هذا بالتأكيد لم يكن الهدف الاصلي، لكن قوانين الانقلاب النظامي تم استخدامها كأداة كشف وحشي بكفاءتها لمشكلات صعبة، التي لم يعد يستطيع المجتمع الاسرائيلي قادراً على استيعابها، وحتى لا يستطيع الحفاظ عليها في وضع مؤقت وغامض على صيغة "إدارة الصراع". احدى هذه المشكلات هي عدم وجود صفقة منطقية وعادلة بين الأقلية الحريدية الانفصالية وبين الآخرين. كان هناك رؤساء حكومة تعاطفوا مع الحريديين. مناحيم بيغن مثلا، عزز المؤسسة الارثوذكسية وأعطى ممثليها قوة سياسية كبيرة. وكان هناك أيضاً رؤساء حكومة لم يترددوا في استخدام الحريديين لأغراض سياسية، مثل اسحق رابين في محاولته الفاشلة التي فيها قام بإجلاس الحاخام عوفاديا يوسف مع شولاميت الوني من أجل تمرير اتفاقات اوسلو. لكن الحقيقة هي أنه منذ قيام الدولة فإن أي رئيس حكومة لم يرغب في علاج هذه القضية، والتي تطورت الى درجة غير معقولة كلياً.
وضع بنيامين نتنياهو الذي عقد مع الحريديين تحالفاً دعائياً ساخراً في يدهم قوة غير محدودة. من يفحص اتفاقاته الائتلافية مع شاس ويهدوت هتوراه، وبدرجة معينة مع الاحزاب الدينية الوطنية، سيكتشف أنها مليئة بالتسهيلات والملذات المختلفة للمجتمع الحريدي. بعد مئة يوم على تشكيل الحكومة الحالية فإنه من الواضح أن الحريديين لا يكتفون بدور الأقلية التي تستند الى الأغلبية – موقف اشكالي بحد ذاته ولن يصمد فترة طويلة – بل هم يتوقون الى أن يفرضوا على جميع الباقين دولة دينية غير ديمقراطية.
البنية المعوجة التي حتى الآن حظيت بغض النظر تحارب في الوقت الحالي على أسسها. من لا يخدمون في الجيش لا يمكنهم التقرير متى سيتم ارسال الجنود والى أين. ومن لا يشاركون في سوق العمل لا يستطيعون اتخاذ قرارات حول مصير الاقتصاد. ومن لا يؤمنون بالديمقراطية وبجهاز القضاء ويرتكزون على مبادئ مدنية كما هو متبع في الدول الديمقراطية المتقدمة، لا يحق لهم انتزاعها من الاغلبية المعنية بها. وبالمستوى نفسه من المنطق فإن من يتحملون عبء معظم الضرائب، والمسؤولين عن الناتج المحلي الخام في الدولة، يحق لهم أن يطالبوا بعدم استخدام اموالهم في ملاحقتهم وسلب حريتهم، ومن أجل تغيير وطنهم الى الدرجة التي لا يستطيعون فيها العيش فيه.
الحريديون، الذين في أعقاب الانتخابات الأخيرة شعروا بالثقة في انزال كل العبء عنهم وفرض نظام يفضلهم واستخدام موارد الدولة لصالحهم، قاموا هم انفسهم بالحركة التكتونية من أجل تغيير العلاقة معهم. ويجب الاعتراف بالفضل لهم في ذلك. هذا التغيير ضروري، اتفاقات أو بنى تستند الى قواعد واهية نهايتها الانهيار وبضجة كبيرة. لا يجب أن تكون هناك طريقة لفرض أي موقف على أي أحد، حتى لو كانت تقيد مستقبل اولاده الذين سيتربون بدون تعلم اللغة الانجليزية والرياضيات. لذلك، سيحكم عليهم بالسجن في دائرة الفقر لأن الطرق الرائدة التي تفتح الاماكن اأمامهم مثل الجيش وسلك الأكاديميا وسوق العمل الحديثة، مغلقة في وجههم. لكن من اجل الحصول على ميزانية من الحكومة، من أي نوع، فإنه يجب على الحريديين الموافقة على منظومة عامة أساسية مشتركة مع جميع المواطنين ومتفق عليها من قبل الأغلبية.
إن تعلم المواضيع الاساسية والخدمة في الجيش أو الخدمة المدنية وتمثيل النساء في الأحزاب المصادق عليها للترشح في الانتخابات للكنيست والمشاركة في سوق العمل، مثل اخوتهم في الشتات، كل ذلك هو طلبات منطقية من قبل الحريديين، مقابل الشراكة في الخزينة العامة التي تملأها الأغلبية التي تهتم بدولة ديمقراطية وليس دولة شريعة أو دولة دينية. هل هناك شيء منطقي وعادل أكثر من ذلك؟.
عن "هآرتس"