بدأ عهد الشيعة بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عام 632 واستمر حتى يومنا هذا بتمايز الشيعة وتميزهم كطائفة منفصلة داخل الإسلام، ومعارضة خلفاء السنة ..
ورغم انقسام الشيعة الى مسارات منفصلة الا ان الانقسام والخلاف الاهم هو ما يدور بين الشيعة والسنة في أعقاب وفاة رسول الله محمد بناءً على سياسات الخلفاء الأوائل نظرًا لاعتقاد الشيعة أن الخليفة علي بن ابي طالب كان ينبغي أن يكون الخليفة الأول، وان الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه، أبو بكر وعمر وعثمان، كانوا يعتبرون مغتصبين غير شرعيين.
ولهذا السبب، لم يقبل جامعو الأحاديث الشيعية أي حديث رواه هؤلاء الخلفاء الثلاثة (أو أي من مؤيديهم).
ونتيجة لذلك، فإن عدد الأحاديث التي قبلها الشيعة أقل بكثير من الأحاديث التي قبلها السنة …
ما يهمنا في تقرير اليوم هو دراسة الابعاد المحتملة لخلاف طائفي قديم وهل تتجه ايران ورئيسها ومرشديها حاليا لتعميق هذا الخلاف وهل سيكون له تأثير محتمل وكبير على مجمل التوترات الطائفية في الشرق الاوسط ؟ ام ان النوايا تتجه لانعكاس في الاراء والمعتقدات مع التقارب الايراني السعودي الاخير ؟
بالعودة الى الوراء لعدة سنوات وصلت الامور لحد وقوع هجمات ضد مراكز الدولة الشيعية الاكبر التي اتهمت الجماعات السنية انها المسؤولة عن ذلك بدعم من السعودية وشمل ذلك قيام جماعات متشددة سنية أخرى في إيران بهجمات من حين لآخر على أهداف عسكرية ومدنية بهدف تسليط الضوء على ما تقول إنه تمييز ضد الأقلية العربية في إيران والجماعات العرقية السنية.
لم تقف إيران مكتوفة الايدي فشنت هجمات على مواقع الشبكات الاجتماعية وشمل ذلك اعتقالات جماعية وأحكاما بالإعدام لازالت تنفذ حتى يومنا هذا .
وتقول الأقليات العربية التي تعيش في الأساس في إقليم خوزستان الجنوبي الغني بالنفط إنهم محرومون من مستويات معيشية كريمة ومن بعض الحقوق المدنية.
وتعتبر الجماعات الانفصالية السنية الرئيسية في إيران نفسها جزءا من صراع أكبر بين إيران الشيعية والدول العربية التي يحكمها السنة في الخليج. وتدعم إيران وهذه الدول أطرافا مختلفة في الصراع السوري وفي العراق واليمن.
وتدعي طهران أن السعودية تمول معظم هذه الجماعات وهو اتهام نفته الرياض مرارا وتكرارا .
ومن بين ابرز الجماعات المتشددة السنية الرئيسية في إيران : جيش العدل وجند الله وأنصار الفرقان وغيرها …
وتصاعد الاهتمام بالدور الإقليمي لإيران، على إيقاع الحروب في الشرق الأوسط. فالجمهورية الإسلامية تدعم بنشاط ودأب حلفاءها في النزاعات الرئيسة في المنطقة- العراق، سوريا واليمن-، الأمر الذي وضعها على طرفي نقيض مع معظم جيرانها. ومثل هذه القِسمة ليست سياسية ولا هي استراتيجية، بل طائفية. إذ أن إيران وحلفاءها الأساسيين كلهم شيعة أو يُعتبرون كذلك، وهم يقاتلون معاً ضد قوات سنّية تدعمها دول يقودها السنّة. وقد أسفرت هذه الديناميكية عن تعميق إنزلاق المنطقة إلى خضم الطائفية، وفاقمت النزاعات السياسية بين إيران والعديد من جيرانها السنّة.
