ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث حول سؤال مدرس بني سويف وما سببه من سخط لدي الطلاب وذويهم، وعلى أثره تم تشكيل لجنة للتحقيق معه، لنفترض جدلاً أن مدرس بني سويف أمام لجنة التحقيق المشكلة له إستعان بشيء من المكر والدهاء طالباً شهادة إسماعيل صبري باشا، وكي لا يختلط الأمر على لجنة التحقيق فالمقصود هنا إسماعيل صبري الكبير وليس الصغير، حيث الكبير رافق أحمد شوقي وحافظ إبراهيم فيما الصغير جاء بعده بعقود وإكتفى بالشعر الغنائي ولم يقترب من تلك المكانة في الشعر التي وصل إليها الكبير ورافق بها الكبار، خاصة أن طلب شهادة إسماعيل صبري باشا في الواقعة له ما يبرره، حيث تدرج الباشا في السلك القضائي حتى وصل إلى مقعد النائب العام ومن بعده وكيلاً للحقانية "العدل"، وبالتالي يستعين المدرس بقامة قانونية صقلتها التجربة وزينتها الفراسة، فحين كان قاضياً مثل أمامه احد المتهمين معترفاً بإرتكابه للجريمة موضوع القضية، وأثناء المداولة لهيئة المحكمة قال القاضي إسماعيل لزملائه: لا أرى في هذا الرجل من الشجاعة ما يجعله يعترف على جريمة تودى به للتهلكة، وحين عادت هيئة المحكمة سأل الرجل إن كان يدرك أن إعترافه سيقوده إلى حبل المشنقة، إنتفض الرجل قائلاً: لم يخبرني العمدة بذلك حين أعطاني جنيهين نظير إعترافي بجريمة كنت وقت وقوعها في السجن، ولعل الأهم من فراسته وبراعته القانونية أن أداة الجريمة التي إرتكبها المدرس هي ملك إسماعيل صبري.
أما أداة الجريمة فهي بيت شعر للشاعر الكبير إسماعيل صبري باشا، ضمنه مدرس بني سويف في إمتحان طلاب الثاني الثانوي ليقوموا بترجمته إلى اللغة الإنجليزية والذي يقول:
طرقت الباب حتى كلَّ متني ... فلما كلَّ متني كلمتني
قالت يا أسماعيل صبراً ... فقلت يا أسما عِيل صبري
كان قد نظمه الشاعر حين طرق الباب مطولاً وتأخرت أخته أسماء عن فتحه حتى ضعف عضده ولما ضعف عضده كلمته قائلة له صبراً فرد عليها أن نفذ صبره، أما التهمة التي سيمثل عليها مدرس بني سويف أمام التحقيق فهي أنه جاء ببيت شعر من الصعب فك طلاسمه وأن المدرس كان يتطلع إلى "ترند" من وراء ذلك، وبغض النظر إن كان المدرس يصبوا له أم أن الأمر لا يعدو عن كونه فلسفة "سكر زيادة"، فإن تشكيل لجنة تحقيق للمدرس منحته "ترند" ما كان للمدرس أن يحلم به.
دعونا نكمل المشهد حيث يقف إسماعيل صبري باشا للإدلاء بشهادته بناءاً على طلب المتهم، وما كان صديقاه "أحمد شوقي وحافظ إبراهيم" يدعانه يذهب دون أن يكونا برفقته، وتبدأ لجنة التحقيق بسؤال اسماعيل باشا إن كانت أداة الجريمة "بيت الشعر" ملكاً له كما يدعي المتهم، لن يفكر الباشا بالتنصل منه معتمداً على ما قاله يوماً بأنه ينظم الشعر للنسيان، ولن يرتكز على حقيقة أنه لم يجمع شعره في ديوان كما يفعل الآخرون وأن ما نشر في حياته تم خلسة من أصدقائه، وأن من قام بجمعه فعل ذلك بعد إنتقاله إلى الرفيق الأعلى بسنوات، وأخلاقه الدمثة، التي كانت تمنعه من الإحتجاب عن شخص ثقيل الظل ويتكفل صديقه حافظ إبراهيم بالإيقاع بينهما كي يخلصه منه، لا تسمح له بترك المدرس يتحمل وزر بيت شعر هو قائله، وشجاعته الأدبية تحتم عليه قول الحقيقة بأنه صاحبه ومالكه سواء دونت حكايته كتب التاريخ أم تغافلت عنها، كيف له أن يقول غير ذلك وهو الذي وافق على الإمتثال لطلب لجنة التحقيق وكان قد رفض مقابلة المندوب السامي البريطاني "اللورد كرومر" مع علمه بأن اللقاء سيكفل له رئاسة مجلس الوزراء وإكتفى بالقول لا أريد أن أكون رئيساً للحكومة وأخسر ضميري، سرد إسماعيل باشا أمام لجنة التحقيق إعترافاً ممهوراً بالقسم بأنه من قال ذلك ولا أحد سواه، وما أن غادر القاعة حتى إلتفت نحو صديقيه قائلا: كل ما أخشاه أن ينسج أحد منكما من الواقعة قصيدة طمعاً في الوصول بها إلى "ترند" يطرق به باباً لا يعرف إلى أين يفضي، ابتسم حافظ إبراهيم وقال القضية تبدأ من عند إنشغال أسماء بأعمال المطبخ ولو لم تتأخر عن فتح الباب لما وصلنا لما وصلنا له.
تعهدت إدارة تعليم بني سويف بمعالجة إشكالية السؤال كأنه لم يكن وتوزيع درجاته على باقي الأسئلة، وقد تجد لجنة التحقيق مع مدرس بني سويف ما يدفعها لإدانته سيما إن تحققت بأن الهدف من السؤال نيل شهرة ينشدها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث على الشبكة العنكبوتية، لكن في الوجه الآخر من الواقعة هناك ما يحتم علينا أن نتقدم بالشكر لمدرس بني سويف كونه فتح بسؤاله باباً نطل منه على قائد وطني وشاعر كبير لم ينصفه التاريخ وتركه عرضة للنسيان.