استغلال فقر المواطنين في قطاع غزة نحو عمالة كبيرة ..جريمة بحق الانسانية والطفولة

تنزيل (19).jpg
حجم الخط

بقلم منير الغول

 

  مع تدهور الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة وتفاقمها الى حد يهدد معيشة المواطنين ويبقي الغالبية العظمى منهم تحت خط الفقر تبرز الحاجة الملحة للعمالة في القطاع والبحث باي شكل من الاشكال عن عمل ولو بسيط من اجل تحصيل لقمة العيش والملاحظ خلال السنوات الاخيرة وفي ظل استمرار الحصار الاقتصادي ان نسبة العمالة ارتفعت بشكل كبير في صفوف الفقراء وخصوصا فئة الشبان الذين يحرصون على مساعدة عائلاتهم وطفت على السطح ظاهرة عمالة الاطفال الصغار وتغيبهم عن مقاعد الدراسة لاعالة عائلاتهم في بعض الاحيان نظرا لمرض الوالد او وفاة الاب او عدم قدرة رب العائلة على الوفاء بكافة المتطلبات المعيشية نظرا لحجم العائلات الكبير حيث ان بعضها قد يضم اكثر من عشرة اطفال نظرا لعدد السكان الهائل اضافة الى عمالة حديثة في صفوف الفتيات والانسات في مجالات تخصصهن كالنسيج والغزل والخياطة والعمل بمناوبات ايضا في عدد من المصانع والوظائف المكتبية وغيرها …

 

تتعدد المشاهدات من قطاع غزة لاطفال يتحدون الاجواء الحارة صيفا والباردة شتاء ويعملون بقسوة في بيع الاحجار ومواد البناء والحصى والفولاذ وغيرها حيث يستعينون ببعض الحيوانات  الاليفة مثل الحمار او الحصان بحثا عن تحصيل عدد زهيد جدا من الشواقل في نهاية يوم متعب وشاق لمساعدة عائلاتهم في ظل ضعف الموارد المالية ونظرا لاعتماد العائلات على المعونات الخارجية غير الكافية حتى لتحقيق جزء بسيط من تكاليف المعيشة الباهظة والغالية …

 

نرصد يوميا اطفالا يتجولون في الشوارع والازقة وعلى شاطئ البحر ويبيعون المكسرات والبسكويت والحلويات والمفرقعات وسط شعور دائم بالخوف وخصوصا عند العمل في ميناء غزة ، حيث يتحول هذا الشعور الى  الخجل، من اضطرارهم  لبيع البسكويت للناس، وبعض الناس لا يحسنون معاملتهم  وأحيانا يقف  الاطفال في اعمارهم  يلعبون ويضحكون مع ابائهم في حين أن الفقراء  يبيعون البسكويت وهذا يجعلهم يشعرون بالغيرة في ظل فروقات واضحة بين بعض العائلات الثرية ومعظم العائلات الفقيرة الاخرى …

 

وتعمل منظمة  اليونيسف منذ  سنوات لتحديد الاطفال المعرضين للخطر، بما في ذلك أولئك المتورطين في عمالة الأطفال ومن خلال مستشارين لحماية الأطفال ومديري القضايا الذين يعملون في 20 مركز أسرة تدعمها اليونيسف في جميع أنحاء قطاع غزة.

 

وعندما يتم التعرف على الطفل العامل يحاولون في اليونيسيف  إعادته الى النظام التعليمي، وأحيانا بتقديم التدريب المهني. ويقدم المستشارون الدعم التعليمي والنفسي الاجتماعي الى الأطفال، بينما يساعدون الاسر على الاتصال بوزارة التنمية الاجتماعية من أجل طلب الدعم المالي، أو الحصول على فرص عمل لفترات قصيرة أو مشاريع الشركات الصغيرة.

 

وفي ظل اتساع رقعة الحالات العاملة في صفوف الاطفال يقتنع بعض اولياء الامور  بحضور ابنائهم دورات التوعية بشأن الحماية مع إدراك الأب بأن هناك دعم متوفر لابنه، لكن هناك العديد من الحالات التي يعاني اصحابها  من صدمات نفسية واجتماعية جراء المعارك والحروب التي فرضت على غزة فيحتاجون الى مزيد من جلسات اسداء المشورة الفردية المرتكزة على الصحة النفسية  ودورات لمهارات الحياة من أجل زيادة ثقة الاطفال  بنفسهم وتخفيف معاناتهم وتبديد مخاوفهم من اجل الحصول  على فرصة للعب بأمان في ساعات العصر والمساء بعد عودة مطمئنة وهادئة الى المدارس …

 

وتتعدد حالات العمل الاضطرارية في صفوف النساء والفتيات والشبان اضافة للاطفال وبعضها ينطلق من مرض الاباء وضرورة المساعدة والبعض الاخر من عدم كفاية المعونات وفي كل الحالات فان العمل هنا يبدو اضطراريا ومفروضا على عاتق هؤلاء العمال الذين يفترض ان يكونوا في مواقع اخرى مثل التعليم او الدراسة او السفر للخارج وتحصيل البعثات الجامعية او عمل كريم وحر في شركات وقطاعات يفتقدها القطاع وبالتالي فان الفقر المدقع يساهم بفرض منسوب عمالة مرتفع وهنا تبرز الحاجة لتحقيق معمق في وجود حالات استغلال من قبل المشغلين في جانبين : الاول فرض عدد ساعات عمل كثيرة على المواطن الغزي واستغلال حاجته الماسة للاموال من جهة وتقديم رواتب زهيدة وبسيطة لا تكفي لسد لقمة العيش وهذا يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق العمال واضطهادا لهم ويجب ان يتوقف …

