رئيسة المفوضية الأوروبية: سقطة التهنئة لإسرائيل

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

 


برقية التهنئة المصورة التي أرسلتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في ذكرى قيام دولة إسرائيل ليس فقط أنها تتجاهل حقائق التاريخ، وتتجاهل وجود الشعب الفلسطيني ونكبته والاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ ستة وخمسين عاماً، بل إنها تبنت الرواية الصهيونية، التي بدأ إسرائيليون يشككون بها، كما هي ودون اعتبار لواقع إسرائيل اليوم.
وهذا في الواقع هو تعبير حقيقي عن استمرار دعم إسرائيل مهما فعلت وتجاهل كامل لخرقها المنظم والمنهجي للقانون الدولي ولمبادئ حقوق الإنسان ومعايير العدالة والمساواة.
قد تكون مسألة تهنئة إسرائيل بعيد قيامها مسألة بروتوكولية معتادة، ولكن اللغة التي قيلت فيها عن تحقيق «حلم إقامة دولة إسرائيل في أرض الميعاد» والإشادة «بالديمقراطية الإسرائيلية النابضة في قلب الشرق الأوسط» و»جعل الصحراء تزدهر وتتفتح»، تمثل في الواقع تبنياً كاملاً لادعاءات الحركة الصهيونية التي دمجت بين رواية توراتية لم تثبت صحتها على الإطلاق وبين مصالح خاصة لرأس المال اليهودي الذي تلاقى مع أطماع أوروبا الاستعمارية التي بحثت عن موطئ قدم وقاعدة ثابتة ومتقدمة في الشرق الأوسط.
تهنئة أورسولا في الواقع مليئة بالعيوب. فهي تصدق أو تعتنق الدعاية الصهيونية التي تقول: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، والتي تدعي أن إسرائيل حولت الصحراء إلى جنة وأن البلاد كانت خالية ولا يوجد بها أي نوع من الحضارة، وفقط إسرائيل التي منحتها هذا العمران والازدهار والتطور. مع العلم أن إسرائيل قامت على أنقاض شعب عريق حضاري كان من أكثر شعوب المنطقة تطوراً، وأن دولة إسرائيل بنيت في مراكز سكانية كانت تعج بالحياة والمدنية. وأن حلم تعمير الصحراء الذي تبناه بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي فاشل بامتياز ولم تنجح إسرائيل فيه بشكل كبير بل كان عنوان الإخفاق ولا تزال غالبية مناطق النقب صحراء كما كانت.
والنجاحات التي تحققت كانت بفعل سرقة مياه نهر الأردن وتحويلها إلى النقب والمدن الإسرائيلية وتجفيف ودمار البحر الميت وسرقة المياه الفلسطينية وتعطيش الشعب الفلسطيني .
أورسولا تجاهلت اعتراف علماء التاريخ والآثار الإسرائيليين بأن التوراة لا تصلح للتأريخ، بل وأن الحفريات التي أجريت في فلسطين لم تثبت فعلاً الروايات التوراتية حول الممالك اليهودية وقصصها الأسطورية في هذا المكان تحديداً.
وهي كذلك أخطأت في الدمج بين الديمقراطية والاحتلال. فلا يجوز الحديث عن ديمقراطية مزدهرة عندما تكون هذه الديمقراطية تقمع شعباً آخر، وتمارس ضده نظام فصل عنصري.
ولسنا نحن فقط الذين نقول ذلك، بل قالته منظمات حقوقية إسرائيلية مثل «بيتسيلم» ومنظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية «أمنستي».
الأسوأ من كل هذا أن رئيسة المفوضية الأوروبية تجاهلت الواقع الذي تعيشه إسرائيل في ظل حكومة أقصى اليمين العنصري الاستيطاني المتطرف، التي لم يقبلها أكثر من نصف المجتمع الإسرائيلي. فهي لم تنطق بكلمة تعبر عن قلق أوروبا من التطورات الحاصلة في إسرائيل ولو من وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي، وأيضاً من وجهة نظر القيم الأوروبية التي تتغنى بحقوق الإنسان.
لو أن أورسولا هنأت إسرائيل وأشارت ولو بشكل عابر لأهمية إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وتطرقت للوضع القائم في إسرائيل ولو من باب التعبير عن القلق، لكانت كلمتها متوازنة بعض الشيء، أما أن تتجاهل جرائم إسرائيل وعدوانها على الشعب الفلسطيني، وتتجاهل نكبته والاحتلال المستمر منذ ستة وخمسين عاماً والتزام أوروبا بإيجاد تسوية سياسية عادلة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فهذا غريب ومخجل للاتحاد الأوروبي الذي من المفروض أن يتبنى مواقف متوازنة على الأقل في كل ما يتعلق بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي.
ما قالته أورسولا يمثل سقطة بحاجة لمراجعة من أوروبا وبحاجة لتعديل وعودة إلى قواعد القانون الدولي ومراعاة مبادئ حقوق الإنسان، والتعامل مع كل الأطراف على أساس احترامها لهذه المبادئ والقيم. وعندما يتعلق الأمر بديمقراطية كاذبة كالديمقراطية الإسرائيلية التي تتبنى قانون «القومية « العنصري وقانون «كامنتس» والقانون الأخير الذي يأتي به العنصري المتطرف والمجرم إيتمار بن غفير والذي يقول إن «الصهيونية قيمة موجهة لنشاطات الحكومة» لتطبيق قانون القومية الذي يمنح اليهود فقط الحقوق في دولة إسرائيل «الديمقراطية النابضة» - كما تقول أورسولا -، فيجب على أوروبا أن تخجل من نفسها وتخجل من عبارات المديح المنحازة لنظام فصل عنصري مجرم ومحتل.