ساعات قليلة ويهل علينا أفضل الأشهر في السنة، شهر رمضان الذي خصه الله للعبادات والصوم والصلاة والتعبد، والذي ينتظره المسلمون كل سنة للتقرب لله، ويُصاحب العبادات في هذا الشهر عدة تحضيرات والتي يسارع المواطنون للقيام بها، كتحضير منازلهم بألوان الزينة المختلفة والفوانيس المتعددة الأشكال والألوان، ويقومون أيضاً بتزيين الشوارع والحوائط بكافة الرسومات الإيمانية ابتهاجاً بقدوم شهر رمضان.
ومن التحضيرات الرمضانية أيضاً يقوم المواطنون وخصوصاً النساء بتحضير برنامجاً خاصاً لإعداد الطعام طيلة الثلاثين يوماً، وتحضير الأطعمة وتخزينها كالخضار الخاص بالشوربات والمقبلات، لكي يسهل عليهن تحضيرها خلال أيام الصيام.
ومن التحضيرات والأجواء الجميلة التي تزينت بها شوارع غزّة ومحلاتها وبيوتها، أنّه تم تزيين واجهات المحلات بالفوانيس والزينة، وامتلأت الأسواق بالمارة الذين يتسوقون ويتبضعون لشراء كل ما يلزمهم لشهر الخير.
تجولت مراسلة وكالة "خبر" في شوارع أسواق شمال قطاع غزّة لاستطلاع استعدادات المواطنين لاستقبال شهر رمضان، ومن بينها المواطنة إيمان عبد الكريم، التي قالت: "منذ أيام وأولادي يطلبون مني أنّ أشتري لهم فانوس وزينة رمضان، واليوم جئت إلى السوق لشراء طلباتهم ولكي أزين بيتي بها، عدا عن بعض الحاجيات اللازمة للمنزل".
وبسؤالها عن أول أيام رمضان وأهم الأكلات التي تكون حاضرة على مائدة الإفطار، أجابت: "في أول يوم يجب أن تكون المقلوبة الغزاوية والسلطات وشوربة فريكة، وعصير خروب، وطبعا لا ننسي السمبوسك الذي لا ينقطع عن المائدة طوال الشهر."
أما عن العادات التي تُداوم عليها العائلة، فقالت إيمان: "إنَّ أهم العادات والعبادات هي المداومة على قراءة القرآن والصلاة في المسجد وخصوصاً صلاة التراويح، بالإضافة إلى أنَّ إفطار العائلة في أول يوم يكون في بيت أهل زوجي ويجتمع فيه الكل كباراً وصغاراً في جو عائلي جميل وسعيد".
وأثناء التجوال في السوق التقينا البائع أبو محمد وسألناه عن حركة الشراء والبيع بالسوق في هذه الأيام، فقال: "الحركة ليست ككل عام، فحركة المواطنين خفيفة وحتى إنّ شاهدتي امتلاء السوق بالمارة فمعظمهم لا يشترون بل يشاهدون ويستفسرون عن أسعار المنتجات ويذهبون، المواطنون حالهم صعب في غزة، مخصصات الشؤون الاجتماعية لم تُصرف بعد، والموظفين معظمهم صرفوا راتب الشهر الحالي ولم يتبق مع القليل منهم سوى مبالغ بسيطة بالكاد تساعدهم على شراء بعض الحاجيات قبل استلام راتب الشهر القادم".
وأكمل: "أنا أبيع كل ما يلزم من مواد تموينية وبهارات وعصائر وأجبان وألبان، وجميع المواد التموينية ضرورية لكل بيت ولا يمكن الاستغناء عنها، ورغم ذلك إقبال الناس عليها بسيط، غالبية الناس لا يملكون المال ويذهبون لشراء ما يلزمهم من حاجيات رمضان من محلات البقالة القريبة منهم وبالدين والبعض الآخر يشترون ما يلزمهم من السوق".
وعن طقوس العائلة في أول أيام الشهر الفضيل، يقول: "في أول يوم تقوم زوجتي بطهي الملوخية والأرز والدجاج والشوربة وعصير قمر الدين والكركديه، هذه الأكلات يجب أن تكون حاضرة على مائدتنا في أول يوم من شهر رمضان".
في زاوية السوق يقف الثلاثيني أبو خالد هو وابنه لشراء بعض حاجيات المنزل، فسألناه عن تحضيرات الشهر الفضيل، وأجاب: "لم نقوم بتحضير شيئ، كل الزينة والبهرجة الي بنشوفها ما الها لزوم، البهرجة والزينة للناس الي معها فلوس وقادرة تصرف وتحط في بيتها وما بتفكر بكرة شو بدها تاكل، لكن في حالتنا وحالة آلاف المواطنين بنفكر كيف ندبر إفطار أيام الشهر الفضيل".
