واي نت : رهن بسلوك "حماس" ..

رون بن يشلي.jpeg
حجم الخط

بقلم: رون بن يشاي

 

 



صحيح أن "الجهاد الإسلامي" في غزة هو التنظيم الثاني من حيث الحجم، لكنه تنظيم صغير ومعزول، ويشكل تحدياً استخباراتياً ليس بالبسيط بالنسبة إلى "الشاباك" والجيش. لذلك جرت العملية الشاملة ضد قيادات التنظيم وبعض أملاكه العسكرية فقط، أول من أمس، على الرغم من أن التحضيرات لها استمرت أكثر من شهر، منذ أطلق التنظيم قذائف على إسرائيل بعد المواجهات في المسجد الأقصى.
بالإضافة إلى هذا، يتميز التنظيم أيضاً بمركزية قيادية، تنشغل فقط بالقضايا العسكرية، على عكس "حماس" التي لها أذرع مختلفة تجعل من جمع المعلومات عنها، وبالتالي إلحاق الضرر بها، أسهل - في الوقت الذي يعمل نشطاء "الجهاد" طوال الوقت بتوجيه إيراني وثيق وتمويل من طهران، على نمط خلايا تعمل تحت الأرض، لذلك كان من الصعب الوصول إلى وضع يمكن فيه ضبط القياديين الثلاثة، الذين اغتيلوا ليلة أول من أمس، معاً، بينهم القائد الأعلى المسؤول عن جميع أعمال التنظيم في القطاع، خليل البهتيني، والمسؤول من طرفه عن النشاط في الضفة، وبصورة خاصة في شمال الضفة (جنين ونابلس)، طارق عز الدين. هذا الأخير عمل أيضاً على تهريب القذائف إلى الضفة، لإطلاقها من هناك للمرة الأولى.
كما جرى في حملة "الحزام الأسود" - حين تم اغتيال قائد "الجهاد" في شمال غزة، بهاء أبو العطا، وكما جرى في حملة "بزوغ الفجر"، التي تم خلالها استهداف قيادات التنظيم، فإن "درع وسهم" استهدفت أيضاً قياديي "الجهاد" الذين يسيطرون على نشاطه، وبذلك كان من الممكن إلحاق الضرر بكل نشاطات التنظيم التي تخرج من القطاع.
الحملة التي شارك فيها "الشاباك" والجيش كان لها ثلاثة أهداف: الأول: الردع؛ الثاني: منع تنفيذ عمليات "إرهابية" إضافية كان مخططاً لها بالأساس في الضفة الغربية؛ والثالث: انتقام وتدفيع ثمن، وهي أهداف نفسية، وليست عملياتية.
حملات كهذه لا يمكن القيام بها خلال لحظة، ولتحقق أهدافها ولا تكون مجرد إشباع لرغبات السياسيين الغاضبين والمستفزين، يجب الانتظار، لأن "الجهاد" في غزة، كما "حماس"، يرسل قياداته إلى المخابئ المحمية تحت الأرض قبل أن يطلق القذائف، أو ينفّذ عمليات.

المعادلة والثمن
الآن، بات واضحاً تماماً لماذا لم يسارع نتنياهو ومنظومة الأمن إلى الاستجابة للمطالبات الصارخة التي صدرت عن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. أثبت وزير الدفاع ورئيس الحكومة أن الصبر وضبط النفس ناجعان، وأن ساعة قيادات "القتلة" لن تحين في الوقت الذي يلائم قيادات حزب "قوة يهودية". بالنسبة إلى الساحة الدولية، من غير المتوقع أن يكون هناك مشكلة، ويمكن الاعتقاد أن الإدارة الأميركية ستتفهم أن لإسرائيل "الحق" في إلحاق الأذى بقيادات "الجهاد" في غزة، بالضبط كما للولايات المتحدة "الحق"، وعليها واجب أيضاً، في اغتيال بن لادن وقيادات "داعش" في سورية.
هناك مَن سيدّعي، وبصورة خاصة في الساحة الدولية، أن الهدف من وراء الحملة بالأساس هو الحفاظ على ائتلاف نتنياهو، وأن اغتيال القيادات وإلحاق الضرر الكبير بالبنى "الإرهابية" لـ "الجهاد الإسلامي" جاء نتيجة للضغوط السياسية التي قام بها إيتمار بن غفير وأعضاء حزبه على رئيس الحكومة، ومن خلاله على قيادات المنظومة الأمنية والجيش، إلا إن الحقائق مختلفة.
جاء قرار استهداف قيادات "الجهاد الإسلامي" بعد يوم من المواجهة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. حينها، أطلق "الجهاد" قذائف من غزة، بالتنسيق مع "حماس"، في إطار سياسة التنظيمين التي تفيد بأنهما المسؤولان عن الدفاع عن الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس، وبالنسبة إليهما فإن غزة والضفة هما جبهة وطنية واحدة، لذلك فإن "سقوط قتلى" في شمال الضفة يوجب الرد من غزة.
بادرت إسرائيل إلى حملة "درع وسهم" لتوضح للغزّيين أنها ستدفّعهم ثمناً كبيراً إذا استمروا في جني الأرباح في العالم الإسلامي والشارع الفلسطيني من خلال هذه المعادلة التي يعاني جرّاءها سكان جنوب إسرائيل. لذلك، من المعقول الادعاء أن وراء الحملة حسابات "موضوعية" للأمن القومي، وليس إرضاء سياسياً لوزير الأمن القومي وداعميه.
عملياً، أجهزة الأمن ورئيس الحكومة يعتبران وزير الأمن القومي، الذي طلب تسميته وزيراً للأمن القومي، خطراً على الأمن القومي: يتم إبعاده عن المشاورات والقرارات، خوفاً من أن يسرب معلومات عن الحملة التي يتم الترتيب لها، وبالتالي يمنع تنفيذها.

