قبل تصميم واكتشاف مواقع التواصل الاجتماعي بكامل منصاتها وأشكالها ومميزاتها وسلبياتها، كان العالم يعتمد في تلقي الأخبار على الصحف ومحطات التلفزة ولم تكن جميع المعلومات تصله في وقتها، لكِن بعد ظهور مواقع التواصل أصبح العالم أشبه بقرية صغيرة، تتصفح أهم الأخبار والغير مهمة منها في آن واحد، حيث تتلقى الأخبار السياسية والاقتصادية والمجتمعية وأنت جالس في مكانك وعلى سرير نومك بسرعة البرق.
كل ذلك يُعتبر من الإيجابيات التي تتصف بها تلك المواقع، لكِن مع تطورها بشكلٍ مخيف وامتلاك جميع أفراد الأسرة تقريباً الهواتف النقالة جعل خطرها محدقاً أكثر على الكبار والصغار على حدٍ سواء.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، في قطاع غزّة الذي لا يتعدى عدد سكانه مليوني ونص المليون نسمة، ولا نُبالغ إنّ قلنا إنَّ جميعهم يشتركون في نقل الأخبار والأحداث وقت حدوث أيّ عدوان أو مصيبة قريبة من منطقة سكناه، فكل ما عليه فقط أنّ يتناول هاتفه إما أن يقوم بالتقاط الحدث وتصوير مجرياته ونقلها للناس كما هي أو يتم نسخ المادة المكتوبة والمصورة من صفحة ما ولصقها عبر صفحته وهنا تكمن خطورة الموقف، فبعض الأخبار في كثير من الأحيان تصدر عن أشخاص غير مسؤولين لا همَّ لهم سوى التسلية والترفيه، ويتناقل منهم تلك الأخبار بعض الأشخاص، على اعتبار أنها صحيحة، فتنتشر كالنار في الهشيم ويتناقلها الناس ويتداولونها دون التحقق منها، وللأسف وقع كثير من الصحفيين في تلك المطبات وتناقلوا أخبارا مفبركة، والتي من شأنها أنّ تثير الفتنة أو البلبلة في صفوف المواطنين.
مراسلة وكالة "خبر" استطلعت آراء المواطنين حول مدى رضاهم من الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على الأخبار، وهل هي فعلاً حلت محل الصحف ومحطات التلفزة؟!
محمد علوان، يقول: "بكل تأكيد حلت محل التلفزيون، وأنا نادراً ما أشاهد الأخبار المذاعة عبر الفضائيات، حتى تلك الفضائيات يُمكنني أنّ أشاهدها من موقع الفيسبوك مثلاً بكل سهولة، اليوم نحن نعيش في عصر السرعة، وامتلاك الكثيرين للهواتف الذكية جعلهم يقومون بنقل الحدث قبل أنّ تصل له الصحافة أو عدسات كاميراتهم".
وأضاف: "أتابع عدد كبير من صفحات الصحفيين الموثوقين فلسطينياً وعربياً ودولياً، وإنّ حدث أيّ طارئ في أيّ بقعة أتلقى إشعاراً بذلك".
تقى سلطان، قالت هي الأخرى: "للأسف مواقع التواصل الاجتماعي استخدامها بهذا الشكل المخيف سيُدمر المجتمع أكثر مما هو عليه، الجميع يُصبح صحفياً ويتناقلون الأخبار دون تدقيق أو إنسانية، فمثلاً في موضوع الطفل الذي نهشه الأسد في مدينة أصداء جنوب القطاع، كثر المحللين فيه، وتناقلوا فيديو للأسد وهو يلتهم جزء من الطفل، انتزعت منهم الإنسانية، ألا يعي هؤلاء أنّ تناقل مثل هذه الفيديوهات يضر بأهل الطفل حين مشاهدته، أو الأطفال بصورة عامة الذين يقضون وقتهم على تلك المواقع، جميعهم لا هم لهم سوى جمع مزيد من الإعجابات والمشاهدات حتى ولو على حساب المواطن".
عرفات اشنيورة، بدأ حديثه بمطالبة وزارة الداخلية والمسؤولين عن مراقبة المحتوى عبر تلك المواقع بضرورة ملاحقة كل من تُسول له نفسه في ترويع المواطنين أو الاستهزاء من أيّ حدث، مُضيفاً: "الكارثة أننا وقت الأحداث والعدوان مثلاً تجد عدد من الشباب والصبايا يجلسون خلف شاشاتهم ويُطلقون النكات وكأنّهم في حفلة عرس وما يحدث في الخارج ليس دمار وموت، وأنّ هناك أناس تتألم وتعاني وتموت، هؤلاء الفئة يجب وضع حد لهم وإغلاق صفحاتهم وتغريمهم وحتى حبسهم، ليكونوا عبرة لمن لا يعتبر، يكفينا مانحن فيه، الوضع لا يتحمل مزيد من التفاهات".
