يجسد إطلاق الصاروخ، أول من أمس، جيداً تعقيدات قطاع غزة. فالمحاولة الإسرائيلية لترسيم أوضاع منطقية مرتبة بحيث تنتقل فيها المسؤولية أثناء التصعيد من "حماس" صاحبة السيادة وعنوان الرد، للمرة الثالثة في السنوات الأخيرة، إلى "الجهاد الإسلامي"، الذي يتحمل صفراً من المسؤولية تجاه قطاع غزة، واجهت تحدياً منذ أول من أمس في غضون أقل من يوم فقط من انتهاء الحملة.
إلى جانب النجاحات التكتيكية في الحملة الأخيرة فإن حقيقة أنه في السنتين الأخيرتين أخذت المسافة بين الجولة والجولة تتقلص، تستدعي من إسرائيل فحصاً معمقاً لمسألة نقل المسؤولية من "حماس" وهل تحقق بالضبط النتيجة المعاكسة وتقرب إسرائيل أكثر فأكثر من حملة واسعة في القطاع؟
مقارنة بحملتين سابقتين منذ العام 2019 اختارت فيهما أيضاً إسرائيل خوض المعركة مع "الجهاد الإسلامي" فقط ومساعدة "حماس" في البقاء على الجدار وعدم الانضمام إلى المعركة، في هيئة الأركان هذه المرة متواضعون وحذرون أكثر في تقديراتهم لفترة هدوء طويلة مرتقبة زعماً في أعقاب الحملة. ولعل صاروخ أول من أمس مؤشر أول على ذلك.
في الحملات السابقة كانت النبرة مختلفة، وكانت الفرضية هي أن احتمال فترة هدوء طويلة أعلى بكثير مما وقع بالفعل.
هذه المرة التصريحات أكثر اعتدالاً وتواضعاً مع أنه من ناحية تكتيكية تبدو إنجازات الحملة الأخيرة – تصفية المسؤولين الكبار، وحرمان العدو من الإنجازات وتشويش أفضل لنار القذائف ومدى الصواريخ بالنسبة لأيام القتال – أفضل مما في الحملتين السابقين اللتين سوقهما الجيش أيضا كناجحتين.
من المتوقع للمواجهات العسكرية مع "حماس" و"حزب الله" أن تكون أكثر تعقيداً بكثير. فضعف "الجهاد الإسلامي" ومدى الاختراق الاستخباري وأساليب العمل القديمة لديه تجعله عدواً يسهل أكثر التلويح بإنجازات عملياتية تجاهه.
في السطر الأخير يثبت "الجهاد الإسلامي"، المرة تلو الأخرى، أنه حقاً غير قادر على أن يخوض بشكل ذي مغزى حرباً مستقلة ضد إسرائيل والصمود لزمن طويل.
من المهم الإيضاح أنه ليس في ما نقوله ما يقلل من إنجازات الجيش الإسرائيلي في ضرب منظمة إرهابية قادرة على أن تطلق رشقات لأكثر من مئة كيلو متر وعدداً من الصواريخ بآلاف عديدة مثلما هو الحال في مستوى الاستخبارات المبهر لـ "الشاباك" وبجودة التنفيذ العالي لسلاح الجو. لكن فضلاً عن المسائل التكتيكية، فإن مسألة الفصل الذي ترغب "حماس" في أن تضربه بين مسؤولية "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة جوهرية جداً.
ويدور الحديث عن خيار تم للمرة الثالثة في أربع سنوات فقط. هذا المفهوم وطريقة العمل ذاتها والتي فيها أيضاً إنجازات عملياتية يطرح أسئلة استراتيجية حول المعاني الناشئة في الميدان.
في نهاية هذه الجولة أيضاً يقولون في الجيش إنهم استوفوا الغاية السياسية التي وضعت لهم – توجيه ضربة تمس بالقدرة العملياتية للتنظيم وتضعفه دون إدخال "حماس" إلى دائرة القتال.
نجح الجيش الإسرائيلي، حسب تلك التعريفات، بشكل جيد، لكن في صورة أوسع يخيل أن "الجهاد الإسلامي،" الذي لا يتحمل مسؤولية تجاه السكان في القطاع ويمثل بشكل واضح أيضاً مصالح إيران في توريط إسرائيل في وحل غزة ينجح المرة تلو الأخرى في جر إسرائيل إلى مواجهة عسكرية، ويقصر المدة الزمنية من جولة إلى جولة.
أكثر من هذا، فإن إسرائيل التي سعت لسنوات طويلة لخلق فصل بين قطاع غزة والضفة، تجد نفسها تقاتل في غزة بسبب الحرم، وبسبب حملة مع كثير من القتلى في جنين، أو بسبب سجين أمني لـ "الجهاد الإسلامي" مات في السجن بعد إضراب عن الطعام.
وفي كل مرة يوجد سبب آخر. في هذه الظروف، رغم النجاحات العملياتية، فإن التصعيد التالي قد يأتي قريباً حقاً.
عن "معاريف"