ماذا يريد ماكرون من الصين؟

هاني-عوكل-1616160535-1654239606-1656140761.webp
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

ثلاثة أيام قضاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الصين، برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وممثلي حوالى 60 شركة فرنسية متنوعة، وبرنامج عريض يتحدث عن «الوحدة الأوروبية كشرط أساسي لبناء شراكة متوازنة مع الصين».
بعد زيارتين متتاليتين إلى الصين قبل تفشي جائحة «كورونا» عامي 2018 و2019، ذهب الرئيس الفرنسي إلى بكين  لمحاولة إيجاد مخرج سياسي للحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ شباط 2022، وفتح المجال أمام تعزيز الاستثمارات الفرنسية في الصين والعكس صحيح.
قبل زيارته هذه، علّق ماكرون على خطة السلام الصينية التي حملها الرئيس شي جينبينغ معه إلى روسيا بهدف حل أزمة الحرب، بالقول إن أوروبا قد لا توافق على بنود الخطة الصينية، لكن للأخيرة تأثيراً كبيراً جداً على موسكو في مسألة وضع حد لهذه الحرب.
من هذه التصريحات يعلم الرئيس الفرنسي أن لدى الصين ثقلاً سياسياً وتأثيراً مهماً على روسيا التي تربطها معها شراكة إستراتيجية، ولذلك تأتي زيارته في هذا الإطار، بهدف إيجاد نقاط اتفاق مع بكين تمنع من استفحال الحرب في أوكرانيا.
ماكرون لا يراهن كثيراً على دور الصين في إنهاء الحرب، فالرجل واقعي ويدرك أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول مرتبطة بالمصالح، لكنه يأمل في أن تسهم بكين بتخفيف حدة الحرب والامتناع عن تقديم أي مساعدات عسكرية لموسكو.
كذلك يريد تسجيل نقطة لصالحه أمام أوروبا والاتحاد الأوروبي، أنه سعى بكل قوة لمنع الحرب الحالية التي تشنها روسيا على أوكرانيا، وأنه يحاول حتى هذه اللحظة وقفها أو على الأقل حصرها في الجغرافيتين الروسية والأوكرانية.
مسألة أخرى في غاية الأهمية أيضاً، تتعلق بالتنافس الفرنسي والألماني على زعامة الاتحاد الأوروبي، إذ سبق وأن زار المستشار الألماني أولاف شولتز الصين في تشرين الثاني 2022، وحينها كان أول زعيم أوروبي يصل بكين منذ تفشي فيروس «كورونا».
بالنسبة إلى ماكرون، هو يريد أن يخطف النجومية من ألمانيا ويُبيّن لأوروبا أن فرنسا قوية وقادرة على التأثير في المحيطين الأوروبي والدولي حتى في ظل مشكلاتها الداخلية وعلى رأسها الخلاف مع الرئاسة حول قانون التقاعد.
ثمة نقطة أخرى تتعلق برغبته في التحرر ولو قليلاً من التبعية الأميركية، خصوصاً وأن أوروبا هي الأكثر تضرراً من الحرب الروسية على أوكرانيا، ومن هذا المنطلق يعتقد الرئيس الفرنسي أن له الحق في طرق مختلف الأبواب والذهاب للصين للبحث في وقف أو تخفيف آثار الحرب على القارة الأوروبية.
أن ترافق رئيسة المفوضية الأوروبية ماكرون في زيارته إلى الصين، فربما يفسر ذلك على أنه سعي باريسي لتوحيد الموقف الأوروبي وجر قاطرة الاتحاد تحت القيادة والرؤية الفرنسية، وكذلك فتح المجال أمام توسيع هامش الشراكة الاقتصادية مع الصين.
كذلك يلفت الانتباه إلى عشرات الشركات الاقتصادية ورجال الأعمال الفرنسيين الذين شاركوا ماكرون زيارته للصين، إذ تعطي باريس أولوية كبرى للجانب الاقتصادي مع بكين نحو إعادة إطلاق الشراكة الاقتصادية التي تضررت مع التنين الصيني إبان فترة «كورونا».
يلحظ مشاركة العديد من شركات الطاقة الفرنسية، وهذا يعني أن الجهد الفرنسي منصب على إيجاد قنوات للاستثمار في الطاقة المتجددة والتخفيف من الكُلَف الباهظة التي تدفعها باريس والاتحاد الأوروبي للحصول على الطاقة التقليدية من دول أخرى غير روسيا.
منذ العام 2020 تُعتبر الصين الشريك الاقتصادي الأول للاتحاد الأوروبي بتبادلات تجارية تجاوزت 711 مليار دولار، وماكرون مقتنع أنه يمكن الاستفادة من بكين في تعزيز الشراكة الاقتصادية وإعادة فتح الأسواق أمام البلدين.
وهي رسالة أخرى للرأي العام الفرنسي أن رئيسه لن يتوقف عن محاولة تحريك الوضع الاقتصادي الصعب في فرنسا، بسبب التضخم الاقتصادي والغلاء المعيشي على خلفية وباء «كوفيد» العالمي، وسيفعل المستحيل من أجل عبور البلاد اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً إلى بر الأمان.
من الصين يريد ماكرون أن يصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد، فقد يحقق إنجازاً على مستوى تعزيز الشراكة الاقتصادية مع الصين، وهي حاجة ملحة للطرفين في ضوء صعوبة الاقتصاد العالمي، وبكين لا مانع لديها من إعادة الانفتاح الاقتصادي مع فرنسا تحديداً والاتحاد الأوروبي على وجه العموم.
لكن على الجانب السياسي المتعلق بروسيا وأوكرانيا، ربما لن تحصل باريس على ما تريد من بكين، وهذا يُعزى للجو السياسي العام المرتبط بعلاقة أوروبا مع الولايات المتحدة الأميركية، واختلاف وجهات النظر في مسألة إنهاء الحرب
تحت أي رؤية، الرؤية الأوروبية أم الأميركية أم الروسية.