سعدت بخبر اتفاق إعادة العلاقات السعودية الإيرانية، والذي تتضمن أهم بنوده، استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعقد اجتماع بين وزيري الخارجية لتفعيل ذلك ولمناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، وفي هذا الصدد، تقرر استئناف الاتفاق الأمني الموقع بينهما العام ٢٠٠١.
سعادتي تأتي لأسباب مختلفة من زوايا متعددة، رغم قناعتي أن فتح السفارات هو وسيلة لصيانة المصالح، وليس هدفا في حد ذاته، فكنت دائما ممن يرون أهمية استمرار أبواب السفارات مفتوحة ووجود الدبلوماسيين على الأرض، إلا في ظروف استثنائية تتعلق بالاعتراف المتبادل والشرعية والعدوانية، وذلك لأن دور الدبلوماسي هو تقييم الأوضاع بدقة، ونقل الرسائل بحرفية وأمانة، وقد شهدنا احتفاظ الدول الكبرى لسفاراتها قائمة حتى في حالات التوتر والصدام، ولعلنا نتذكر الدور المهم للسفير السوفيتي أناتولي دوبرينين في توصيل رسائل حساسة في لحظات تاريخية وحاسمة أثناء أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا العام ١٩٦٢.
ومن أسباب سعادتي كذلك أنني لا أرى إمكانية المضي نحو الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط في غياب استقرار العلاقات السعودية الإيرانية، وهو نفس ما سبق أن قلته بالنسبة للعلاقات المصرية التركية، وكذلك بالنسبة للوضع الفلسطيني الإسرائيلي. ورغم أن استئناف العلاقات بالخليج العربي مجرد خطوة أولى تحتاج لإجراءات وممارسات لترسيخها، فالتباين واسع ومتعدد حول أمن الخليج والملف النووي والصواريخ والمشرق العربي والترتيبات الأمنية وغير ذلك. ما أعلن خطوة مهمة تعكس رغبة بين البلدين للانتقال من القطيعة الرسمية بينهما إلى مسار علاقات طبيعية، بكل ما تحمله من فرص وتحديات، وستحدد الأفعال أيا من هذه المسارات سيكون له الرصيد الأكبر في الميزان، مع مرور الزمن والأحداث وردود الفعل خلال فترة زمنية متواصلة ستشهد بعض التحديات وحتى الكبوات، لذا جاءت الإشارة إلى اجتماعات قادمة لوزير الخارجية في محلها تماما، لأن مسار الحوار الدبلوماسي السياسي مهم بل ضروري لتخطي كم غير قليل من التراكمات التاريخية السلبية وضمان التعامل الحكيم مع جهود متوقعة من أطراف إقليمية ودولية غير مؤيدة للتهدئة السعودية الإيرانية.
وقد وفق الجانبان السعودي والإيراني في التنويه إلى أهمية احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، لإعطاء جدية ومصداقية لإعلان استئناف العلاقات، باعتبار أن الخلافات بينهما والشكاوى السعودية بشكل خاص ارتبطت بممارسات إيرانية غير مقبولة في هذا الشأن.
كما لاستئناف الاتفاق الأمني الموقع بين الجانبين منذ عقدين من الزمن أهمية خاصة، باعتبار أن أغلب الخلافات بينهما ترتبط بقضايا الأمن القومي، وأن الأجهزة والمؤسسات الأمنية هي دائما الأكثر حذرا وترددا في فتح قنوات اتصال سياسية قبل الاطمئنان للنوايا والأفعال من خلال اتخاذ خطوات محددة وملموسة، ومن ثم يوفر تفعيل الاتفاق الأمني ثقلا سياسيا لإعلان استئناف العلاقات ودعم المؤسسات الوطنية المحافظة والمتحفظة له.
ولعله من الملائم الإشارة إلى حوارات دارت بيني كوزير خارجية مصر والمرحوم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة العام ٢٠١٣، وتفاهمي معه على جس نبض وزير خارجية ايران في بدء حوار سعودي إيراني إذا أخذت ايران خطوة لبناء الثقة تعكس جدية الأطراف المتشددة والمحافظة لديها، والمقترح الذي نقلته لوزير خارجية إيران حينذاك في صباح اليوم التالي كان البدء في استئناف واحترام الاتفاق الأمني السعودي الإيراني، وبالفعل بدأت الحوارات السعودية الإيرانية بين الأجهزة الأمنية. واستمرت شهورا قبل أن تتوقف مع أحداث اليمن، وقد تناولت هذه الاتصالات بالتفصيل في كتابي «في قلب الحدث... الدبلوماسية المصرية في الحرب والسلام وسنوات التغيير» الصادر عن «دار الشروق» العام ٢٠٢٠.
ومن المؤشرات المهمة في هذا الاتفاق أن الحوار السعودي الإيراني تم خارج المنطقة، على عكس حوارات أخرى تمت في بغداد أو مسقط، وكانت المفاجأة أن تكون الصين هي الدولة المضيفة، وهو أمر غير معتاد، خاصة انه يتعلق بدول خارج الإطار الآسيوي القريب من الصين. وهنا اعتقد أن هذه الاستضافة مرتبطة بعدد من الأمور، تشمل اعتماد الصين على مصادر الطاقة الشرق أوسطية، وخروج الصين من دائرة الدبلوماسية المحكومة والمحدودة والبدء في ممارسة الدبلوماسية العالمية النشطة، وهو تطور وعزم عبر عنه وزير الخارجية الصيني الجديد تشين جانغ منذ أسبوع، وعكسه أيضا خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ لمناسبة فوزه بولاية رئاسية ثالثة منذ أيام. كما تجب الإشارة إلى أن الصين سبق أن اقترحت مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط من خلال الحوار.
وقد تابعنا ردود الفعل المنضبطة من المصادر الغربية والأميركية عن مضمون الإعلان السعودي الإيراني، ولا مبالغة في القول إن الإعلان سيكون محل دراسة وتقييم دقيق في الغرب، وإنما اعتقد مبدئيا أن الغرب يرحب به حقا ليتجنب الانزلاق نحو صدام عسكري مع إيران بسبب برنامجها النووي، على غرار ما تسعى إليه إسرائيل، رغم أن التعاون الإيراني الروسي ارتباطا بأحداث أوكرانيا زاد من التوترات الغربية والغضب من إيران.
أكتب هذه الملاحظات خلال اشتراكي في مؤتمر يعقد في الهند حول النظام الدولي ويحضره الكثيرون من ممثلي الدول والمؤسسات والمصالح الغربية. وشعرت خلاله بغضبة غربية جامعة تجاه روسيا إزاء أحداث أوكرانيا، وقلق غربي وآسيوي كبير وإنما أقل حدة من بروز دور الصين وممارستها للعلاقات الخارجية بثقة متزايدة وطموح أوسع، واثق أن الإعلان السعودي الإيراني والاستضافة الدبلوماسية الناجحة للصين ستحظى باهتمام كبير وملاحظات متعددة خلال الجلسة الختامية، خاصة أنه سبق أنه بعد ذلك تمت الإشارة في اليوم الأول إلى زيارتي أميركا والصين إلى السعودية وتباين النتائج خلالهما لصالح الصين.
—————————————
* وزير خارجية مصر السابق.