تغيير في المواقف الدولية تحتاج لتفعيل الحاضنة الرسمية الفلسطينية

لقطة الشاشة 2023-04-22 104708.png
حجم الخط

بقلم د إبراهيم ابراش

 

لم يعد العالم ينظر لإسرائيل ويتعامل معها كما كان الأمر في العقود الماضية وخصوصا في العقدين المواليين لقيام هذا الكيان، وبدأ التحول بعد عدوان 1967 واحتلال إسرائيل لبقية فلسطين بالإضافة الى الجولان السورية وسيناء المصرية. قبل ذاك الزمان كانت تسود الرواية اليهودية الإسرائيلية الصهيوني التي تزعم أن إسرائيل دولة وواحة للديمقراطية وتسعى للسلام ولكنها محاطة بملايين العرب المتوحشين وغير الديمقراطيين الذين يريدون رمي اليهود بالبحر وأن الفلسطينيين إرهابيون يريدون تدمير دولة إسرائيل، ومع قبول الفلسطينيين والعرب بعملية السلام واحتكامهم للشرعية الدولية ثم تنكر إسرائيل لهذه الشرعية وللاتفاقات الموقعة ومواصلة عدوانها على الفلسطينيين وخصوصا في عهد حكومات نتنياهو العنصرية خدت انزياح كبير عن الرواية الصهيونية لصالح الرواية الفلسطينية التي تقول بأن إسرائيل ككيان كولونيالي عنصري ومعاد للسلام، وأنه كان مخدوعا بالرواية الإسرائيلية.

نلمس هذا التحول في تبني الأمم المتحدة لذكرى النكبة وإحيائها في مقر الجمعية العامة و هذا تأكيد من الأمم المتحدة بأن المشكلة الفلسطينية بدأت عام 1948 وهو عام النكبة وتشريد الفلسطينيين من أرضهم وهذا التصرف من الجمعية العامة للأمم المتحدة يساعد الفلسطينيين على العودة للمطالبة بقرار التقسيم بعد فشل التسوية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338، أيضا نلمسه من خلال حملات المقاطعة الأكاديمية والرياضية والتجارية الخ للكيان الصهيوني التي تعلن عنها جامعات ومؤسسات وحتى برلمانات غربية، أيضا المظاهرات والمسيرات المؤيدة للفلسطينيين والمعادية للممارسات الصهيونية في كثير من مدن الغرب.

وفي نفس الوقت نشهد تحركات للملمة الحالة العربية تبشر بصحوة تُخرج العالم العربي من حالة الفوضى التي خططت لها واشنطن ونجحت فيها جزئيا من خلال ما يسمى الربيع العربي، والمصالحات العربية العربية، والعربية مع دول الجوار، وعودة سوريا للجامعة العربية أبرز هذه التغيرات، وحتى إن لم تكن القضية الفلسطينية على رأس أولويات قمة جدة إلا أن مجرد التئام شمل العرب وتجاوز خلافاتهم السابقة قد يفتح مجالا للاهتمام بالقضية الفلسطينية لاحقا.

هذه الصحوة والمتغيرات على المستوى العالمي يمكن إرجاعها إلى ما يلي:

1- وجود جيل جديد في الغرب تحرر من سطوة الخطاب والرواية اليهودية والصهيونية التوراتية والسياسية، كما أنه متحرر نسبيا من مواقف وسياسات دولهم، هذا الجيل أكثر انفتاحا على العالم ومتواصل مع شعوب العالم من خلال الثورة المعلوماتية وما أنجزته من تعدد لشبكات التواصل الاجتماعي.

2- سلوك وممارسات إسرائيل الإرهابية والعنصرية مع الشعب الفلسطيني، وحملات العدوان على قطاع غزة وما تنشره الفضائيات من مناظر قتل المدنيين والأطفال وهدم البيوت الخ صدمت الشعوب الغربية وحركت لدى بعضها الكامن في ضميرها وثقافتها من احترام لحقوق الإنسان ورفض العنصرية وتجربتهم السابقة مع النازية.

3- التحركات الدبلوماسية للقيادة الفلسطينية في الأمم المتحدة وخارجها وحملات المقاطعة مثل P.D.S بالإضافة الى فعاليات وأنشطة أبناء الجاليات الفلسطينية والعربية في الخارج.

4- وصول حكومات يمينية عنصرية ومتطرفة للسلطة في إسرائيل استفزت ممارساتها وتصريحاتها العنصرية ليس فقط الرأي العام في الغرب بل استفزت أيضا بعض الحكومات، مثل تصريحات وزير الأمن بنغفير وتصريحات الوزير سموترتش الذي نفى حتى وجود شعب فلسطيني.

5- تراجع الوضع الاقتصادي في غالبية دول الغرب وخصوصا في الولايات المتحدة الامريكية، والشعب في تلك البلدان يحمل المسؤولية للسياسات الخاطئة لحكوماتهم في التعامل في مجال السياسات الدولية وأنها تنفق على الحرب في أوكرانيا وعلى إسرائيل كثيرا من المال على حساب الاحتياجات الأساسية للشعوب.