وقدّمت عمليات إيران في سوريا أوضح الأمثلة على سلوكها الطائفي. فهي سهّلت انخراط آلاف المُتشدّدين الشيعة من غير السوريين في الدفاع عن نظام بشار الأسد. وعلى رغم أن القادة الإيرانيين ركّزوا على شرعية تدخلهم في سوريا، ونفوا وجود أي أجندة طائفية، إلا أن القوات الإيرانية وأتباعها نسجوا دورهم على منوال مندرجات طائفية واضحة جدا تؤثر على السياسة الخارجية لايران بدون ادنى شك حيث ان إسباغ الطائفية بشكل أساسي على السياسة الخارجية الإيرانية، يحجب أكثر مما يكشف طبيعة سلوكياتها. لكن، وكما بات الشرق الأوسط أكثر طائفية منذ سقوط صدام حسين واندلاع الربيع العربي، انسحب الأمر نفسه أيضاً على السلوكيات الإقليمية الإيرانية.
يمكن القول إن السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية هي حصيلة مصالحها الذاتية، المُتمثِّلة بحماية الحكم الإسلامي الإيراني من التهديدات الخارجية وتبرز هنا زاوية طائفية أيضاً فبسبب عزلتها عن جيرانها منذ ثورة 1979، انتهجت إيران استراتيجية تقوم على نسج علاقات مع كيانات لا تمتلك صفات الدولة لمساعدتها على ترقية مصالحها الاستراتيجية. وعلى رغم أنها تدعم جماعات سنّية، كحركتي الجهاد وحماس الفلسطينيتين، إلا أن مساندتها للمنظمات الشيعية أثارت حنقاً شديداً لدى جيرانها. وقد درَّ هذا التوجُّه، المترافق غالباً مع السياسة غير المعلنة المتعلقة بتصدير الثورة، على إيران مكاسب استراتيجية، لكنه أسفر أيضاً عن تعميق التصورات حول تحيّزاتها الطائفية.
عودة الى التاريخ والجغرافيا وبما توفره لها من إدارة لأهم المقدّسات الإسلامية وما يترتب عليه من إرثٍ رمزي هائل، تتزعّم السعوديّة العالم الإسلامي دينياً. لكنها تطمح لأكثر من ذلك سياسياً، وليس فقط على مستوى منطقة الشرق الأوسط، بل هي تسعى إلى لعب دور عالمي مميز فنظراً إلى ما تتمتع به السعودية من مكانة اقتصادية، سببها الرئيسي الثروة النفطية، وبتأثير النهضة البنيوية الهائلة (فكرياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً) التي بدأها محمد بن سلمان بمجرّد تعيينه ولياً للعهد، وباعتبار أنها تقع في القلب من مناطق التنافس الاستراتيجي بين المشاريع العالمية المختلفة، فإنّها تجد نفسها في خضمّ صراعٍ محمومٍ لإثبات الذات والتصدّر للقيادة.
في المقابل، تجد إيران ذاتها في تناقض مباشر مع السعودية، فهي تدرك تمامًا أنها لا يمكن أن تنافسها على الزعامة الدينية باعتبار أنّ الغالبية الساحقة من المسلمين هم من السنّة، وبالتالي، لا سطوة لولاية الفقيه عليهم.
جعل هذا كلّه المنافسة بين السعودية وإيران على أشدّها، وانعكس على المنطقة خراباً وتدميراً. وبينما تتجه المملكة إلى الاندماج ضمن المنظومة الدولية الفاعلة، وبعد أن قفزت أشواطاً بعيدة في التأسيس للدولة بمفاهيمها الحديثة نجد ان إيران تسير في الاتجاه المعاكس
ان إعلان الاتفاق السعودي الايراني الذي تمّ برعاية صينية، يثير من الأسئلة أكثر بكثير مما يطرح من إجابات. ليس مردّ ذلك إلى طبيعة منظومتي الحكم في البلدين فقط، ولا إلى طموحاتهما الكبيرة في قيادة المنطقة، بل لكثرة الملفات بينهما وتشعّبها أيضاً، فاليمن الذي يشكل جزءاً أساسياً من ملف الأمن القومي السعودي، وسوريا ولبنان والعراق التي باتت أراضيها مسرحاً للتخريب الإيراني، والتجارة في الخليج العربي وخليج عُمان، وصناعة المخدّرات وتهريبها، والتدخل المباشر في القضية الفلسطينية من إيران من خلال دعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من التنظيمات المسلّحة، جعلا نقاط الشقاق والخلاف أكثر من نقاط الوفاق والتعاون. ولا ننسى أنّ السعودية قد أعلنت عزمها امتلاك السلاح النووي حالما تتمكن إيران من ذلك، وهذا بحدّ ذاته يفتح أبواب جهنّم على المنطقة بعمومها.