"حماس" لا تسيطر على "الجهاد"
بشأن المستقبل، فإن الجيش يقدّر أن "الجهاد"، وكما في الحملات السابقة ضده، سيحاول أن يرد بالأساس عبر إطلاق قذائف من القطاع على الجنوب، وبضمنه أسدود وبئر السبع. لذلك، أصدرت الجبهة الداخلية توجيهاتها بإغلاق الطرق ووقف بعض القطارات، كما أن وزير الدفاع وجّه أوامره بالسماح لسكان غلاف غزة بالخروج إلى مناطق أُخرى. ولكن في كل بلدة هناك مدخل ومخرج مؤمن، ومَن سيبقى عليه أن يبقى قريباً من الملاجئ.
بحسب تقديرات أجهزة الأمن، من المتوقع أن يكون هناك عدة أيام قتال. السؤال الكبير هو إذا ما كانت "حماس" ستنضم إلى تبادُل إطلاق النار، أو تمتنع، كما جرى في الحملات السابقة التي استهدفت تحديداً "الجهاد". "حماس" شجعت الجهاد على إطلاق القذائف بعد المواجهات في المسجد الأقصى، وبالأساس بعد "وفاة" المضرب عن الطعام في السجن، خضر عدنان، الأسبوع الماضي. حتى أن التنظيمين أصدرا بياناً مشتركاً، على الرغم من أن "حماس" اكتفت بإطلاق نار رمزي لقذائف في الجو، الهدف منها كان إطلاق صافرات الإنذار. تتصرف "حماس" كتنظيم يتحمل مسؤولية السكان في القطاع، وذلك لأنه الحاكم ومَن له السيادة على الأرض، وهذا كان المبرر للامتناع عن الانضمام إلى المعركة في المرات السابقة.
تعارض "حماس" أيضاً، أيديولوجياً، الخط العسكري - المندفع لـ"الجهاد"، الموجّه من إيران، بقيادة زياد النخالة، المتواجد في لبنان وسورية. وعلى الرغم من ذلك، فإن "حماس" لا تستطيع السيطرة كلياً على "الجهاد"، الذي لا يقل عنها حجماً، من حيث العتاد والمقاتلين. لدى "الجهاد" آلاف القذائف التي تصل إلى مسافات مختلفة.
ومن المهم الإشارة إلى المعلومات الاستخباراتية الاستثنائية، وخاصة تلك التي جاء بها "الشاباك"، الذي سمحت وحداته العملياتية بإلحاق الضرر بدقة بثلاث قيادات كبيرة في التنظيم، وبأرصدته العسكرية.
قسم الاستخبارات في الجيش كان المسؤول عن جمع ومعالجة المعلومات، وكانت غرفة العمليات التابعة لـ "الشاباك" هي المسؤولة عن المعلومات الأولية التي سمحت بذلك. سلاح الجو أيضاً فعّل 40 طائرة مختلفة بتنسيق لا يتعدى الثواني، وبرزت لديه قدرات مميزة، وضمنها قدرات الطيارين في جيش الاحتياط.
يبدو أن الجيش مستعد لمواجهة مستمرة، ستمتد على مدار عدة أيام على الأقل، ولذلك تمت المصادقة أيضاً على تجنيد الاحتياط، وبصورة خاصة منظومات الدفاع الجوي ومنظومات القيادة والسيطرة في سلاح الجو وشعبة الاستخبارات.
خلال الحملة الأخيرة ضد "الجهاد" ("بزوغ الفجر")، تم التوصل إلى هدوء استمر نصف عام. لننتظر ما الذي سيحدث هذه المرة، وهو يتعلق إلى حد بعيد جداً بالسياسة التي ستختارها "حماس".

عن "واي نت"