان، حينما يفاوض السجين سجانه بأمعائه ويخضعه لمطالبه رغماً عنه .
محمد القيق سينصره التضامن
نرفع القبعات احتراماً لهؤلاء الأسرى الذين يضحون بحياتهم من أجل قضية وطن لا قضية شخصية وحسب، يجسدون ثقافة المقاومة مع أنهم يدركون مخاطر الإضراب عن الطعام على النفس، ولكن الخوض في مثل هذا الإضراب يحتاج لعوامل عدة تساعد في انجاحه.
في هذا الاطار، يرى الكاتب ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شئون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة، أن الأسير محمد القيق ينقصه الكثير لإنجاح إضرابه عن الطعام، خاصة أنه ينوب عن المعتقلين الإداريين و بإضرابه هذا يشعل قضية الاعتقال الإداري، ويدفع حياته ثمناً لهذا الخيار.
وأضاف فروانة : "بغض النظر ان كان القيق اخطأ في اختيار الظرف و التوقيت المناسب و قراءة الواقع داخل وخارج السجون، لكن هذه القضايا لمجرد ان تبدأ المعركة يجب أن تكون خلف ظهورنا وننظر إلى ما هو قادم."، موضحاً أنّ علينا كفلسطينيين أن نوفر العوامل المساعدة اولها: التضامن والحراك النضالي داخل السجون .
ولفت إلى أنه لا يعقل ان يبقى الأسير محمد القيق مضرب لأكثر من شهرين وحتى هذه اللحظة لم يعلن اسير واحد عن تضامنه سواء من الحركة الأسيرة او من حزبه او من الفئة التي يمثلها من المعتقلين الاداريين.
وفي هذا الإطار، يرى الأسير المحرر والخبير في الشؤون الإسرائيلية د. فريد قديح، أن توافر الدعم الحقوقي والإعلامي الكامل للأسرى المضربين عن الطعام يسرّع في رفع الظلم عن الأسير ويمنع وفاته نتيجة المعاناة، خاصة في هذه الظروف المناخية الصعبة .
وأضاف : تسارع المؤسسات الدولية بالتواصل مع المؤسسات الإسرائيلية التي بدورها تضغط على حكومتها وتعرب عن احتجاجها، وبلورة موقفاً ضاغطاً يسبب حرجاً سياسياً لإسرائيل ويضعها في موقف لا تحسد عليه، مضيفاً أن قضية الأسرى هي احدى ملفات السلطة الفلسطينية التي تحاول أن تقدمها لمحكمة الجنايات الدولية من منطلق أنه أحد المسارات التي ينتهك فيها حقوق الانسان الفلسطيني وفيها خروج عن القانون الدولي في تعامل إسرائيل مع الأسرى .
الحراك النضالي والتضامن داخل السجون تربك إدارة المحتل داخل السجن، وتشكل عامل ضغط عليه، بحسب ما يرى " فروانة"، ولا يتوقف الأمر على داخل السجن ،بل إضافة إلى ذلك فإنه في خارج السجون ،الحراك الموجود والتضامن لا يرتقي لمستوى قضية محمد القيق ولا للخطورة التي يعاني منها و لا التدهور الصعب الذي تحدثت عنه الانباء باحتمالية أن يصاب بجلطة او يستشهد في أي لحظة.
وأشار "فروانة " إلى أن وضع الحركة الأسيرة حتى وان كان لا يسمح نتيجة المضايقات والاعتقالات المتكررة والهبة الشعبية إلا أن هذا ليس مبرر لترك الأسير القيق وحده يُقارع السجان، لأن الانتصار هو انتصار للجميع قبل القيق بشخصه.
إسرائيل في موقف لا تحسد عليه
الاضراب عن الطعام هو أحد الوسائل الأخيرة التي يلجأ إلها الأسير، بحسب ما يرى " د. فريد قديح" ، و أن لجوئه إليها ليس بالأمر الهين، لأن أحد احتمالاته هو انهاء الحياة ، ولا يغامر الأسير بحياته إلا حينما يكون قد فقد الأمل بتغيير الواقع المجحف بحقه من المحتل .
ويشير " فروانة" إلى أن هذا الاضراب يؤجج الحالة الجماهيرية خارج السجون، و يزيد من العمليات وبحدث أي مكروه لأي أسير سيشكل دافعاً للعمليات داخل وخارج السجون، وهي ترفض أن يستشهد أي اسير داخل سجونها، ويصبح نموذجاً لباقي الأسرى، لافتاً أن هذا ما يفسر عدم تجاوبها بسرعة لهذه الأساليب وتقابلها بأساليب قمعية لاستئصالها بشكل كامل.