أذرع إيران في المنطقة قادرة على إيذاء السعودية وتعطيل مصالحها كما فعلت المليشيات الحوثية بقصفها المنشآت النفطية مراراً
فهل يمكن مثلاً اختصار هذا الاتفاق برغبة السعودية بتجنّب آثار حرب إسرائيلية وشيكة على إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي، وهل ستكون إيران فعلاً في وارد تغيير سلوكها التخريبي في المنطقة، وما هي ضمانات ذلك، وهل يمكن للصين أن تضغط بهذا الاتجاه بدافع تمرير مصالحها الاقتصادية العابرة بين الجارين اللدودين؟ ما انعكاس ذلك على الملفين السوري واللبناني، وما هي آثار هذا التقارب في العراق الذي بدأ يصحو رويداً رويداً من كبوته بعد عشرين عاماً على إسقاط نظام صدّام حسين؟
وحدها الأيام كفيلة بإظهار مدى التزام إيران بهذه التفاهمات، فهي وإن كانت مصلحتها في الاستقرار وفكّ العزلة الدولية كبيرة جدًا، إلا أنّ طبيعة نظام الحكم المتطرّف فيها لا يمكن أن يترك لإيران الدولة ولإيران المجتمع أي دورٍ في إتمام هذه المصالحة مع دول الجوار. إنّ نظاماً مأزوماً قام على أساس الهدم والتخريب لا يمكن أن يُضمن جانبه في أي اتفاق إقليمي أو دولي.
مهم جدا ما ستنتجه الأسابيع المقبلة وهو ما سيدلّنا على الخطوة السعودية الإيرانية هذه، أهي خطوة تكتيكية لكليهما أم مشوار استراتيجي طويل؟وهل سيبقى هناك تاثير للطائفية رغم التوجهات الجديدة الامر الذي قد ينسف كل الاتفاقات ؟ أم ان الدبلوماسية الدولية ستكون هي الاقوى لتجنيب المنطقة من اثار حرب شاملة لاستعادة الهدوء وبالتالي تصبح لغة العقائدية والمذهبية جسرا فقط لتحقيق هدنة عابرة لتعود الى الواجهة مجددا وتشعل الصراع الطائفي في منطقة الشرق الاوسط ؟
نختم بالقول ان الصفقة الإيرانية السعودية،لها القدرة على إنهاء واحدة من أهم المنافسات في المنطقة وتوسيع العلاقات الاقتصادية عبر الخليج.
وعليه لن تقف إيران بمفردها بعد الآن في مواجهة تحالف من العرب والإسرائيليين، الذي كانت الولايات المتحدة تأمل أن يقوم بالمهمة الصعبة المتمثلة في احتوائها.
بدلا من ذلك، فإن الصفقة لديها القدرة على تقريب إيران من جيرانها العرب واستقرار علاقاتها تدريجيا في المنطقة.
ان قبول الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، دعوة لزيارة الرياض في موعد لم يحدد بعد، يعتبر إشارة أخرى على نية الجانبين السعودي والايراني تعزيز العلاقات بينهما أكثر "فهل تكون لهذه الزيارة وهذا التقارب فوائد ايجابية نحو تقليص الخلافات الطائفية اذا ما كانت عميقة وتتطور بايجابية ام انها ستحقق اهدافا سياسية لمصلحة الاطراف الدولية التي تتحكم بالمنطقة وفي مقدمتها الصين وللولايات المتحدة ؟
الايام وحدها تكشف عما تنتظره منطقتنا من تطورات دراماتيكية مهمة