معركة كسر العظم مع التطرف الإسرائيلي

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

صحيح أن حكومة بنيامين نتنياهو لم تبادر بإشعال الميدان بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فميدان المواجهة كان مشتعلاً منذ آذار العام الماضي، في ظل الحكومة البديلة السابقة، إلا أنه صحيح أيضاً، بأن التطرف غير المسبوق، الذي يقود الحكومة الإسرائيلية الحالية، لم يبق فقط على ذلك التوتر الذي ورثته الحكومة الحالية عن سابقتها، لكنها زادته اشتعالاً، وفتحت معه أكثر من جبهة إضافية، فيما ما زال الحريق الذي هو أسوأ بكثير مما هو قائم، يلوح في الأفق، وذلك بعد أن دخلنا في شهر رمضان على نحو خاص، واستثنائي.
وكل ما يحاول أن يفعله تجمع دولتي الجوار، أي الأردن ومصر، ومعها الولايات المتحدة، منذ نحو شهر، هو منع احتمالات تدهور الأوضاع لما هو أسوأ، لكن التطرف الرسمي الإسرائيلي، ما زال يحول دون ذلك، بل ويقاوم بكل ما لديه من قوة، ذلك التوجه الإقليمي/الأميركي، ولم يقتصر الأمر على ما يدلي به كل من وزير المالية بتسئليل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، من أقوال ضد ما تم الاتفاق حوله في العقبة وشرم الشيخ وحسب، بل إنهما ومعهما إلى درجة ما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه، يسارعان بعد كل الاجتماع مباشرة إلى نفي كل ما قالت به العقبة وشرم الشيخ من تفاهمات، من خلال الرد في الميدان، خاصة فيما يخص اقتحام المدن الفلسطينية وارتكاب جرائم القتل الميداني بحق المواطنين الفلسطينيين.
ولم يعد تطرف بن غفير وسموتريتش مقتصراً على الأفعال الميدانية أو المواقف السياسية العابرة، بل إنهما بدآ في الإفصاح عما يؤمنان به من عقيدة وفكر وأيديولوجيا، يحاولان تطبيقها على الأرض الواقع من خلال ما وصلا إليه من مناصب ومن نفوذ في الحكومة الإسرائيلية، وهكذا يمكن النظر إلى ما قاله سموتريتش في باريس من إنكار لوجود الشعب الفلسطيني، وأكثر من ذلك فهو ألقى كلمته وراء منصة تحمل شعار إسرائيل الكبرى التي تضم ضمن حدودها كامل ارض الأردن، أي انه لا ينفي وجود الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وحسب، بل ينكر وجود الدولة الأردنية، ويعبر بشكل صريح عن برنامجه في ضم كل الأردن لدولته الإقليمية الكبرى، بناء على لاهوت وهمي، يرى مملكة إسرائيل من الفرات إلى النيل.
ويبدو أن نتنياهو عاجز عن وضع حد لما يحدث، هذا لو كان يرغب، أو لو كان أقل تطرفاً من وزيريه المذكورين، وذلك لأنه يخشى من تفكك الائتلاف وسقوط الحكومة، على الأقل قبل إقرار قوانين الكنيست التي من شأنها تحصينه ضد المساءلة القضائية، ومن ثم ضد احتمال إرساله إلى البيت وطرده من مسرح العمل السياسي، بل وربما بإرساله إلى السجن.
لذا فإنه يمكن القول، بأن حزب الصهيونية الدينية، ليس شريكاً متنفذاً في الحكومة وحسب، بل يبدو وأنه هو الذي يقودها ببرنامجه المتطرف، حيث يبدو بأن ليس نتنياهو فقط، بل كل وزراء الليكود غير ذي أهمية في قيادة الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهذا ما يدفع اليوم وزير الجيش يوآف غالانت للتهديد بالاستقالة، مع تزايد رافضي الخدمة العسكرية من الاحتياط  الانخراط في الخدمة بالجيش، بعد أن ظهر واضحاً بأن مؤسسة الجيش التي طالما كانت خارج إطار اللعبة السياسية، باتت تخضع لقرارات سموتريتش وبن غفير، وبات الليكود بين نارين، أو معسكرين، أحدهما يقوده التطرف الرسمي والثاني معسكر المعارضة الذي يشمل أحزاب المعارضة والشارع والقضاء.
