المقدسيون يهاجر للعمل بالضفة المحتلة لماذا ؟

thumb (10)
حجم الخط

إن عدم توفر فرص العمل ،وارتفاع نسب البطالة ، عدا ضائقة السكن ،وغلاء ايجارات البيوت والمحال لقلتها ،إضافة لارتفاع تكاليف البناء ورسوم ترخيصها، ناهيك عن ارتفاع فواتير استهلاك الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء وأسعار المحروقات والغاز والمواصلات وغيرها، إلى جانبها رسوم وضرائب ومخالفات مضاعفة يفرضها الاحتلال على المقدسيين ،جعلهم يعانون من توفير المأكل والمسكن المناسبين ،اللذان يشكلان العنصرين الأساسيين للحياة الكريمة في أي بلد ومدينة .

كل هذا دفع العديد من العائلات المقدسية إلى الهجرة خارج المدينة ، كما نقل العديد من التجار ورجال الأعمال وكذلك المؤسسات والمنظمات مقار أعمالهم ومحالهم التجارية خارجا تهرباً من المضايقات المستمرة والملاحقات الضريبية الإسرائيلية الباهظة ،ناهيك عن عدم القدرة على منافسة الأسعار والمنتوجات الإسرائيلية داخل المدينة، إضافة الى لجوء المقدسيين للعمل خارج مدينة القدس في محافظات الضفة المحتلة عامة ومحافظة رام الله والبيرة على وجه الخصوص والقبول برواتب متدنية إذا ما قورنت بمستوى المعيشة بالقدس.

تدهور الوضع الاقتصادي العام في القدس

في ظل مخططات التهويد التي تحاصر القدس، يشهد القطاع الاقتصادي في المدينة المقدسة ظروفاً قاسية وتدهوراً يسوء يوماً بعد يوم، ولا يكتفي الاحتلال بوضع العراقيل في وجه الاقتصاد في القدس، إنما يتعدى ذلك إلى حث السياح القادمين للمدينة على عدم الشراء من الأسواق العربية في المدينة المقدسة.

فالمصادر المقدسية المطلعة على الوضع الاقتصادي في القدس بينت أن ما يحدث في القدس هو نتاج سياسات الاحتلال الذي يعمل على الحد من تزايد أعداد المقدسيين، ودفعهم الى خارج المدينة كما تزايد حالات الفقر والتراجع العام لمستويات الحياة وجفاف مصادر العيش أمام عموم المواطنين المقدسيين، وفي ظل غياب عوامل الدعم والإسناد العربية والإسلامية كما هو مطلوب ومفترض.

وبحسب المصادر فان تدهور الوضع الاقتصادي العام في القدس هو نتيجة لسياسات الاحتلال المختلفة والمتواصلة منذ عام 1967، التي أدت لإضعاف المناحي الحياتية للمواطنين المقدسيين . حيث اشارت المصادر إلى أن ما يقارب 80% من سكان المدينة، يعيشون دون خط الفقر ،وهو ما يضطرهم للبحث عن بدائل للعمل او السكن خارج المدينة لتلبية احتياجاتهم الأساسية بسهولة ويُسر وتكاليف أقل.

إغلاق المؤسسات المقدسية ومنع اإنشاء البدائل

تشير الاحصائيات الرسمية إلى أن سعي الاحتلال منذ عام 1967م على إغلاق ما يزيد عن 80 مؤسسة مقدسية ،إضافة إلى إجبار اكثر من 35 منظمة أخرى على نقل مكاتبها ونشاطاتها إلى الضفة الغربية ،مما يقلل من فرص العمل لدى المواطن المقدسي ويزيد من نسبة البطالة في صفوف الشبان بالقدس .

وفي هذا الجانب يرى الكاتب والمحلل المقدسي راسم عبيدات أن الاحتلال يسابق الزمن، ويريد القضاء على جميع مظاهر الوجود العربي الفلسطيني في المدينة المحتلة ، حيث يتم استهداف المؤسسات المقدسية التي تقدم خدماتها لأبناء القدس، وتتنوع الخدمات بين الطابع الاقتصادي ،والاجتماعي ،والتنموي ،والثقافي ،والتوعوي ،والاستشاري والقانوني والرياضي والإغاثي، واصفا الحجج والذرائع التي يستخدمها الاحتلال بالواهية  والمكررة، والتي تتمثل بصلة المؤسسات بالأحزاب والمنظمات والنشاطات "لإرهابية"، على الرغم بمعرفة الاحتلال الجيدة بنوعية وطبيعة الخدمات التي تقدمها المؤسسات المقدسية .

ومن جهته أوضح استاذ القانون الدولي حنا عيسى أن سياسة إغلاق المؤسسات في مدينة القدس يتناقض مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان وحق تقرير المصير ومن ضمنها حق الشعب الفلسطيني ممارسة حقوقه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المدينة ،مشيرا إلى أن سياسة إغلاق المؤسسات غير معزولة عن سياسات الاحتلال التي تمارس ضد المقدسيين والتي تهدف بمجملها إلى تهويد المدينة وتفريغها من سكانها وتهجيرهم خارجها .

"نقاط سوداء" ساهم في الهجرة خارج القدس

مشكلة الهجرة والعمل خارج القدس لا تقتصر على إغلاق المؤسسات وتدهور الوضع الاقتصادي بل إن الطوق والسياسات الأمنية التي يتبعها الاحتلال ضد المقدسيين تزيد من تفاقم المشكلة ولعل النقاط السوداء التي تفرض على المعتقلين الامنيين خير مثال على ذلك .

"التيك الأمني" او النقطة السوداء، هي تلك النقطة التي يضعها الاحتلال في الملف الأمني للمواطن المقدسي والتي بدورها تحرمه من ابسط حقوقه كالعمل داخل مدينة القدس سواء كموظف عند الاحتلال او كمالك لمشروع خاص .

وفي هذا السياق يقول رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث ناجح بكيرات "يسعى الاحتلال بشتى الطرق لتهجير الإنسان المقدسي لخارج حدود مدينة القدس وقد يبعده خارج حدود فلسطين أيضا في سبيل بسط سيطرته التهويدية على مدينة القدس"

ويضيف بكيرات أن النقاط السوداء التي تفرض على المقدسيين تزيد من تفاقم الأزمات والعقبات أمام العيش الكريم للمقدسي ،حيث يضطره الامر للخروج الى محافظات الضفة الغربية مجتازا حواجز الاحتلال التنكيلية بشكل يومي ومبتعدا عن عائلته طوال النهار بهدف توفير لقمة العيش ،مشيرا إلى أنه وفي كثير من الأحيان تنتقل العائلة بأكملها خارج القدس حتى تقل معاناتها في هذا الجانب .

ورغم التدهور المستمر للاقتصاد المقدسي وندرة فرص العمل وفرض سيطرة الاحتلال على مصادر الدخل إلا أن صمود المواطن المقدسي أمام كل هذه المضايقات يُرى بشكل جلي .