حماس وإسرائيل في سباق جوفي ضد الزمن

تنزيل (24)
حجم الخط

 

 ان الاخفاق الذي تمثل في انهيار النفق  الذي قتل فيه سبعة، على الأقل، من نشطاء الذراع العسكري لحركة حماس،  أجبر رئيس حكومة حماس في قطاع غزة، اسماعيل هنية، على كشف جانب من نوايا تنظيمه. فقد قال هنية في خطاب لتأبين القتلى في المسجد العمري في غزة ان الجناح العسكري حفر الأنفاق في جميع أنحاء قطاع غزة "من أجل حماية الشعب الفلسطيني وتحرير الأماكن المقدسة"، وفاخر بأن طول الأنفاق "يضاعف طول الأنفاق التي تم حفرها في (حرب) فيتنام"، وأوضح أن فترة الهدوء الحالي في غزة ليست فترة راحة، وانما يستغلها مقاتلو تنظيمه للتحضير للمعركة العسكرية المقبلة.

لقد ادعى هنية أن الأنفاق حققت "انتصارا استراتيجيا" على اسرائيل في حرب غزة (حملة الجرف الصامد) في صيف 2014. وأثنى على محاربي "شرق غزة" الذين يحفرون الأنفاق نحو العدو الاسرائيلي، بينما يواصل "غرب غزة" اجراء التدريبات اليومية على اطلاق الصواريخ نحو البحر المتوسط.

قتلى الأسبوع الأخير، وبينهم، حسب التقارير، ثلاثة من محاربي وحدة النخبة في حماس لحرب الأنفاق، ليسوا أول رجال التنظيم الذين اصيبوا في ظروف مشابهة. في العام الماضي، قتل على الاقل 12 ناشطا في احداث مشابهة وقعت داخل الانفاق. ولا يزال هناك اربعة مفقودين في الحادث الأخير.

في الأسابيع الأخيرة – منذ النشر الاول في "هآرتس" حول ترميم شبكة الانفاق الهجومية، سمعت تصريحات متبادلة بين الطرفين. فقد تطرق مسؤولون اسرائيليون، من بنيهم وزير الأمن ورئيس الأركان ووزير التعليم، الى إمكانية عودة حماس لشن هجمات عبر الأنفاق، فيما التقى ضابط من كتيبة غزة بسكان احد المجالس الاقليمية في المنطقة، وقال ان "حماس باتت جاهزة للجولة القادمة". ومن جانبها ردت حماس بتوجيه تهديدات عبر وسائل الاعلام الفلسطينية.

ما يحدث على الأرض ليس اقل اهمية. ازدياد الاخفاقات والحوادث التي واجهت حماس تحت الأرض يمكن ان يدل على ان هناك من يعمل جاهدا على اعداد الشبكة الهجومية الجوفية استعدادا لصدور قرار محتمل بالعمل. وفي الجانب الاسرائيلي، تم في الأسبوع الماضي، تصوير حفريات مكثفة للكشف عن الأنفاق، شرقي الجدار المحيط بالقطاع. من جهة الخصمين يبدو انهما يديران نوعا من السباق مع الزمن: لقد ضغطت حماس لاستكمال استعداداتها، في الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على اكتشاف انفاق هجومية على أراضيها من خلال الافتراض بأنه يمكن للتنظيم استخدامها خلال فترة وجيزة.

نية التنظيم العودة لحفر الانفاق كانت واضحة منذ نهاية الجرف الصامد. لقد رفض التنظيم كل محاولة وساطة تضمن رفع الحصار المفروض على القطاع مقابل تفكيك اسلحته، والذي كان يفترض ان يشمل وقف تهريب السلاح وحفر الانفاق. وكما يتضح من اقوال هنية، امس الاول، فانه يعتبر الانفاق ورقة استراتيجية حيوية في كل جولة حرب مع اسرائيل. اذا ما عدنا الى تحليل الحرب الأخيرة، سنجد ان العمليات عبر الانفاق (ودخول الجيش الى اطراف غزة لتدميرها) هي التي سببت غالبية الاصابات في الجانب الاسرائيلي.  وقد وجدت إسرائيل ردا دفاعيا فاعلا على غالبية الصواريخ التي أطلقتها المنظمة، بواسطة القبة الحديدية، وتكبدت الخسائر في الأساس بسبب اطلاق قذائف الهاون على المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، والتي لم يتوفر لديها الرد التكنولوجي عليها.

منذ ذلك الوقت، من المرجح ان اعتماد حماس على الانفاق كسلاح هجومي، ازداد فقط. فلقد واجهت في البداية أزمة مع ايران، المزود الرئيسي لها بالسلاح (وهو شرخ تم لاحقا لأمه بشكل جزئي)، وبعد ذلك بدأت مصر بالعمل بنجاعة كبيرة من اجل تدمير واغراق الانفاق في رفح. لذلك اضطرت حماس الى الاعتماد في الأساس على الانتاج الذاتي لقذائف لا تتمتع بالمعايير الكاملة، وهي في غالبيتها ذات مدى محدود وقوتها على التسبب بأضرار مقلصة. في المواجهة المستقبلية المحتملة، قد يحاول التنظيم المبادرة الى خطوات مفاجئة كما فعل قبل سنة ونصف، عندما حاول شن هجمات بواسطة طائرات غير مأهولة وكوماندوس بحري. لكن إسرائيل اثبتت قدرة على احباط هذه الهجمات في 2014، وقبل عدة اشهر اوقفت مصر اربعة من رجال الكوماندوس البحري لحركة حماس في سيناء، حين كانوا في طريقهم للتدرب في الخارج، وهي خطوة يمكن الافتراض بانها الحقت ضررا كبيرا بالقدرات العسكرية لحماس.

من ناحية تفكيرها العسكري، يبدو ان حماس تقترب من الافكار الفعالة لحزب الله بعد حرب لبنان الثانية، رغم انها لم تنفذ حتى الآن. لقد اكدت تصريحات مختلفة لحسن نصرالله وقادة التنظيم الحاجة الى القيام بخطوة مفاجئة وفاتحة للحرب، تمنح التنظيم مكانة متفوقة في المرحلة الاولى من الحرب. وفسرت اسرائيل ذلك على امكانية مبادرة التنظيم الى عمليات كبيرة – كمحاولة السيطرة على بلدة إسرائيلية او موقع عسكري قرب الحدود لتنفيذ اعمال قتل واختطاف – في حال اندلاع حرب في المستقبل.

في 2014، لم تنجح حماس في تحقيق هذه المفاجأة لأن الحرب اندلعت بعد اسبوع من التصعيد على حدود القطاع، بدأ بعد العثور على جثث الفتية الثلاثة الذين اختطفوا في غوش عتصيون، من قبل خلية تابعة لحماس. اذا قررت الذراع العسكرية لحركة حماس المبادرة الى هجوم، فقد تحاول اقصاء القيادة السياسية، خشية ان تقيد خطواتها او لكي تمنع إسرائيل من اكتشاف المخططات مسبقا.

نقاط الضعف الكامنة في خطوة كهذه واضحة جدا. فالقطاع لم يتعاف بعد من الدمار الذي سببته الحرب السابقة مع إسرائيل، ولم يتم حتى الان ترميم الاف البيوت. ومن شأن جولة حرب اخرى ان تحمل دمارا اكبر واخطر. التفوق العسكري والاستخباري للجيش الاسرائيلي واضح جدا، وفي غياب مخزون كبير من الصواريخ الدقيقة والقاتلة، يتوقع ان يكون حجم الضرر الذي ستسببه حماس للجبهة الداخلية الاسرائيلية محدود جدا. ولكن الحصار المادي ومشاعر الحصار السياسي التي تواجه حماس قد تحفزها على العمل خاصة اذا وقعت القيادة العسكرية في اغراء الاعتقاد بان اختطاف رهائن إسرائيليين سيجبر إسرائيل على الاستجابة لصفقة اخرى لتبادل الأسرى.

هناك خطوتان يمكن ان تسرعان التدهور في القطاع: الاولى، محاولة حماس توجيه ضربة استباقية عبر عدة انفاق هجومية في آن واحد، خشية ان تكتشف إسرائيل الانفاق قريبا وتدمرها. الثاني هو نجاح محاولات التنظيم بتنفيذ عمليات كبيرة في الضفة الغربية وداخل الخط الاخضر، تحفز على رد اسرائيلي في القطاع.  لكن وقوع حرب اخرى في قطاع غزة هو ليس عملا مصيريا. ومنع اندلاع حرب كهذه يرتبط ايضا بإسرائيل، بالسلوك الموزون لقيادتها السياسية، الى جانب نجاح الجيش والشاباك بإحباط المخططات الهجومية لحماس.