القضاء الذي يتعرض للهجمة الشرسة، أصدر قراره قبل أيام لصالح الشرطة فيما يخص تنفيذ سياسات بن غفير، الذي حاول التدخل في المستوى التقني أو التنفيذي، ولم يكتف بإصدار الأوامر وحسب، بل حاول دفع ضباط الشرطة الميدانيين للتعامل بقسوة أعلى مع المتظاهرين ضد سياسة الحكومة بإصدار قرارات الكنيست الساعية لاحتواء القضاء.
وحيث تبقى الجبهة الأهم في مواجهة التطرف الإسرائيلي، هي الجبهة الفلسطينية بشقيها، الميداني والرسمي، فإن هزيمة ذلك التطرف تبقى رهناً بالأداء المقاوم الفلسطيني، حيث يتوجب على المستوى الرسمي أن يخوض صراعه مع التطرف الإسرائيلي دون توقف، مستثمراً إلى أقصى درجة ممكنة حالة الرفض داخل إسرائيل وخارجها لذلك التطرف، بما يمنح المقاومة الفلسطينية كل المشروعية السياسية، كما على المقاومة الميدانية أن تفتح كل الأبواب وهي حتى الآن تقوم بأداء جيد للغاية، خاصة في ابتكار الأدوات والأشكال، وتوسيع الجبهات والساحات، التي تجعل من الحلول الأمنية الإسرائيلية مستحيلة وعبثية، ولعل في أجواء الأيمان المترافقة مع شهر رمضان، ما يضفي على المقاومة زخماً إضافياً، يجعل منها بنداً أساسياً للتداول على طاولات الجدل والحوار واللقاءات السياسية.
وحيث أن لكل فعل ردَّ فعل، مساوياً له في المقدار ومعاكساً له في الاتجاه، فإن التطرف الإسرائيلي يؤجج المقاومة الفلسطينية ويفتح كل الأبواب أمامها، وحيث أن إسرائيل الخاضعة للتطرف حاليا، غير قادرة على اتخاذ الموقف المتعقل، ولم تسمع لصوت العقل الذي خاطبها في العقبة وشرم الشيخ، فإنها ستتحمل عبء ووزر ما سيحدث خلال الشهر الفضيل، ولعل إجراءات بن غفير المتطرفة التي توزعت في كل الاتجاهات، تتسبب في وبال على إسرائيل، فهو قد اتخذ جملة من الإجراءات الفاشية ضد المعتقلين الفلسطينيين، أخلّت بالمعادلة السابقة التي أبقت هذا الملف هادئاً نسبياً لفترة، وها هي تلك الإجراءات والقرارات تشعل تلك الجبهة أيضاً.
مختصر القول، بأن الحرب ضد التطرف الإسرائيلي، ما هي إلا حرب كسر عظم، لا مجال فيها لحل وسط، ولا بد أن تنتهي بطرد التطرف الإسرائيلي من الحكومة الإسرائيلية، وليس على جميع شعوب المنطقة أن تدفع ثمن رغبة نتنياهو البقاء في الحكم، ولو بصفة الرهينة بين يدي بن غفير وسموتريتش، وأولهم الفلسطينيون، وبمن فيهم الإسرائيليون أنفسهم.
تتعدد جبهات مواجهة التطرف الإسرائيلي، داخل وخارج إسرائيل وعلى الحدود ما بين إسرائيل وفلسطين، إسرائيل ولبنان وسورية، وحتى ما بين إسرائيل والأردن. والكل ضد وجود بن غفير وسموتريتش في الحكومة الإسرائيلية بما في ذلك ملايين الإسرائيليين الذين يتظاهرون أسبوعياً منذ تشكيل حكومة نتنياهو السادسة، وكذلك يهود أميركا والإدارة الأميركية نفسها.
وحيث أن الأمر كذلك، فإن قبول إسرائيل كدولة قابلة للعيش شيء، والخضوع لكل معتوه لاهوتي يصل للحكم شيء آخر، وقبول إسرائيل في الشرق الأوسط يكون فقط مقابل قبولها أن تكون دولة مسالمة، لا أن تكون مسكونة أو محكومة بأوهام وطموحات غير محدودة تتضمن شطب الشعب الفلسطيني من الوجود، وابتلاع دول مثل الأردن، وأراض تشمل نصف العراق وربع سورية وخمس مصر وثلث لبنان، فضلا عن فرض شروط من قبل نزع سلاح كل دول الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران وتركيا والسعودية، هذا إذا لم يواصل التطرف اللاهوتي الإسرائيلي جنونه ليطالب بالكعبة، وعسير وحتى اليمن، بحجة أن بني إسرائيل هم قبيلة عربية أقاموا ممالك لهم قبل قرون سحيقة في تلك المنطقة!