قراءة في نتائج جولة التصعيد بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي: في ميزان الربح الخسارة

لقطة الشاشة 2023-05-18 102525.png
حجم الخط

بقلم د. منصور أبو كريّم

 

 

 ألقت جولة التصعيد الأخيرة بالعديد من التداعيات السياسية والأمنية والميدانية والشعبية، خاصة أن الجولة شهدت العديد من التطورات الجديدة على ساحة العمل السياسي والعسكري الفلسطيني المنطلق من غزة، فلا شّك أن جولة التصعيد الأخيرة التي اندلعت بين سرايا القدس- ومن خلفها فصائل المقاومة الوطنية- والجيش الإسرائيلي كانت امتداد لفكرة المعارك الفردية، التي باتت تميز جبهة غزة خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد جنوح حركة حماس للعمل السياسي، وتفضيلها عدم الدخول في جولات تصعيد عسكرية متكررة؛ بسبب إكراهات الواقع السياسي وسوء الأوضاع الإنسانية في غزة. في هذا المقال سوف نسلط الضوء على جولة التصعيد الأخيرة وتداعياتها على أطراف العلاقة من منظور الربح الخسارة.
حركة الجهاد الإسلامي وجولة التصعيد من منظور الربح والخسارة
على الرغم أن معركة مايو 2023 قد فُرضّت على حركة الجهاد عقب اغتيال إسرائيل قادة سرايا القدس في ضربة استباقية، بحيث لم يكن أمام الجِهاد مفرًا إلا الرد والدخول على الخط المواجهة لو منفردًا؛ رغم ذلك استطاعت أن الحركة توجيه ضربات نوعية للعمق الإسرائيلي، مما ألب الرأي العام الإسرائيلي على نتنياهو، وجعل قادة المعارضة يتحدثون عن أهداف نتنياهو من هذه المعركة.
خلال أيام التصعيد الخمس وما بعدها؛ تصدرت حركة الجهاد مشهد الفعل المقاوم من غزة، وأصبحت المتحدث باسم مشروع المقاوم، كما أنها استطاعت أن تتحول إلى مفاوض رئيسي حول جهود التهدئة، بعد ما كانت الحركة تترك هذه المفاوضات لحركة حماس، باعتبارها رأس حربة برنامج المقاومة في فلسطين، وهذا ساهم في تحقيق مكاسب سياسية وجماهيرية كبيرة للحركة، سوف تنعكس في استطلاعات الرأي الفلسطينية خلال الأسابيع القادمة.
لقد أدت جولة التصعيد هذه وما سبقها من جولات تصعيد لتحولات سياسية وأمنية كبيرة في المشهد السياسي الفلسطيني، كان أهمها زيادة الفجوة السياسية والجماهيرية بين حركتي حماس- والجهاد، كما جاء في خطاب الأمين العام لحركة الجهاد الأستاذ زياد النخالة، عندما قال " تحملنا الكثير خلال هذه الجولة للحفاظ على وحدة الموقف الفلسطيني"، الأمر الذي يعطي مؤشرًا على حجم الفجوة والخلافات بين الحركتين.
رغم حجم الخسائر التي تكبدتها حركة الجهاد الإسلامي من قادة المجلس العسكري، إلا أن الحركة كسّبت احترام وتقدير الشارع الفلسطيني، بعد أن استطاعت الصمود والثبات، والحصول على الحد الأدنى من المطالب خلال مفاوضات وقف إطلاق النار. خسر الجهاد أفراد وقيادات لكنه كسب تأييد الشارع الفلسطيني، بعد ما أصبح المتحدث الأول عن برنامج ومشروع المقاومة، وهو المشروع والبرنامج الذي حصلت من خلاله حركة حماس تأييد الشارع الفلسطيني خلال الانتخابات التشريعية عام 2006.
حماس وجول التصعيد من منظور الربح والخسارة
منذ معركة مايو 2021 لم تدخل حماس على خط المواجهة مع إسرائيل مفضلة التركيز على العمل السياسي الذي يخدم سلطة الحركة في غزة، ويسمح لها بالحصول على الشرعية الدولية والإقليمية، باعتبارها لاعب سياسي رئيسي في المعادلة الداخلية الفلسطينية، مما يعطي مؤشرًا على حجم التحولات السياسية التي تمر فيها حركة حماس، بعد طرحها وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي عبرت فيها الحركة عن واقعية سياسية، عبر تلميح الحركة بالقبول المشروط لفكرة الدولة على حدود عام 1967، كإطار عمل سياسي تستطيع من خلاله تجاوز القطيعة الدولية والممانعة الإسرائيلية للتعامل معها باعتبارها رأس هرم النظام السياسي الفلسطيني، خاصة في مرحلة ما بعد الرئيس عباس.
لم تشّارك حماس في الرد على جريمة اغتيال الشهيد بهاء أبو العطاء، ولم تشّارك في معركة أغسطس 2022 العام الماضي، ولم تشّارك في الرد على جريمة اغتيال الأسير خضر عدنان، ولم تشارك أيضًا في معركة مايو 2023 الأخيرة؛ لكنها وفرت الغطاء الوطني والثوري لحركة الجهاد الإسلامي بالرد على جريمة اغتيال قادة سرايا القدس، رغم أن الحركة لم تعد ترى في جبهة غزة ساحة للعمل المقاوم، بقدر ما باتت ترى فيها ساحة للتنظير للفعل المقاوم المنطلق من الضفة الغربية، نظرًا للتحديات التي بات يفرضها العمل المقاوم المنطلق من غزة على البنية التحتية والوضع الإنساني، في ظل إصرار إسرائيلي على تدمير البنية التحية المدنية والأمنية في أي جولة تصعيد.
عدم دخول حماس على خط المواجهة مع إسرائيل خلال جولات التصعيد الأخيرة، كان له تداعيات سياسية وشعبية؛ كما كان له مكاسب سياسية دولية وإقليمية. فخلال جولة التصعيد بدأت العلاقة القوية التي كانت تربط حماس بالجهاد يسودها الكثير من الفتور والتوتر، بسبب تكرار تخلي حماس عن مشاركة الجهاد جهود الرد على جرائم الاحتلال والتي كان اخرها اغتيال الأسير خضر عدنان، وقادة سرايا القدس في غزة.
من ضمن التداعيات المتوقعة لهذه الجولة على حركة حماس هو تراجع التأييد الشعبي للحركة في صفوف الشارع الفلسطيني، بعد تصدر حركة الجهاد وسرايا القدس مشروع المقاومة من غزة، فخلال السنوات الماضية كانت حماس تعدّ نفسّها المتحدث الأول والرئيسي لمشروع وبرنامج المقاومة، وتراجع الحركة المتكرر عن المشاركة في الفعل المقاوم وتصدر الجهاد سوف يؤثر على مكانة حماس في الشارع الفلسطيني. كما يمكن أن تؤثر جولة التصعيد على وضعية الحركة في محور المقاومة ( المحور الإيراني)، خاصة أن هذا المحور يمر بفترة توتر مرتفعة مع الولايات المتحدة وإسرائيل في سورية والعراق ولبنان، وعدم دخول الحركة المتكرر على خط المواجهة قد يعيد فتح الحديث عن وضعية الحركة في هذا المحور؟

