حلت عادة جديدة على دولة الاستحداث التكنولوجي، وهي الاستحداث السياسي. ويسمى هذا الاستحداث «الحل الاقليمي»، أي «مبادرة لانهاء المواجهة الاسرائيلية – الفلسطينية في ظل تجاهل الفلسطينيين». هيا نتجاهل الفيل الذي يوجد في ساحتنا. هيا نعتمد على الكويت، السعودية، مصر، وابو ظبي، ليخلصونا من المشكلة الفلسطينية. يا له من هزء. لديّ أنباء لـ «مكتشفي» الحل الاقليمي. فقد ابتكر منذ العام 2004، في صورة «المبادرة السعودية»، التي اصبحت «المبادرة العربية»، أو باسمها الجديد المغسول «دول المنطقة المعتدلة». فقد قال مندوبوها لنا: اجلسوا مع الفلسطينيين على اساس المبادرة، خوضوا معهم مفاوضات برعايتنا، توصلوا الى تسوية بروح مبادرتنا، وعندها سيأتي الخلاص الى المنطقة، وسيحل بالتأكيد على اسرائيل الامان، وسيسود السلام مع اسماعيل. اكثر من خمسين دولة عربية واسلامية ستقيم معكم علاقات سلام وصداقة. هذه هي الصيغة للاتفاق الاقليمي. هذا هو معنى الحوار الاقليمي في السياق الفلسطيني. لا يوجد غيره، او بديل له. في السنوات الاخيرة، مع تعاظم التهديد الايراني وتهديد الاسلام الراديكالي، عادت دول المنطقة لتناشدنا وبقوة اكبر: «أنهوا أخيرا القضية الفلسطينية حسب خطوط مبادرتنا كي نقف معا وعلنا في وجه التهديد الايراني والتهديد الداعشي. طالما أن هذا لا يحصل، فاننا سنواصل، بالطبع، الابقاء على العلاقات السرية بيننا في مسائل موضعية مهمة، ولكننا لن نتمكن باي حال من تطبيع العلاقات معكم». هكذا مثلا نشأ ائتلاف اقليمي معتدل من أجل اليمن، واسرائيل لا تندرج فيه، مع أن مصالحها متماثلة. وحتى احتفال الافتتاح لقناة السويس المتجددة، والذي جرى بمشاركة معظم الشعوب، لم تدعِ مصر فيه زعماء من دولتين: ايران واسرائيل. كل حكومات اسرائيل منذ 2004 رفضت او تجاهلت الحل الاقليمي – المبادرة العربية. اما الفلسطينيون بالمقابل فقد درجوا لسنوات طويلة، ولا سيما منذ اصبح ابو مازن رئيسا للسلطة، على العمل حصريا في اطار الجامعة العربية. كل خطوة، صغيرة كانت أم كبيرة، يتخذونها، منسقة مع الدول العربية المعتدلة. عفوا، مع «دول المنطقة». هذه الحقائق واضحة أيضاً لكل انبياء التضليل الجديد ممن يتباهون بالتفكير «من خارج العلبة». ويروجون لـ «الحل الاقليمي». كما من الواضح لهم ايضا أن الاردن، دبي، والكويت لن ترفع عنا التهديد بأن استمرار الوضع الراهن سيؤدي الى نهاية اسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. ما الذي يحركهم؟ بعضهم يخطئون انطلاقا من التعلّل بالاوهام ويتمسكون بقشة «الحل الاقليمي»، بعضهم يرفضون حل الدولتين، او كبديل، بغياب الشريك، الخطوات احادية الجانب. بشكل عملي، كلهم يؤيدون سياسة نتنياهو، التي اساسها الوضع الراهن السياسي الى جانب الزيادة الكبيرة للاستيطان خارج الكتل الاستيطانية المتفق عليها (من 70 الفا في 2009 الى 110 آلاف في 2015). هذه السياسة، التي هدفها احباط حل الدولتين، ستؤدي بالسفينة الاسرائيلية الى التحطم على الجبل الجليدي ثنائي القومية. نهاية الوضع القائم معروفة: اسرائيل ستكون إما دولة ابرتهايد منبوذة في نظر العالم أو دولة ثنائية القومية، تفقد فيها الهوية القومية. من يشكك في هذا القول فليسافر الى القدس: في عاصمة اسرائيل «الكاملة»، التي تتضمن 27 قرية فلسطينية، نحو 40 في المئة من سكانها فلسطينيون. من بين الشباب حتى سن 18 فان نحو 57 في المئة – الاغلبية الساحقة – هم فلسطينيون. في مواجهة الوضع الراهن يوجد خياران لانقاذ اسرائيل اليهودية: الاول – مفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين برعاية اقليمية او دولية، كما اقترح الفرنسيون، مؤخرا، على اساس مبادئ المبادرة العربية. وينبغي الافتراض بان يكون ابو مازن بشكل عجيب شريكا في مثل هذه المفاوضات. واذا كنت مخطئا ورفض أبو مازن فينبغي اتخاذ خطة عمل احادية الجانب، تعلن فيها اسرائيل أنه في كل تسوية ستكون الكتل الاستيطانية غربي الجدار جزءا لا يتجزأ من اسرائيل. حيث يسكن هناك اليوم نحو 280 الف مستوطن، وهناك تشجع اسرائيل الاستيطان. تعلن اسرائيل بانها ستجمد فورا المستوطنات في باقي مناطق «يهودا» و»السامرة» التي تقف خلف الجدار وتطرح خطة اخلاء – تعويض طوعي للمستوطنين الذين يسكنون هناك. الجيش الاسرائيلي واذرع الامن تواصل العمل في المستقبل في كل ارجاء الضفة بالطريقة التي تعمل فيها اليوم. هذان هما الخياران العمليان الوحيدان. لا يوجد غيرهما. كل ما تبقى هو خيال عابث للمخادعين المبالغين.