 

حتى في حالات العمال من المواطنين كبار السن الذين يجتازون المعابر يوميا ويتوجهون للعمل في  الداخل الفلسطيني نجد ان السماسرة والاحتلال والمستوطنين  على حد سواء، هم سبب كل مصيبة فلقمة العيش الكريمة حق لكل إنسان، لكن سماسرة الاستيطان حولوها إلى وسيلة لاستغلال وانتهاك أبسط حقوق الانسان، واستغلوا وابتزوا حاجة الأسر المعوزة في قطاع غزة ، وسرقوا أبناءها من مدارسهم ليشبعوا جيوبهم دون حسيب أو رقيب ودون وازع من قيم أو أخلاق…

 

وتبرز في هذا السياق العديد من المشاهد المؤلمة لعمال يترنحون لساعات طويلة قبل مغادرتهم المعابر اضافة لعدم وجود تأمين على صحتهم ومستقبلهم وحياتهم وهم معرضون دائما لخطر السقوط خلال العمل وكثيرة هي الحالات التي لقي فيها عمال مصرعهم وخصوصا في الضفة الغربية فمن المسؤول عن ادارة ملف العمال واين وصل  ملف عمالة الأطفال ، هذا الملف الذي يدور بين الواقع والحلول والقوانين ؟ 

 

وفقا للاحصائيات الاخيرة فان اكثر من ٥ بالمئة من اطفال فلسطين دون ١٥ عاما يعملون وغالبيتهم من الضفة الغربية ولكن الاحصائية في قطاع غزة كبيرة ايضا وتشغيل الاطفال كما هو متعارف عليه يخالف القوانين والتشريعات الوطنية والدولية وهذا مجال مهم للبحث والمراجعة، وما يثير القلق أيضًا أن النسبة الأكبر من الأطفال ينخرطون في أنشطة لا تتوفر فيها الحماية من أي جانب، فوفق بيانات محدثة  يتركز نحو 63% من الاطفال العاملين ضمن الفئة العمرية (10-17 سنة) في أنشطة التعدين والتشييد والبناء والزراعة، ما يعني أن المخاطر عالية، ما يدق ناقوس خطر كبير يتسع تحت جنح الليل بفعل استغلال حاجة الأسر لمصدر دخل، واستغلال تجار الظلام لتلك الحاجة بسرقة حياة أطفال.

 

في هذا الجانب، يقول  المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل: "تحظر المادة 14 والمادة 93 من قانون العمل الفلسطيني تشغيل الأطفال دون سن 15 عامًا، ويُسمح بعمل الأطفال من عمر 15–17 لكن بشروط معينة من أبرزها ألا تكون هذه الأعمال خطرة وأن تكون ساعات العمل قصيرة، إلى جانب توفير الكشف الطبي للأطفال كل ستة أشهر".

 

 

هذه القضايا الضرورية تقودنا للحديث عن ضرورة وجود اطار يحمي العمال ويحافظ على حق الاطفال الصغار ويمنع غيابهم وتسربهم عن المدارس والبحث عن فرص اخرى لمساعدة العائلات الفقيرة ولكن الوضع مغاير جدا واصبحت ظاهرة استغلال حالة الفقر من اجل عمال كبيرة ظاهرة مقلقة فيها استغلال واجحاف يصل الى حد الجريمة وسيبقى المواطن الغزي مهددا بسرقة حياته الكريمة تحت طائلة لقمة العيش والمطلوب تكاتف وطني ومؤسساتي واسع لمواجهة عمالة الاطفال بشكل عام وفي المستوطنات بشكل خاص، ومحاربة كل المنخرطين فيها، لأن حياة أطفالنا أهم من جيوبهم وأهم من تلك المزارع والمستوطنات، المبنية على معاناة شعبنا وتضحياته ..

 

المطلوب لقمة عيش دون قهر أو ذل أو تهديد، وهذه من أبسط حقوق الانسان، ومن حقنا التخلص من الاحتلال لأنه أساس كل الشرور ومستنقع تجار الموت مهما اختلفت أدوارهم فهل من مجيب ؟

 

مع الاخذ بعين الاعتبار ان ٥٣  في المئة  من سكان قطاع غزة هُم من الأطفال دون سن السادسة عشرة ورصد ظاهرة عمالة الأطفال منذ سنوات، أي أنها ليست بالجديدة على المجتمع الفلسطيني، فان الجديد  والخطير هو تفاقمها بسبب الحصار والأوضاع الصعبة نتيجة البطالة وانعدام فرص العمل حيث تحمل مخاطر نفسية وجسدية مستقبلية على هؤلاء الأطفال الذين يجب ان يكونوا شباب المستقبل ليشاركوا  في بناء المجتمع الفلسطيني فان القصور هو في  دائرة منظومة العمل المتكاملة المتمثلة في حكومة حماس  والجامعات والمؤسسات والأكاديميين والمفكرين المطلوب منهم تخطيط علمي وطني لمحاربة هذه الظاهرة .

 

الحل "يَكمُن في إيجاد مخارج للقضايا السياسية الخلافية ما بين الفصائل والسلطة الفلسطينية بهدف فتح أفاق مستقبلية أمام كافة القضايا الاقتصادية أيضا".