يوم المعركة، حسب المفهوم الدارج في الجيش، والذي أُطلقت فيه 124 قذيفة على سكان غلاف غزة، الأسبوع الماضي، واستقبل بنوع من الهدوء من قبل الحكومة والجمهور، يثبت الأمر الذي ترسخ مرة أخرى في ذهن الحكومات في إسرائيل والمؤسسة الأمنية ومعظم المعلقين. في الخطاب الذي يدور الآن، حيث يوجد اتفاق كاسح على أن "الوضع لا يمكن أن يستمر هكذا" رغم استمراره منذ عشرين سنة، يظهر خياران للنقاش.
الخيار الأول هو أنه لا مناص من اقتحام غزة وطرد "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من الحكم وتدمير سلاحهما. بعد ذلك، الله كبير. فأما أن تسيطر إسرائيل على القطاع أو أن تأخذ السلطة الفلسطينية الضعيفة والمتفككة السلطة في يدها.
الخيار الثاني هو نوع من التسليم بـ"الوضع"، الذي يعني "تكرار الشيء ذاته": هدنة لبضعة أسابيع أو بضعة اشهر في نهايتها سيتجدد إطلاق الصواريخ وفي أعقاب ذلك سيكون هناك رد شديد أو معتدل لسلاح الجو.
اندلع يوم المعركة بعد أن قام "الجهاد الإسلامي" بإطلاق الصواريخ ولم تحاول "حماس" منع ذلك. أُطلقت الصواريخ في أعقاب موت السجين المضرب عن الطعام، خضر عدنان، في السجن، الذي اعتبر أحد قادة "الجهاد الإسلامي".
في الحقيقة، تعتبر إسرائيل السجناء الأمنيين "إرهابيين"، لكن عمليا هي تعطيهم حكما ذاتيا ما في السجن. وفي السابق أظهرت المرونة نحوهم. في حالة عدنان يبدو أن جهاز الأمن يتجنب بالأساس العنف من اجل العنف. بالنسبة له تحول حدث تكتيكي إلى مشكلة كبيرة. تدل هذه المقاربة على أمر ثابت يمنع المنظومة من رؤية الصورة الواسعة. لن تكون نهاية العالم لو سمح جهاز "الشاباك" والجيش بإطلاق سراح عدنان وإنقاذ حياته. هكذا أيضا كان سيتم تجنب إطلاق الصواريخ على مستوطنات الجنوب.
لكن الوقت لم يتأخر بعد لمناقشة الخيار الثالث، الذي لا يتجرأ أي أحد على طرحه على لسانه، وهو إجراء مفاوضات مع "حماس".
في عملية الجرف الصامد في صيف 2014، جرت مفاوضات غير مباشرة بين "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وبين الحكومة الإسرائيلية بوساطة المخابرات المصرية تم التوصل إلى تفاهمات وتم وضع اربعة مبادئ: وقف إطلاق النار والتهدئة (هدنة) لخمس سنوات، وإعادة إعمار القطاع اقتصاديا، بما يشمل إقامة ميناء وإقامة محطة لتوليد الكهرباء ومحطة لتحلية المياه، وصفقة لإعادة جثامين جنود الجيش الإسرائيلي مقابل إطلاق سراح عدد من "المخربين" (قبل أن يجتاز الإسرائيليان ابرا مانغستو وهشام السيد حدود القطاع بإرادتهما)، وتجريد غزة من السلاح.
كان يوجد للمحادثات ملحق سري. رئيس "الموساد" في حينه، تمير بردو، ورئيس الاستخبارات العسكرية في حينه، أفيف كوخافي، سافرا سراً إلى جدة، وقاما بإجراء مفاوضات مع رئيس المخابرات السعودية، بندر بن سلطان. استهدفت المحادثات، التي جرت بمصادقة من رئيس الحكومة نتنياهو، التوصل إلى اتفاق سياسي أوسع مع السلطة الفلسطينية، كان سيؤدي أيضا إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع السعودية ومعظم الدول العربية. تراجع نتنياهو كالعادة في اللحظة الأخيرة، وقام بوقف المحادثات مع السعودية. فرصة نادرة لاتفاق سلام تم تفويتها.
أيضا المحادثات مع "حماس" وصلت إلى طريق مسدود، ومنذ تسع سنوات تحدث جولات قتالية بين إسرائيل وغزة.
لا توجد أي احتمالية لنزع السلاح في غزة. لن توافق "حماس" في أي وقت على ذلك، لكن يمكن التوصل إلى تفاهمات حول مبادئ "الجرف الصامد" الأخرى. يجب استجماع الشجاعة واستئناف المفاوضات مع "حماس". وحتى لو اعتبرت إسرائيل "حماس" منظمة "إرهابية" مليون مرة فإن هذا لن يغير حقيقة أن الأمر يتعلق بكيان سياسي – عسكري يدير الـ 400 كم مربع للقطاع. يدور الحديث عن حكومة بكل ما تعنيه الكلمة.
يدور الحديث، إذاً، عن اقتراح لا يحصل على الشعبية؛ لأن إسرائيل ستضطر إلى دفع ثمن هذا الاتفاق. سيعتبر اليمين في إسرائيل ذلك استسلاما لـ"الإرهاب"، وسياسة مستخذية. السلطة الفلسطينية، التي حسب اتفاقات أوسلو من العام 1994 هي الجهة الوحيدة المخولة بالتفاوض مع إسرائيل، ستغضب جدا. ولكن السلطة تحتضر ببطء بسبب حكومات إسرائيل. وبهذا الشأن لا يوجد أي فرق بين نتنياهو وبينيت ولابيد.
مطلوب القول بوضوح أيضا فيما يتعلق بصفقة تبادل السجناء. إذا اردنا تنفيذ الصفقة كجزء من اتفاق واسع مع غزة، أسسه هي وقف إطلاق النار لفترة طويلة وإعادة إعمار القطاع، فإنه يجب على إسرائيل الموافقة على إطلاق سراح سجناء. التقدير هو أن "حماس" ستوافق على إطلاق سراح مئات السجناء. وإذا لم يكن لدى إسرائيل الرغبة في إطلاق سراح "المخربين" فيجب استثناء عملية تبادل الأسرى من الاتفاق (حتى لو غضبت عائلات الشهداء ومن هم على قيد الحياة).
يوجد وبحق لهذا الاتفاق ثمن مرتفع. ولكن أيضا مواصلة الوضع القائم له ثمن، يدفعه سكان الجنوب بشكل دوري. دون اتفاق سيواصل سكان الجنوب الشعور بأنهم مواطنون من الدرجة "ب"، وأن الحكومة الإسرائيلية غير معنية بما يحدث لهم، وأنهم بالفعل رهائن لدى "حماس" و"الجهاد". مرة أُخرى سيتبين أن إسرائيل ترد ولكن لا تبادر، وبالأساس هي غير قادرة على التفكير خارج الصندوق.
عن "هآرتس"
لافروف: الهدنة مع أوكرانيا تهدف لكسب الوقت لإعادة تسليحها
26 ديسمبر 2024