ويُتابع: "أنا عامل باليومية، اليوم معي لأوفر لبيتي الأكل اللازم، لكن بكرة ما بعرف لو حقدر أوفر ولا لا، ما راح أقول إنه شهر رمضان عبء علينا، بالعكس بدل ما ناكل ثلاث مرات باليوم بناكل مرة أو مرتين، لكن طلبات ولادي الصغار ما بتخلص، وبيشوفوا أولاد الحارة والجيران شاريين فوانيس رمضان وبيوتهم مزينة، وهما كمان بدهم متلهم، وأنا كل يوم بوعدهم لما الله يفرجها".
الستينية الحاجة أم فضل سألناها عن أجواء رمضان قديماً وفي الوقت الحالي، فقالت: "هو في بعد رمضان زمان وبساطته، الناس كان قلبها على بعض وبخافوا على بعض، تلاقي صحن الطبيخ بيلف البيوت رايح جاي، كان زمان الجار يتفقد جاره بشو ما طبخ، ويرجعلوا الصحن مليان بطبخة تانية، ما كان الصحن يرجع لصحابه فاضي، كانوا الناس بعد صلاة التراويح يقعدوا مع بعض، ويسألوا عن أحوال بعض، ويصلوا الرحم، أما اليوم تعال قول لواحد فيهم يلا نزور قرايبنا وهي هالمرة بالسنة بيصير يطلع ألف حجة -ذريعة- بانه مش فاضي وتعبان ومش قادر، أما قادر يضل للسحور على الجوال".
وعن عادات العائلة في أول يوم بشهر رمضان، تقول: "أنا في أول يوم بعزم كل أولادي وأحفادي، بحب أشوفهم في أول يوم، وبعمل مفتول أو قدرة ولحمة وبنفطر وبننبسط، وبنتحلى بالقطايف والبسبوسة وبنصلي التراويح وبنسهر وبيروحوا آخر الليل مبسوطين".
بائع القطائف أبو حازم، يقف في محله مع أولاده الذين يقومون بخبز حبات القطائف وبيعها للمواطنين الذين يحبون أكلها في رمضان وغيره، ويقول لمراسلة "خبر": "الحمد لله نحن نبيع حبات القطائف طيلة أيام السنة تقريباً بالإضافة لبيع الكعك في الأعياد والبسكويت والبتيفور، نحن مشهورون في السوق بطعم ما ننتجه لذلك لنا زبائننا الذين يزوروننا طيلة أيام السنة، ونحن الآن مقبلين على شهر رمضان ونقوم بتحضير عجينة القطائف ليلاً وفي الصباح نخبزها ونغلفها ونبيعها لزبائننا بالإضافة لحشوات القطائف المختلفة من المكسرات والقشطة وجوز الهند بالإضافة للشيرة (عسل)".
وعن ألوان القطائف التي رأيناها أخبرنا أبو حازم، أنّه "يقوم بصنع بعض حبات القطائف بطعم النوتيلا والمانجا والفانيلا وبعض الأطعمة التي تكون فقط بناء على طلب الزبائن، لكِن الأغلبية يشترون القطائف السادة المعتادين على شرائها".
وحول حركة البيع والشراء، قال: "القطائف من الحلويات التي ينتظرها المواطنين من السنة إلى الأخرى، لأنَّ لها طعم مختلف عن باقي الأيام، لذلك تجدهم يشترونها بشكل شبه يومي وعند الحاجة، وسعرها في متناول أيدي الجميع".
وبسؤاله عن الفائض من عجينة القطائف، أوضح أنّه قبل الإفطار بدقائق يتبقى بعض الفائض من عجينة القطائف، ويتم بيع بعضها بسعر أقل للزبائن التي تمر بظروف مادية صعبة، وأحياناً يتم توزيع بعضها للفقراء، وفي بعض الأحيان يطلب زبائن القطائف بعد الإفطار ويتم بيعها لهم.
أما عن أجواء رمضان، يقول أبو حازم: "اعتدنا أنا وأولادي على قضاء أيام الشهر في البيت، ونادراً ما نفطر في المحل، لأنّ الناس بالعادة تشتري القطائف قبل الإفطار وقليل جداً ما يطلبون منا كمية بعد الإفطار، وفي أول يوم لا يمكن أنّ نفطر خارج المنزل، حيث ننتهي من عملنا سريعاً ونغلق المحل ونفطر مع العائلة، وبعد المغرب نذهب للمسجد لصلاة التراويح وزيارة الأحباب والأصحاب".
يُذكر أنَّ آلاف المواطنين ينتظرون من وزارة التنمية الاجتماعية صرف مستحقاتهم قبيل شهر رمضان، لكي يتمكنوا من شراء ما يحتاجونه ويساعدهم على تحمل عبء مصاريف الشهر الفضيل، لكِن وزارة التنمية لم تتمكن من صرف المستحقات وكل ما يصدر عنها هو فقط تصريحات بمواعيد لا تلتزم بها، مرجعةً سبب تأخرها بسبب حجز الاحتلال الإسرائيلي لأموال المقاصة.