تستحضرني، وأنا أشرع في كتابة هذا المقال، حادثة لا أزال اذكرها جيداً. الحادثة جرت في مبنى التلفزيون السوري، بعد نشرة أخبار الساعة ١٢ ليلاً.
بعد هذه النشرة مباشرة طلب مني زيارة مدير التلفزيون، وهو شخصية رسمية معروفة، عند دخولي غرفة المدير، كان هنالك ضيوف، كان من بينهم ممثلة مرموقة. كان الترحيب واضحاً، ذلك انه يأتي بعد قطيعة، ما بين سورية، وم. ت. ف، إثر التوقيع على اتفاق أوسلو. كان هذا اللقاء، على ما اذكر، أواسط شباط ١٩٩٥. بعد السؤال عن أحوال فلسطين، والسلطة والمفاوضات .. سألني المدير، سؤالاً أربكني، وهو: كيف ترون أداء التلفزيون العربي السوري؟! احترت في الإجابة. وسألته بالمقابل: بنظرك، السوريون أنفسهم، هل يتابعون التلفزة السورية، أم المحطات الأخرى، وتحديداً «الجزيرة» و»العربية»؟!! ابتسم معظم الضيوف، بينما تغيرت ملامح المدير العام .. استأنفت حديثي موضحاً، بأن الاعلام لم يعد حكراً على أحد، ولم تعد الدول، قادرة على بسط سلطتها الاعلامية على الناس. الاعلام بات مهنة وفنا وتجارة وسوقا.
ما بتّ أتابعه في ظل سلطتنا الوطنية، نمو وتضخم دور الإعلام الحكومي. في البداية تمت تسميته ناطقا رسميا باسم الحكومة.. ثم ظهر لدينا مسؤولة إعلامية لم تكن موجودة قبلاً، وهي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الفلسطينية (وفا). كانت وفا، وحدها، تحتاج الى كادر ضخم، والى ادارة مركزية، يحتاج رئيسها لساعات قد تصل الى ٢٠ ساعة يوميا للمتابعة.
كما تم تعيين مسؤولين، كناطقين باسم الحكومة، تعددت المواقع الرسمية، للنطق باسم الحكومة، وأجهزتها السياسية. وفي هذا التعدد الواسع - إن جاز التعبير - ما لا يخدم الحكومة، ولا أجهزتها، أضف الى ذلك، فإن تركيز المسؤوليات: التلفزة، الإذاعة، وكالة وفا بيد واحدة، هو إرهاق ما بعده ارهاق، للمسؤول الأول، وتشتيت للجهود، من عاملين ميدانيين، وأرجو أن يكون ما اقوله، مفيدا من ناحية - وأن يفهم بمعناه الايجابي!
على الحكومة، ان أرادت إعلاماً يخدمها، ويخدم توجهاتها ويغطي نشاطاتها، ان تعتمد وبشكل اساسي، على تغطية وسائل الإعلام الحرة، وأن تكون أفعالها واضحة، وتفرض نفسها على وسائل الإعلام الحرة.
لا بد من إدارات للتلفزة والإذاعة ووكالة وفا. هذه الإدارات تدار كل واحدة منها على حدة وعدم النظر اليها، كهيئة واحدة .. ومن السهل واليسير، ان يكون لكل وزارة من الوزارات ناطقها الرسمي، يقوم بعمله الإعلامي داخل الوزارة، وعند الحاجة للتصريح الخارجي، يقوم بذلك.
الإعلام وسيلة توصيل وتواصل، وللتصريح الخارجي أُصوله ومناهجه، هو تكليف ووظيفة ذات طابع خاص، ولا يجوز في هذه الحالة، خلط الأمور وتشبيكها، على النحو الذي بات قائماً لدينا!!.