ويضيف د. قديح، أن هذا الأسلوب يعزز الرفض لما ينتهجه الاحتلال الاسرائيلي في اهانة الشعب الفلسطيني خاصة شريحة الاسرى باعتبارهم فئة معزولة تعاني في الدرجة الاولى من وجودها خلف قضبان الاسر.
ويعتقد فروانة أن اسرائيل تسعى جاهدة للقضاء على روح التحدي والإرادة والعنفوان لدى الأسرى، وهي تريد أن تنهي هذه الأوضاع المتصاعدة داخل السجون، وهي منذ بداية الاحتلال تحاول ان تقضي على هذه الروحية لدى الاسرى بقمع الاضرابات وعدم التجاوب معها ولا مع المطالب القائمة على أي شكل من أشكال القوة في انتزاع الحقوق.
بقعة ضوء لما يحدث في السجون
وعن أهمية الإضراب عن الطعام، يرى د. قديح أنه يلقي الضوء ويجذب انتباه الرأي العام لهذه القضايا التي تمس جوهر حقوق الانسان، حيث يُعتبر الأسرى شريحة مهمة لدى المجتمع الفلسطيني، والمجتمع حساس لأي قضية تواجههم، لذلك عندما يُضرب اسير عن الطعام ويأخذ بُعداً اعلامياً نرى ان الفلسطينيين بأسرهم يقفون رافعين صوتهم لصالح هذا الاسير، وبالتالي فإن المجتمع الدولي والحقوقي في العالم- ليس واجباً إنما خجلاً - يقف مسانداً لهذا الاسير وهذا الامر يُحرج اسرائيل ويقوض فرص الدفاع عن اسرائيل امام المجتمع الدولي من قبل اصدقاءها .
وأضاف فروانة:": سياسة الاضراب عن الطعام تؤدي إلى تأجيج الحالة داخل السجون وتحدث حالة "اللا استقرار" والمواجهة، وتوجه الرأي العام نحو الأسرى وفضح جرائم اسرائيل بحقهم، وهي لا تريد لهذا ان يظهر، محاولة ان تغيّب هذا الامر وتخمده وتقمع كل حالة من هذه الحالات.
وشدد قديح على أنه من المهم أن نعمل على توضيح هذه القضية للرأي العام الإسرائيلي ، لمعرفة مدى انتهاك حكومتهم لحقوق الانسان، وإدراك ما يروجه اعلامهم والمؤسسة الرسمية لهم ووسم الأسرى بأنهم مجرمين ليست حقيقة.
بل إنه يجب على المجتمع الاسرائيلي ان يدرك ما تفعله حكومته وكيف تمارس القهر والظلم لحقوق الانسان على اعتبار انها تتغنى امام الجميع انها الواحة الوحيدة للديمقراطية في الشرق الأوسط .
يجب أن ينتصر القيق
أي انتكاسة تتعرض لها قضية القيق هي صفعة للمقاومة يجب تجنبها، لأن هذا ما تسعى إليه إسرائيل في ظل انشغال الجميع في القضايا الداخلية والخارجية، بحسب ما أوضح "فروانة " أن اسرائيل ترى الفرصة مناسبة للانقضاض على الأسرى لاستئصال ثقافة المقاومة وإنهاء هذه الظاهرة ، لافتاً إلى أن علينا أن نفكر في ما هو أبعد من القيق وإلى ما يمثله وما يشكله بالنسبة لنا كفلسطينيين وبالنسبة للمقاومة.
ويرى د. قديح أن الأسير المضرب عن الطعام عندما يكون فرداً يناضل من اجل قضيته الشخصية ، لكن قضيته الشخصية هي جزء من القضية العامة، ولا يوجد اسير قضيته شخصية مطلقة بل إن كل اسير هو جزء من قضية الاسرى وحينما يضرب اسير عن الطعام من اجل اهدافه الشخصية فهو يسلط من خلالها الضوء على باق الاسرى.
وأضاف د. قديح أن اسطورة عدنان والعيسوي والكثير من الاسماء في الخمس سنوات الماضية ساهموا مساهمة غير عادية في توسيع رقعة الاهتمام الدولي وخاصة في اطار المؤسسات الدولية لقضية الاسرى و فضح الممارسات الاسرائيلية مع الاسرى خاصة لأنها تأتي من خلف الكواليس والرأي العام العربي والاسرائيلي لا يدركها .
يشار إلى ان الأسير محمد القيق يدخل يومه الـ 62 في إضرابه عن الطعام، وأطلقت جهات مختلفة نداءها لانقاذ حياة الأسير القيق والذي دخل يتعرض لمرحلة شديدة الخطورة ، خاصة وأنه منذ أيام فقد حاسة النطق وساءت حالته بشكل كبير وأصبح يعاني من تكرار لفقدان الوعي .