أما بالنسبة للمتغيرات على الساحة العربية فتعود إلى ما يلي:

1- انكشاف مؤامرة ما يسمى الربيع العربي والدور الأمريكي والإسرائيلي في انطلاقها وتوجيه مسارها لتدمير الدول العربية.

2- ما مارسته الإدارة لأمريكية وخصوصا في عهد ترامب من سياسة الابتزاز للعرب بل وإهانة قادتهم كما تجلي في زيارة ترامب للسعودية ودول الخليج في مايو 2017.

3-وقوف واشنطن وتل أبيب موقف المتفرج على اعتداءات دول الحوار- خصوصا تركيا وإيران- على دول عربية وانتهاك سيادتها حتى تلك الصديقة للغرب مثل استهداف قوات الحوثي للسعودية وقصفها بالصواريخ.

4-زيادة الممارسات الإرهابية والعنصرية بعد الموجة الثانية من التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، وهو ما أدى لحالة غضب عند قطاع شعبي يتزايد كل يوم، وتبلور رأي عام عربي يتلمس الخطر الصهيوني وأهدافه الخطيرة في العالم العربي وليس في فلسطين وحدها وخصوصا بعد تصريحات وزراء في حكومة نتنياهو كما تم ذكره، وهذا يقلق الأنظمة ويجعلها تخشى من ردة فعل شعبية.

5- استمرار صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على المقاومة والتصدي لقطعان المستوطنين في محاولاتهم اقتحام المسجد الأقصى.

6- تلمس دول عربية بأن دول الجوار وبعض جماعات الإسلام السياسي وظفت القضية الفلسطينية لخدمة اجندتها ومشاريعها القومية مستغلة تراجع الاهتمام والدعم العربي للفلسطينيين.

هذا التحول في الرأي العام العالمي والعربي حتى وإن كان متواضعا ومعرض لانتكاسات يحتاج لتغييرات في السياسة الفلسطينية الرسمية والحزبية لتوظيف ما يجري لصالح القضية الوطنية، وللأسف فإن منظمة التحرير وبقية الفصائل الفلسطينية ما زالت تدور في حلقة مفرغة بل وتكرر نفس الشعارات والمواقف والممارسات وأحيانا بشكل أكثر رداءة، وهذا ما نلمسه من خلال:

1- غياب أي بوادر لتفعيل حوارات المصالحة أو إعادة بناء واستنهاض منظمة التحرير، حتى مبادرة الجزائر للمصالحة تم نسيانها إن لم يكن وئدت في ايامها الأولى.

2- تكريس الانقسام بشكل نهائي خصوصا بعد الحربين الأخيرين على غزة وعدم مشاركة حماس، ويبدو أن هذه الأخيرة حققت ما كانت تصبو له منذ قيامها بالانقلاب على السلطة وهو فيام كيانية إسلامية إخوانية تحكمها حماس.

3- حل الدولتين بالمنظور الفلسطيني وصل لطريق مسدود ولا يوجد في الأفق القريب إمكانية قيام دولة وحتى سلطة واحدة تجمع غزة والضفة.

4- كما أن رفع بعض الفلسطينيين لشعار الدولة الواحدة لم يعد عمليا وواقعيا لعدم التوافق عليه فلسطينيا ولا توجد معطيات تساعد على نجاحه، وفي المقابل تسعى إسرائيل وتعمل على حل الدولة الواحدة اليهودية والعنصرية.

5- بالرغم من صمود الشعب والعمليات البطولية الفردية أو التي تقوم بها كتائب جنين وعرين الأسود إلا أنه من غير المتوقع الانتصار على العدو أو حتى إجباره على الجلوس لطاولة المفاوضات، لأن هذا الشكل من المقاومة يحتاج لعنوان سياسي يوظف المقاومة في إطار مشروع سياسي وطني. ويحتاج لحاضنة شعبية وإسناد بأشكال متعددة من المقاومة في كل أماكن الشعب الفلسطيني

6- ما زالت حركة حماس تعمل خارج منظمة التحرير ولا تعترف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب ولا تخفي تطلعها للسيطرة على المنظمة أو الحلول محلها في تمثيل الشعب، كما أنها تعمل على إضعاف وإنهاء السلطة في الضفة.

7- خروج غزة من ساحة المواجهة مع العدو خصوصا بعد الجولتين الأخيرتين من المواجهة والانقسام الحاصل في جبهة المقاومة.

وأخيرا، إن لم تتحرك قيادة منظمة التحرير بسرعة وتستوعب جيدا ما يجري في العالم فسيتم تجاوز القضية الفلسطينية كقضية سياسية لحركة تحرر وطني وسيتم التعامل معها كقضية إنسانية كما كان الأمر قبل ظهور الثورة الفلسطينية منتصف الستينيات، أو تسعى دول وجماعات وتحت شعار مناصرة ودعم الحق الفلسطيني إلى صناعة قيادة ونظام سياسي فلسطيني جديد يتجاوز المنظمة وفصائلها.