عكس السيناريو الذي رسمه الاحتلال الإسرائيلي، التزمت المقاومة الفلسطينية "الصمت" لساعات طويلة عقب اغتيال ثلاث قيادات من المجلس العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وهم جهاد غنام (62) عامًا، أمين عام المجلس العسكري للجهاد، وخليل البهتيني (44) عامًا، مسؤول المنطقة الشمالية في سريا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وطارق عز الدين (49) عامًا، أحد الأسرى المفرج عنهم في صفقة وفاء الأحرار المبعدين من الضفة إلى غزة وأحد قادة العمل العسكري بسرايا القدس في الضفة الغربية".
تكتيك المقاومة.. تفريغ الإنجاز الإسرائيلي من جوهره
الاحتلال الإسرائيلي، راهن على رد انتقامي من الجهاد الإسلامي هذه المرة، كما حدث في نوفمبر 2019، عقب اغتيال القيادي بهاء أبو العطا، وكذلك عقب اغتيال القيادين تيسير الجعبري وخالد منصور في أغسطس 2022، الأمر الذي يؤدي للاستفراد بالجهاد مع إرسال تهديدات لحماس برد ساحق في حال شاركت بالرد ضمن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة.
لكن حالة الضبابية التي فرضتها الغرفة المشتركة للمقاومة، بالتزامها الصمت على جريمة الاغتيال لأكثر من 22 ساعة، وتوكيدها على وحدة الرد، أدخلت الاحتلال في حالة من الشلل التام، فقرابة 300 ألف مستوطن، يعيشون في الملاجئ مع تعطيل كام للحياة؛ الأمر الذي يكبد الاحتلال خسائر فادحة مع مرور الوقت دون معرفة الاحتلال توقيت وحجم وساحة الرد.
وأطلقت المقاومة الفلسطينية ظهر اليوم رشقات صاروخية متتالية باتجاه مدينة تل أبيب ومحيط مدينة القدس وأسدود ومستوطنات غلاف قطاع غزّة، ما أدى لخسائر فادحة وسقوط بعضها على أهداف مباشرة.
وفي غلاف غزة فقط، تم تسجيل 7000 حالة هروب لمستوطنين، وإغلاق كلي لـ58 مستوطنة، مع فتح الملاجئ في المستوطنات والمدن على امتداد 60 كلم من غزة، فضلاَ عن هروب جنود الاحتلال عن الأنظار خوفًا من استهداف المقاومة لهم.
دراسة رد مٌؤلم وقاس
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حركة الجهاد الإسلامي، حسن عبدو، أنَّ "رد المقاومة على عملية اغتيال الاحتلال الإسرائيلي للقادة الثلاثة في الجهاد، جاء ضمن تكتيك جديد ومختلف عن المرات السابقة التي كانت ترد بها سرايا القدس الذراع العسكري للجهاد بطريقة سريعة ولا تعطى الوقت الكافي لضربة منسقة ومُؤلمة بشكل أكبر".
وأضاف عبدو، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "المقاومة ترد بتكتيك جديد ونوعي وذكي وله ما بعده على مجمل الصراع مع العدو الإسرائيلي، فالضبابية في رد المقاومة تفعل فعل الصواريخ نفسها، دون أنّ تُطلق أيّ رصاصة وحالة الصمت تشل الحياة اليومية في دولة الاحتلال الإسرائيلي من توقف القطارات والمدارس والمنتجعات حتى إغلاق الطرق وفتح ملاجئ في كافة المدن".
وأردف: "عدم الرد السريع أدى لحالة توتر واضح لدى القيادة السياسية للاحتلال، حيث بدا رئيس وزراء الاحتلال، بينامين نتنياهو، بالأمس، عصبيًا ومتوتراً، كأنه يستدعى رد الجهاد"، مُشيرًا إلى قيام الاحتلال، بالأمس واليوم، باستفزاز المقاومة، باغتيال مزارعين بسطاء، ادعى أنهم كانوا في حالة استعداد لإطلاق كورنيت".
وتابع: "جاءت هذه المزاعم في الوقت الذي أوضح فيه الإعلام الإسرائيلي، قيامه بإخلاء كل الغلاف من السكان وعلى مسافة كبيرة بمعنى لا يوجد أهداف للكورنيت، وبالتالي كذبة الاحتلال مفضوحة، بقيامه بالاعتداء على مزارعين بسطاء شرق خانيونس لاستفزاز المقاومة بالرد".
وشدّد على ضرورة حذّر المقاومين من غدر الاحتلال، في ضوء التكتيك الجديد المتبع، بالتزام الصمت الذي كلف الاحتلال أثمان باهظة، وذلك عبر البعد عن أي وسائل تكنولوجية قد تمس حياتهم، مُردفاً: "الاحتلال يُهدد المقاومة باستئناف الاغتيالات إن لم ترد، وهو أمر غريب فيبدو إسرائيل أمام هذا التكتيك كانت مرتبكة بشكل كبير وتدفع ثمن كما إطلاق الصواريخ تماماً لذلك فهو ناجح وسيكون له تداعيات مع مجمل الصراع مع دولة الاحتلال".
أسئلة مفتوحة.. سيناريو الرد!
ولفت عبدو، إلى أنَّ عدم الرد السريع أدى لحالة ضبابية طرحت جملة من الأسئلة في الساحة الإسرائيلية، لمعرفة طبيعة الرد وحجمه، وهل سيكون الرد فقط من سرايا القدس التابعة للجهاد أم بمشاركة الفصائل، وما هو المدى الذي ستنطلق فيه الصواريخ، وما هي التجمعات السكانية التي سيطالها القصف، وما هي الجغرافيا أيّ غزّة فقط أم الضفة أم ستقوم بعمل داخل الـ48 أو القدس أم رداً إقليمياً من كافة الجبهات؟.
وأكمل: "كل هذه الأسئلة سابقة الذكر، كانت بدون إجابة ومثار جدل داخل دولة الاحتلال، الأمر الذي يؤكد نجاعة هذا التكتيك الذي يعطى المجال الزمني للتخطيط والتفكير الجيد والإعداد لضربة مؤلمة للاحتلال وهو ما شهدناه في عمليات إطلاق الصواريخ"، مُوضحاً أنَّ تعطيل الحياة اليومية يؤدي لخسارة وحالة من التذمر في صفوف المستوطنين الذين أيدوا عملية الاغتيال.
وتوقع أنَّ يتغير المزاج العام للمستوطنين الغاضبين على نتنياهو الذي حاول الاستفادة من الاغتيال، مُؤكداً في ذات الوقت على أنّه ينبغي على كل قيادات العمل الوطني أنّ تحسب حساب أنّ المعركة مفتوحة وأنَّ الاحتلال يمكن أن يعاود الاغتيالات مرة أخرى؛ لذلك على الجميع أن يأخذ الحيطة والحذر، لأنَّ الاحتلال قد يُقدم على ارتكاب جرائم جديدة.
وخلص عبدو، في ختام حديثه، إلى أنَّ "الاحتلال كان يُعاني من حالة صمت المقاومة ودفع أثمان كبيرة للمتغير والتكتيك الجديد المتبع"، مُوضحاً أنَّ المقاومة رفضت أيّ وساطات قبل حقها في الرد على جرائم الاحتلال.