لعثمة إسرائيل أمام جبهة الشمال

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

 

التصعيد جاء من الشمال، فقد كانت المنطقة تجلس على قدم واحدة بعد أن زرعت سماؤها بما يكفي من ألغام التفجير.
فكل الأطراف كانت متحفزة ورائحة البارود تملؤ المكان والرسائل العنيفة بالنار كانت تنتقل بين الأطراف على رؤوس الصواريخ في سورية أو تحملها طائرات مسيرة في قلب طهران أو في سماء الجليل أو فوق غزة.
حادث مجدو الذي لم تكشف كل تداعياته كما تقول الصحافة الإسرائيلية اعتبرته الأوساط الأمنية نقطة تحول في الصراع بين إسرائيل وبين إيران وحلفائها في المنطقة، وهو ما أدخل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية فيما يشبه حالة الطوارئ التي حالت دون الاستمرار بإقالة يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي "في لحظة حساسة" كما قالت.
كان تقدير المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هذا الأسبوع وهي تراقب مناخات الدولة ومحيطها والتهديدات المتعاظمة يشير للحظة حساسة تضع أيضاً خصوم إسرائيل أمام تلعثم لا يقل عن تلعثم إسرائيل. فهم محتارون بين استغلال الأحداث في إسرائيل للمس بها وزيادة إضعافها وبين تركها تضعف نفسها. لكن المؤسسة لم ترجح خياراً على الآخر وعلى وقع هذه الأجواء كانت الأوضاع تزداد سخونة وكانت الرسائل تزيد من درجة الحرارة .
إسرائيل بدت كمن فقدت قوة الردع وسط صراعاتها الداخلية، هذا ما قالته بعض أوساطها بل وعزت تلك الجرأة لدى خصومها وتحديداً عملية مجدو لهذا السبب، وهو ما دفع إسرائيل للرد بقوة وخلال أسبوع أربع مرات على مواقع إيرانية في سورية فقدت فيها إيران قائداً بارزاً في الحرس الثوري وعدداً من المستشارين لترد إيران بطائرة مسيرة فوق الجليل، وبات واضحاً أن التصعيد يتزايد.
إسرائيل من جهة باتت بحاجة إلى تشديد ضرباتها تجاه خصومها تجنباً لاهتزاز صورتها القوية بنظر أعدائها، فقد عاشت إسرائيل على قوة الردع وليس على الحروب فقط ولا تسمح بأن تفقدها لأن ذلك يعني إعطاء دافعية لهم وتعرضها لعمليات دائمة، وهو ما لم تكن تسمح به رغم الأزمة الداخلية وهذا إجماع يتجاوز كل الخلافات والتصدعات الحاصلة حتى لو وصل الأمر لحرب إقليمية.
وإيران من ناحيتها باتت ترى في استمرار الضربات الإسرائيلية ما يضعف مكانتها ويؤثر على صورتها أمام الحلف الذي تقوده، ويزيد ذلك استمرار الهجوم الإسرائيلي عليها في سورية وفي قلب طهران. فقد أعلن الأسبوع الماضي عن إحباط هجوم لطائرة مسيرة كانت تستهدف وزارة الدفاع الإيرانية وبالنسبة لها لا تعتبر أن هذه لحظة ذهبية لإسرائيل لكل ما تقوم به من عمليات هجومية.
من كان معنياً بتسخين جبهة الشمال .. إيران أم إسرائيل ؟ الواقع يقول إن الجانبين كانا معنيين بنفس القدر. التقييم في إسرائيل أنها تقف على حافة فقدانها هيبة الردع، وإيران ترى اللحظة مواتية لتجريد إسرائيل تلك القوة أو المساس بها مستغلة هذه اللحظة خصوصاً بعد أن باتت جزءا من الحلف الروسي الصيني الصاعد، وتمكنت من عقد تقارب تاريخي مع الدولة الخليجية الأكبر والأكثر تأثيراً، والحديث عن عرض أميركي باتفاق جزئي مع إيران زاد من غضب إسرائيل وتراقب إيران حجم التهديدات المتنامية من تل أبيب.
صدرت الإشارة الأكثر جدية عن رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي بإعلانه أول أمس أن إسرائيل مستعدة لعمليات في إيران دون انتظار الولايات المتحدة، فهو الرجل المهني الذي يقف على رأس الجيش وقائده وليس سياسياً يحشد جمهوره وهو من يعطي تعليمات بالضربات التي تكثفت في الأسبوع الأخير والتي وضعت المنطقة على أهبة الاستعداد.
جاءت أحداث القدس لتصب زيتا شديد الاشتعال على نار الإقليم المستعرة، ولتضع الجميع أمام لحظة الانزلاق المتوقعة التي توفرت لها كل المناخات والتي بذلت الولايات المتحدة ودول الجوار جهودها لتهدئتها لتضع كل المحور الذي تقوده إيران في موقف لم يترك أمامهم إلا الرد لخصوصية القدس وفي أجواء رمضان، وكل ذلك كان يعززه الشعور بفقدان شيء من قوة إسرائيل الردعية والرغبة باستغلال اللحظة والضغط لمزيد من إضعافها.
حزب الله وقف خلف عملية مجدو لكن إسرائيل الملدوغة منذ 2006 تتجنب مواجهته، وتستسهل الذهاب نحو ساحات أخرى مثل غزة أو سورية لتضع إسرائيل أمام لحظة محيرة وخصوصاً أنه بعيد إطلاقها جرى تسريب أن من وقف خلفها كانت الفصائل الفلسطينية ليزيد من تلعثم الحزب.
من غير الممكن أن تقبل إسرائيل بتلك الرشقة الصاروخية من جبهة غير متوقعة شهدت هذا الهدوء في الأعوام السبعة عشر الأخيرة دون أن ترد، فذلك يعني التسليم بفقدان الردع وكان مفهوماً أن إسرائيل لن تمرر الأمر ولكن عدم الرد عليها لم يكن سهلاً، وكان لتلعثم إسرائيل في الساعات التي تلت الصواريخ حساسية المواجهة مع الشمال بعد تصريح أمين عام حزب الله بأن الحزب لن يمرر أي اعتداء على لبنان وعلى أي كان وأيضاً لأنها جاءت في أول أيام عيد الفصح.
لم تنتظر إيران أن ينفذ هليفي تهديده مدفوعة بلحظة عاطفية صنعتها قلة الذكاء الإسرائيلي وقد وضعته أمام خيارين: إما رد سيخسر فيه أمام جبهة صلبة ومجربة أو خسارة عدم الرد ومزيد من تآكل الردع ... فمن خطط وضع إسرائيل أمام خسارتين: إما أن تخسر بالسكوت وإما أن تخسر بالحرب، وزاد من لعثمة إسرائيل والحديث عن وقوف فصائل فلسطينية خلفها دون إعلان صحيح أنها لم تكن لتتم دون موافقة وربما مساعدة الحزب لكنها أضعفت موقف إسرائيل مبكراً بإلإعلان الفوري للحرب كما حدث العام 2006.
فقد بدت إسرائيل كأنها تسارعت للقف رواية الفصائل وتبرئة حزب الله من الصواريخ ولم تقل كما اعتادت أن الحزب مسؤول عما يحدث في لبنان ..... من خطط لم تكن حساباته غبية.