نتنياهو وجولة التصعيد من منظور الربح والخسارة
يمكن اعتبار هذه الجولة من التصعيد (جولة نتنياهو)، أو جولة مد عمر حكومة نتنياهو وبقائه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية لشهور قادمة، في ظل بروز مؤشرات عديدة على قرب تصدع هذه الحكومة، نتيجة الخلافات التي برزت بينه وبين حلفائه في الائتلاف الحكومي، حول العديد من القضايا، وخاصة آلية التعامل مع ملف غزة.
دخل نتنياهو هذه الجولة بقوة من خلال العودة لسياسة الاغتيالات على أمل توجيه ضربة نوعية وسريعة للجهاد والخروج الآمن والسريع عبر الوسطاء الدوليين والإقليميين، في محاولة لتوحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي تصدعت كثيرًا نتيجة محاولته تغير الجهاز القضائي، وتوحيد صفوف حكومته، لكن إطالة أمد المعركة - لمدة خمسة أيام- ساهم في تأكل الأهداف التي حققها نتنياهو من عملية الاغتيال بعد نجاح سرايا القدس ضرب العمق الإسرائيلي بقوة والوصول لتل أبيب والمدن الكبرى.
لم يحقق نتنياهو الكثير من الأهداف من جولة التصعيد، صحيح استطاع تأخير تصدع ائتلافه الحكومي، لكنه فشل في تحقيق أي إنجازات سياسية في ظل عودة الانقسام للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبروز مظاهر جديدة لتصدع حكومته.
خلاصة القول: رغم الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف سرايا القدس، إلا أنّ حركة الجّهاد استطاعت تحقيق نصر سياسي وعسكري معنوي بصمودها والتفاف الحاضنة الشعبية الفلسطينية والعربية حولها، وضرب العمق الإسرائيلي، بينما ساهم عدم دخول حماس على خط المواجهة في مزيد من انكشاف حماس على المستوي السياسي والإعلامي، وأعاد التذكير بالتحولات الاستراتيجية التي تمر فيها الحركة في الوقت الحالي، عبر تفضيلها العمل السياسي، نتيجة إكراهات الواقع المحلي والإقليمي والدولي، في حين أن نتنياهو لم يحقق أي أهداف سياسية داخلية، سواء بتوحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية أو ترميم ائتلافه الحكومي، بسبب إطالة زمن المعركة ونجاح السرايا في ضرب العمق الإسرائيلي بقوة.