ليان عيسى، تقول: "أنا لا أشعر بالرضى عما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فأثناء تصفح تلك المواقع تشعر أنّ القيامة قد قامت، وإنّ نزلت إلى الشارع ستجد أنَّ الأمور مستقرة والوضع طبيعي، فمن يطلقون على أنفسهم نشطاء جاهزون طوال الوقت لتضخيم الأمور وتحليلها على مقاسهم".
وذكرت عيسى مثالاً حياً حدث وقد تناقله الناس بشكلٍ مختلف وحللوه على حسب أهواءهم، وهو: "قبل فترة حدث أن بعض الخارجين عن الدين والأخلاق قاموا بالاعتداء على امرأة في بيتها وأمام زوجها وأولادها وقد تناقل الخبر الكثير من النشطاء، في اللحظات الأولى لم يتم ذكر أسباب الاعتداء ولم يتم تزويد الناس بالتفاصيل، إلا أنَّ البعض تناقل الخبر طاعناً في شرف المرأة تارةً وتارةً أخرى أنّ زوجها عديم الأخلاق وأخرى أنّه عديم الشخصية، بل وصل الحال بالبعض أنّ يدعي معرفته بالرجل المعتدي وبأنّه رجل صالح وتقي، ولم يصدر منه أيّ اعتداء وبأنّه كان شاهداً على تلك الواقعة، أتتخيلون مدى أنّ يشهد البعض شهادة زور سيُحاسَبون عليها يوم القيامة، نحن لا يهمنا تفاصيله، وإنّ كنا تعاطفنا معه في البداية كونها امرأة تعرضت للإهانة والضرب أمام زوجها وأطفالها، لكِن تركنا التفاصيل للمسؤولين وللعائلة هي من تحاسب المسيء، السؤال هو لماذا يُصر البعض على تضخيم الأمور وتأكيد الأخبار المزيفة ؟ رغم أنّ بلدنا وأرضنا مقدسة، والحقيقة ستظهر ولو بعد حين".
وقد عاش المواطنون في قطاع غزّة يوم أمس ليلة حزينة ومخيفة ومرعبة في آن واحد، فهم لم يتعافوا بعد من سلسلة العدوانات الهمجية التي يمارسها الاحتلال ضدهم، ولم ينسوا ما عاشوه وما فقدوه من أحبة وبيوت، فضجت مواقع التواصل الاجتماعي كالمعتاد بنقل الأخبار من شخص لآخر، حتى انقلبت جميع الصفحات لصحفيين ميدانيين، حتى أنّهم لا ينتظرون الجهات الرسمية لتأكيد الخبر أو نفيه، مما دفع مكتب الإعلام الحكومي لإصدار بيان شديد اللهجة، لكل من تُسول له نفسه نشر الأخبار المفبركة التي من شأنها ترويع المواطنين".
وللأسف لم يُثني هذا البيان بعض المستهزئين والذين لا يتحملون مسؤولية تصرفاتهم الرعناء، حتى أنَّ أحد المواطنين و يبلغ من العمر "19 عاماً"، أعلن عبر صفحته نبأ استشهاده من ضمن الشهداء الذين ارتقوا جراء القصف الإسرائيلي، بالرغم من أنَّ وزارة الصحة الفلسطينية لم يصدر عنها أيّ أخبار بالخصوص، وفور ورود خبر استشهاد الشاب المزيف حتى وقع بعض الصحفيين والمواقع الإخبارية في الفخ وتناقلوا الخبر سريعاً ليصبح حقيقة مؤكدة، وبعد ساعات تكشفت الأمور واتضح أنّ الخبر من البداية لم يكن سوى مزحة من صديق هذا الشهيد الحي.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فقد انجر كثير من النشطاء والصحفيين لنقل أخبار الدمار الذي طال أراضينا المحتلة وبيوت المستوطنين جراء قصف صواريخ المقاومة لها بل وتناقلوا صور الدمار، وكأنّهم بذلك يمنحوا الاحتلال مزيداً من الحجج والبراهين لقتلنا من منطلق أنّهم يدافعون عن أنفسهم من عدوان المقاومة وصواريخها عليهم، وليخاطبوا العالم بصورة المعتدى عليه وليس المحتل المعتدي.
الخلاصة أنّه حتى هذه اللحظة لا ضوابط أخلاقية أو قانونية تستطيع أن تحكم مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر في كثير من الأحيان الأخبار المفبركة والتي من شأنها أنّ تزعزع الأمن المجتمعي، ولسان حال البعض يقول لماذا لا يتم استخدام تلك المواقع بشكلٍ صحيح يرقى لخدمة المجتمع لا لهدمه؟!.
وكالة "خبر" تابعت بعض المنشورات التي صدرت ليلة أمس وكيف تعامل بعض المواطنين مع الأحداث دون مسؤولية، وكانت كالتالي: