زارت قيادة "حماس"، بمن فيها رئيس المكتب السياسي، اسماعيل هنية، في نيسان 2023 السعودية. رافق هنية خالد مشعل وموسى ابو مرزوق، رئيسا المنظمة السابقان، اللذان يواصلان تولي مناصب رفيعة، وكذا خليل الحية، نائب يحيى السنوار ورئيس مكتب الإعلام في المنظمة.
أثارت الزيارة اهتماماً شديداً بسبب القطيعة منذ 2007 بين المملكة السعودية و"حماس" والتوتر الذي رافق على مدى السنين المنقضية شبكة العلاقات بينهما. كانت "حماس" تعتبر فصيلاً كفاحياً لـ "الإخوان المسلمين" له علاقات مع ايران، الخصم المركزي للمملكة. وكان "الإخوان المسلمون" أُدخلوا في العام 2014 في قائمة "منظمات الارهاب" في السعودية، وسُجن نشطاؤهم، بمن فيهم نشطاء "حماس"، خلف القضبان. في 2021 فرضت الرياض عقوبات جسيمة بالسجن وصلت 22 سنة على 64 من كبار رجالات المنظمة ونشطائها بتهمة تبييض الاموال ودعم الذراع العسكرية للمنظمة. بين المحكوم عليهم بالسجن الطويل (15 سنة) كان رئيس بعثة "حماس" الى المملكة، د. محمد الخضري، الذي أُطلق سراحه في تشرين الأول 2022 وتوفي. وألمح خالد مشعل في احدى لحظات الإحباط من السعودية بأن الاعتقالات كانت تستهدف ارضاء إسرائيل، على خلفية تقربها من المملكة.
جرت الزيارة الاخيرة لوفد "حماس" الى السعودية في 2015، ورسميا كانت بهدف العمرة لكنها تضمنت لقاءات مع ولي العهد، محمد بن سلمان، ووزير الدفاع ورئيس المخابرات السعودية. لم ترض نتائجها رجال "حماس"، الذين أملوا بتغيير السياسة تجاه المنظمة واساسا في مسألة السجناء. اما الزيارة الحالية فكانت، هي الاخرى، حسب ما قاله الضيوف، من أجل العمرة أيضاً. لكن بقدر ما هو معروف، قبل عودة وفد "حماس" الى الدوحة لم تعقد اثناء الزيارة لقاءات بينه وبين محافل سعودية رسمية (أو عقدت ولكن لم يعلن عنها). جاءت كل المعلومات في هذا الشأن من مصادر مقربة من "حماس".
الاهتمام الذي تثيره الزيارة ينخرط في ميل التحسن الواسع، الواضح مؤخرا، في شبكة العلاقات بين الدول العربية وبينها وبين تركيا، ايران، سورية، والمنظمات المقربة منهم. بالتوازي، مع زيارة وفد "حماس"، وأغلب الظن لبث نهج متوازن مع السلطة الفلسطينية، دعي ايضا محمود عباس، رئيس السلطة، الى مائدة إفطار في الرياض أثناء زيارة وفد "حماس" الى المملكة. في هذا التقرب من السلطة الفلسطينية أيضا يوجد ما هو من قبيل التغيير، إذ أظهرت السعودية برودا تجاه عباس في السنوات الاخيرة، بل جمدت بين الحين والآخر المساعدة المقدمة للسلطة عقب عدم رضاها من موقف عباس المتصلب برأيها تجاه خطة ترامب وانطلاقا من الاهتمام بالتأثير على هوية من سيحل محله. أثار الموعد القريب للزيارتين التفكير بانه يحتمل ان تكون الرياض سعت لتعزز نفوذها في قطاع غزة، وربما تحقيق مصالحة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، ويمكن ان يكون هذا على أساس اتفاق المصالحة بين "حماس" و"فتح" في 2007 "اتفاق مكة" الذي لم ينفذ. على اي حال، أُعلن عن زيارة عباس الى الرياض.
في العام 2021 بدأت "حماس" تنفذ استراتيجية جديدة هدفها التسبب بانهيار السلطة الفلسطينية من الداخل وتعزيز مكانة المنظمة كجهة مركزية سواء في المعادلة الإسرائيلية – الفلسطينية ام كلاعب سياسي ذي صلة في المنطقة. والهدف هو اجبار إسرائيل وعموم الجهات ذات الصلة على الاعتراف بـ"حماس" كجهة جديرة بان تكون عنوانا فلسطينيا عاما. بعد حملة "حارس الاسوار" في ايار 2021 اعرب قادة المنظمة عن شكر علني لإيران على مساعدتها الواسعة لـ"حماس" نفسها ولـ "المقاومة" الفلسطينية: تمويل الاعمال وتوفير العلم والعتاد. خطاب الرئيس الايراني، ابراهيم رئيسي، الذي بث في قطاع غزة في "يوم القدس" في نيسان 2023، وكذا خطاب قائد "قوة القدس"، الذي بث في اليوم ذاته في السنة السابقة، عبرا عن شكر "حماس" لايران.
زيارة قادة "حماس" الى السعودية وتحرير سجناء "حماس"، الذين احتجزوا في المملكة، في الأشهر التي سبقت الزيارة وما تلاها من تحريرات، يجب أن ترى في سياق تطورات إقليمية تقودها المملكة في معظمها. حاول موسى أبو مرزوق، المسؤول عن العلاقات الخارجية لـ"حماس"، عشية الزيارة الى الرياض، إصلاح الانطباع الذي نشأ في أعقاب إطلاق الصواريخ الى الأراضي الإسرائيلية في نيسان من قبل المنظمة من لبنان ومن قطاع غزة والتصعيد في التوتر الإسرائيلي – الفلسطيني حول المسجد الاقصى في رمضان، بان "حماس" اصبحت جزءاً من محور "المقاومة" الذي تقوده ايران، فاوضح بان "حماس" كانت ولا تزال منظمة مستقلة لا تنتمي لهذا المحور أو ذاك. واستهدفت الرسالة اطفاء حساسية سعودية معروفة في هذا السياق.
هل تتطور سياسة سعودية جديدة، و"حماس" هي الكاسبة منها؟ واذا كان كذلك كيف ينبغي فهم الزيارة الموازية لعباس الى الرياض، حيث استقبل بتشريفات رؤساء الدول؟ يبدو أن زيارة وفد "حماس" كانت مدماكاً اضافياً في السياسة الجديدة التي تتخذها السعودية وغايتها تقليص التوترات والعداء بينها وبين دول في المنطقة لصالح الدفع قدما بالمشاريع الكبرى وزخم التنمية التي بدأت فيها. احد تعابير هذه السياسة هو تخفيف حدة العداء تجاه الاسلام السياسي. العلاقات مع "حماس"، التي هي جزء من هذا التيار ومقربة جدا من ايران، هي جزء من هذا الميل.
في الوقت ذاته استهدفت دعوة عباس لزيارة موازية الاشارة لكل الجهات ذات الصلة، بما فيها إسرائيل، بأن هذه ليست انعطافة سياسية، بل سعي الى التوازن على خلفية الجهد لتقليص الاضرار في ضوء سلم اولويات اقليمية ودولية متغيرة. السعودية، التي دعت سورية للمشاركة في القمة العربية التي ستنعقد في 19 ايار في الرياض، بعد أن عملت على إعادتها الى الجامعة العربية، تسعى أيضا لأن تعود لتأخذ ادواراً قيادية اقليمية مركزية وجمع العالم العربي حولها في ظل استخدام أدواتها التقليدية للنفوذ – التمويل والوساطة - وهجر المحاولات العقيمة لتغيير الواقع الإقليمي بوسائل عسكرية.
من ناحية إسرائيل، وبقدر كبير ايضا من ناحية الولايات المتحدة، فان الرسالة التي تنشأ عن هذه التطورات هي أنه على خلفية نشوء آلية وموازين قوة جديدة في المنطقة تبعث توقعات لاتخاذ موقف بل دور من جانب لاعبين في المنطقة ستثور مصاعب كبيرة للحفاظ على مدى الزمن على الجمود المتواصل بالنسبة للمسألة الفلسطينية. فضلا عن ذلك، فان للتقارب بين السعودية و"حماس" قد تكون آثار ايجابية ايضا، إذ يحتمل حدوث تأثير متزايد ولاجم من المملكة على المنظمة، على حساب العلاقات بينها وبين ايران.
ومع ذلك، فانه وان كانت خطوات المصالحة الاقليمية، التي اتخذتها السعودية مؤخرا لا تستهدف وقف ميل التطبيع بينها وبين إسرائيل، يبدو أن هذا أُبطئ بشكل واضح. فتشكيلة حكومة إسرائيل الحالية تثير تساؤلات في المنطقة (مثلما في الساحة الدولية ايضا) عقب التآكل في صورة إسرائيل كديمقراطية مستقرة وكحليف مركزي للولايات المتحدة في المنطقة، وكذا عقب ضعف صورة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، كزعيم قوي. في مثل هذا الواقع يصعب على السعودية أن ترى في العلاقات مع إسرائيل بديلا عن محاولات تهدئة التوترات مع خصوصها في المنطقة وأساساً مع إيران. فالاستقرار السلطوي كان في نظر جيران إسرائيل أحد مصادر قوتها وأحد الأسباب التي حركتهم للتقرب اليها.
عن "مباط عال"