خطاب العالم إلى إسرائيل: «كش ملك»

ريشة كاتب
حجم الخط

لكل في الواحد:

محمد القيق نعاود المرة تلو المرة نحن الكل المجموع في الواحد في شخص الفرد المواطن، الشخص محمد القيق. وكان تبلور مفهوم هذه المواطنية كأشخاص أفراد بوصفهم أفرادا، هو التحول التاريخي الذي رافق نشوء الدولة.

وهو يعاود تذكيرنا المواطن محمد القيق وهل نسينا؟ بأن صراع هذا الفرد البطل هنا بالمعنى المأساوي، إنما يختزل الصراع الفلسطيني الأبدي في محاولة التماهي مع الدولة، كصراع كان دوما كما لو انه المواجهة مع المستحيل وتحدي هذا المستحيل على حد سواء.

كما تحدث ماكس فيبر، وقال ان وحده هذا الفعل التحدي ما يمثل الموهبة والجدارة وعبقرية الشعوب، كما الأفراد العاديين والقادة.

هذا نحن في هذه المراوحة ابدا بين هذين القطبين الموت والحياة.

ومع ذلك وبالرغم من ذلك كله وحيث يبدو كما لو ان كل شيء يكتنفه اليأس والإحباط، مواصلة المحاولة والقيامة من جديد، وكأننا لا نعرف اليأس في هذه التراجيديا المتواصلة، التي تعاود خلق اسطورة سيزيف نحن اغريق هذا الزمان.

لم يعد العالم يكترث لغضب إسرائيل قال بان كي مون إنها الطبيعة الإنسانية، الطبيعة البشرية الفطرية، التي تأبى القبول بالاحتلال.

كم مرة إذن في غضون هذه الأسابيع والأيام سوف يوجه العالم الصفعة وراء الصفعة لهذا الرجل الذي يمثل بشخصه العدو؟ كم مرة يحاول العالم إفهام هذه الدولة الإسرائيل أنه ما عاد ممكناً في القرن الواحد والعشرين مواصلة تحمل هذا العبء الأخلاقي، الذي بات يثقل على ضمير ووعي العالم.

هذا خطاب يقول لبنيامين نتنياهو والاحتلال "كش ملك".

فهل كنا لنريد أقوى من هذا الاعتراف حجة، وأفصح بياناً بشرعية مقاومة الفلسطينيين على لسان الممثل الأعلى لسلطة العالم الأدبية والسياسية؟ ويا للعار والتفاهة وانعدام الاستقامة السياسية والشخصية حينما يكون الرد الوحيد على خطاب العالم، ان الفلسطينيين لا يقاتلون من اجل الدولة او السلام او الحرية، فيما محمد القيق الصحافي الفلسطيني الأعزل يقاتل بجثته من اجل هذه الحرية.

قال بان كي مون هذه إهانة للفلسطينيين والعالم، ما يفعلونه من استيطان واحتلال يمس بكرامة الفلسطينيين، حينما انتفض الفلسطينيون العام 1987 كان اسحق رابين محترما ليقول الحقيقة، من ان هذه الانتفاضة تعبير عن بطولة وكرامة الفلسطينيين.

ولكن لا وجه للمقارنة اليوم مع ما يواصل قوله نتنياهو عن التحريض.

لا وجه للمقارنة بالطبع ولا حتى بين هذا الرجل زعيم المعارضة اسحق هيرتسوغ وبين أسلافه من قادة حزب العمل السابقين، الذي يدفن رأسه في الرمال، ما يزيد من تعقيد الوضع ككل أمام إمكانية أحداث خرق من الداخل الإسرائيلي.

ولكن الجيد في هذا الوضع هو توحد الموقف الدولي في خطاب واحد تقريباً، ورد بان كي مون على غضب نتنياهو من تصريحاته بإصراره على التمسك بكل كلمة قالها، وإذن فليغضب نتنياهو، فمن يهتز لذلك، وقد ولى زمن مداراة هذه الإسرائيل؟.

هذه ملامح خيوط يجري نسجها على المستوى الدولي لعزل إسرائيل، وهو التحول الأكثر أهمية في غضون الخمسين عاما الماضية على الأقل، اذ يصار اليوم للنظر الى إسرائيل بوصفها المشكلة.

وشيئاً فشيئاً ينزاح وضع إسرائيل مكان إيران القديم والراديكالية القومية العربية.

وأظن شخصياً ان نتنياهو يتعامل مع هذا الوضع على انه مؤقت باعتباره تدبيراً من قبل باراك أوباما وجون كيري، أوباما صاحب نظرية القيادة من الخلف.

وانه بشخصنته لهذه الأزمة مضللا نفسه وإسرائيل، فإنه يعزي نفسه بالصمود والتجلد سنة واحدة، بعدها ينزاح ظل أوباما الثقيل ويعود الوضع الى ما كان عليه سابقاً، ولذلك فهو يحاول التظاهر عبر اللقاءات الاحتفالية المبالغ في طقوسها مع رئيس الوزراء اليوناني والرئيس القبرصي، وحتى الانفتاح على تركيا وإعادة ترميم العلاقة معها على انه غير معزول ولديه حلفاء في الإقليم، وعلى الحافة الأوروبية المقابلة للحوض المتوسط، تماماً كما كان يفعل عرفات بعد الخروج من بيروت في هذه الجولات على دول القارة الإفريقية، في مواجهة عدم الاعتراف الأميركي بمنظمة التحرير.

ولكن على ذكر افريقيا اليوم وفي مواجهة دبلوماسية نتنياهو، فإن أبا مازن خليفة عرفات هو الذي ينجح امتداداً لإرث عرفات، في استقطاب هذه القارة كحلقة ثانية بعد الاتحاد الأوروبي، لتشديد حبل العزلة والطوق على إسرائيل.

التوافق الدولي اليوم تجاه الشرق الأوسط لعل الرجل إذن، وفق هذه المقاربة يرى انه لا ضرورة الآن، وقد بدأ الموقف الدولي وحتى الإقليمي اكثر نضجاً للتحرك جدياً هذه المرة تجاه فلسطين، الذهاب في الانتفاضة الحالية الى معركة كسر عظم مع إسرائيل. واذا كانت هذه الهبة كما يسميها عند هذا المستوى حققت مفاعيلها.

إن الحديث اليوم هو عن مؤتمر دولي او مجموعة الدعم الدولية، وما لم يدركه نتنياهو ان هذه الحركة ليست ثأر أوباما، وان كان هذا أحد أبعاد المسألة.

ولكنه التوافق الذي يفرض اليوم حلا للمسألة السورية وقبلها إيران، وهو توافق نادر لم يحدث في الشرق الأوسط إلا قبل مئة عام، وهو الذي انشأ إسرائيل، واليوم هو الذي يعيد تركيب وضع فلسطين. او ليس هذا هو فحوى خطاب العالم الذي لم يعد يلقي بالاً لغضب إسرائيل؟