لبنان، غزة، الضفة، غور الأردن، تل أبيب، والحرم في غضون أيام قليلة، في ذروة عيد الفصح، وقد تحقق الإخطار الذي وفره جهاز الأمن، في أنه في فترة رمضان هناك احتمال بأن تتحد الساحات المهددة المختلفة.
الحرم، كما هو متوقع، كان بمثابة عود الثقاب الذي أشعل النار في الساحة اللبنانية وفي غزة أيضا. شعر سكان إسرائيل في الأيام الأخيرة بمزايا المواجهة متعددة الساحات. القيادة العسكرية، في محاولة لإطفاء النار وعدم التدهور إلى حرب، أوصت القيادة السياسية برد معتدل موجه لـ "حماس" في لبنان أيضا.
من ناحية جهاز الأمن، فإن المعرفة بأن "حماس" لبنان هي التي أطلقت الصواريخ شكلت تنفسا للصعداء. في مداولات الكابينيت ادعت محافل الأمن أن الرسائل التي وصلت من "حزب الله" بأنهم لم يقروا، بل لم يعرفوا بنية "حماس" لبنان تنفيذ إطلاق النار نحو إسرائيل تبدو ذات مصداقية.
وكمن وجد لقية ثمينة لجهاز الأمن والقيادة السياسية، سمح هذا المعطى بالتوصية بأن عنوان الرد في غزة وفي لبنان سيكون "حماس" فقط، وهو أيضا سيكون منضبطا، معتدلا جدا، ودون التدهور إلى حرب. أخذ وزراء الكابينيت غير المجرب بتوصية جهاز الأمن بالفم المليء.
يمكن أن نفهم جيدا منطق إسرائيل في أنها غير معنية بحرب، وفقا للتقديرات التي قدمت في المداولات. فالرد ضد "حزب الله" قد يؤدي إلى إطلاق صواريخ دقيقة نحو إسرائيل ومن هنا فالطريق إلى الحرب قصيرة، ومثلما هو دوما في توقيت ليس مريحا جدا لإسرائيل.
اتخاذ القرارات مشروع ولكن في الطريق إليه لا يمكن تجاهل الإحساس بأن جهاز الأمن يروي لنفسه أيضا الرواية التي يريد أن يسمعها. فاحتمال أن يكون "حزب الله"، الذي يسيطر على المنطقة بشكل شبه مطلق، لم يلحظ ولم يعرف بنية "حماس" لبنان إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، يكاد يكون سيناريو مأخوذا من عوالم الخيال.
على مدى نحو نصف ساعة أطلقت "حماس" لبنان عشرات الصواريخ نحو إسرائيل، بشكل متزامن ودقيق جدا في ظل تسجيل تحسين مبهر في قدرة إطلاق صليات دقيقة نحو إسرائيل.
تعد هذه قفزة درجة مهنية مهمة جداً في القدرات التي كانت للتنظيم "الإرهابي" قبل نحو سنة ونصف السنة فقط، حين كادت تجر في حينه أيضا المنطقة إلى حرب من خلال إطلاق بضعة صواريخ.
في الجيش الإسرائيلي اعترفوا في حينه بالثغرات الاستخبارية القائمة ضد منظمات "الإرهاب" الفلسطيني في لبنان، وقالوا إنه سيكون تشديد خاص على سد الثغرة بسبب الفهم بأن المنظمات من شأنها بسهولة أن تجر إسرائيل ولبنان إلى حرب ليسا معنيين بها.
إن التغيير في طبيعة العلاقات بين منظمات "الإرهاب" الفلسطينية و"حزب الله" وقوة القدس هو تغيير عميق. لا يوجد هناك حب كبير اليوم لكن توجد مصلحة واضحة مشتركة في أن تكون جبهة لبنان ضد إسرائيل تهديدا أمنيا إضافيا يمكن لـ "حزب الله" أن ينفض يديه منه.
كل هذا بينما من يوقع على تحسين القدرات العملياتية لتلك المنظمات، بل الأموال التي تصل إليها، هي اليد الإيرانية المشتركة لـ "حزب الله". فالسيطرة والعلاقات هذه بين منظمات "الإرهاب" تطرح علامات استفهام كبيرة على "التنظيف" المطلق الذي عملوه في إسرائيل لـ "حزب الله" الذي من ناحيته كسب في هذا الشأن كل الصندوق.
إن القرار بعدم العمل هذه المرة ضد "حزب الله" كان مشروعا. ومع ذلك فإن إسرائيل – من ناحية سياسية أيضا – لا يمكنها أن تكون الأولى التي تسارع إلى تنظيف مسؤولية "حزب الله" عن الأحداث الأخيرة بسبب اعتبارات إعلامية داخلية.
إلى جانب الرغبة في عدم الانجرار إلى الحرب، لا يمكن تجاهل مشكلة الردع الناشئة: العملية في مجدو في منتصف الشهر الماضي، والتي لا شك بالنسبة لمشاركة "حزب الله" فيها، كانت مفترق الطرق الذي كان يفترض بحكومة إسرائيل والكابينيت أن يفكرا عميقا كيف تجرأ على أن يقف خلف العملية التي لو كان فيها قتلى لكان يمكن أن تؤدي في حينه إلى الحرب. فهذا ليس فقط الرد الذي لم يأتِ بل إن إسرائيل امتنعت حتى اليوم عن الإعلان بشكل رسمي عن "حزب الله" كمسؤول عن العملية، وفي نهاية الأمر اختارت أن ترد في سورية وليس على "حزب الله" في لبنان.
صحيح حتى الآن أن إسرائيل نجحت في أن "تغلق" التصعيدات القصيرة في نهاية الأسبوع في لبنان وفي غزة، ولكن فور ذلك وقعت عمليات قاسية في تل أبيب وفي غور الأردن. لا حاجة إلى يد رابطة حين تكون الأجواء العامة تؤدي إلى ذلك منذ بضعة أشهر.
رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بتأخير كبير جداً وضع الآن فقط في رأس سلم أولوياته المسألة الأمنية.
ومع ذلك، فإن التجاهل المطلق للتحذيرات والإخطارات التي قدمها جهاز الأمن ووزير الدفاع يوآف غالانت كان يمكن أن توفر مادة جمة للجنة تحقيق رسمية لو نشبت حرب في النهاية في لبنان.
عن "معاريف"