حول عملية الحدود المصرية وأرشيف جرائم الاحتلال

aac57ec2b3ab917b9541a226e90c25eb.jpeg
حجم الخط

بقلم مصطفى إبراهيم

 

تتزامن حادثة مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين على الحدود المصرية، مع ما تم نشره قبل أيام قليلة، أرشيف الجيش الإسرائيلي عشرات الآلاف من الوثائق المتعلقة بحرب أكتوبر أو ما يسمى يوم "الغفران"، ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بحماس كبير جميع المواد التاريخية الهامة التي تم الكشف عنها للجمهور الإسرائيلي لأول مرة.

 

وما يسود من غضب شديد وصدمة في دولة الاحتلال، وهناك إجماع على أن الثمن كبير ومؤلم بعد مقتل ثلاثة من الجنود الإسرائيليين، من بينهم مجندة تعمل في وحدة عسكرية مختلطة على الحدود في سيناء، اسمها وحدة الفهد. ووصف الجميع في دولة الاحتلال بان العملية أو حادثة إطلاق النار بانها خطيرة وصعبة ومعقدة، خاصة أن من قام بها شرطي مصري وإطلاقه النار على الجنود الإسرائيليين، التي وقعت على الحدود المصرية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بالقرب من معبر العوجا. 

 

لا تزال وسائل الاعلام والمحللين العسكريين، وغيرهم من قادة الجيش السابقين أو الحاليين،  والاسئلة والاجابات الضائعة حول العملية، والعلاقات الحساسة بين مصر وإسرائيل، والاختلاف بين الروايات المصرية والاسرائيلية، وما زالت ردود الفعل الإسرائيلية على الحادثة عنيفة من قبل السياسيين والصحافيين والمحللين، واستباق التحقيق، وتدفق كم كبير من المعلومات ونشر تفاصيل وسيناريوهات العملية التي نفذها الشرطي المصري طابعها تحريضي، وأنه كان مستعدا لتنفيذ الهجوم بخطة مسبقة تضمنت السير مسافة 5 كيلومترات في الأراضي المصرية من موقعه، وتسلق جرف والوصول بدقة إلى فتحة في السياج بمسافة 150 متراً. 

 

وكان الخوف في الجيش الإسرائيلي، أن يصل الشرطي المصري إلى المسافرين الإسرائيليين الذين يتجولون في المنطقة إذا ما تمكن من الدخول في منطقة دولة الاحتلال.

 

الاجماع اليهودي في دولة الاحتلال والغضب، واستحضار الاعلام الإسرائيلي الفشل، والعمليات التي نفذت خلال الأربعة عقود الماضية وفي مقدمتها الجندي سليمان خاطر، أحد عناصر قوات الأمن المركزي، والذي قتل 7 إسرائيليين في عام 1985، على الحدود المصرية، بالقرب من منتجع رأس برقة بمنطقة نويبع بمحافظة جنوب سيناء.

 

تعتقد دولة الاحتلال أنها دولة طبيعة في المنطقة، وانها تمتع بقيم الديمقراطية وجيشها من أكثر الجيوش أخلاقية في العالم، وأن مهمته فقط هي الحفاظ على أمن دولة الاحتلال والمستوطنين، ومن حقهم قتل الفلسطينيين والعرب وتنفيذ عمليات إرهابية، وارتكاب جرائم حرب في سياق تاريخي.

 

والفلسطينيين والعرب بنظرهم إرهابيين يهددوا أمن وسلامة اليهود المحتلين الذين أسسوا نظام فصل عنصري استعماري استيطاني محمي بالاحتلال العسكري، قام ولا زال على القتل والتهجير والمحو، وأن اليهود لا يموتوا، ولا يجب أن يمس أي منهم بأي أذى.

 

قبل أيام قليلة، نشر أرشيف الجيش الإسرائيلي عشرات الآلاف من الوثائق المتعلقة بحرب أكتوبر أو ما يسمى يوم "الغفران"، ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بحماس كبير جميع المواد التاريخية الهامة التي تم الكشف عنها للجمهور الإسرائيلي لأول مرة.

 

في الواقع، هذه الوثائق تكشف عن الجانب الخفي من طبيعة دولة الاحتلال وتاريخها الإجرامي، وهي تعبير حقيقي عن جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في مصر وسوريا. ومقتل آلاف المدنيين وإحراق مئات المنازل وتدميرها.

 

ومن بين الوثائق التي تم الكشف عنها، هناك بعض الحقائق المهمة التي يمكن من خلالها تعلم الحرب، ولكن وسائل الإعلام الإسرائيلية لن تغطيها، وإن فعلت فهي ستتناولها من زاوية بطولة الجيش الإسرائيلي وقادته.

 

ووفقا لما نشره ينيف كوقان، ناشط يهودي يساري على حسابه على تويتر بتاريخ 4/6/2023، أنه بتاريخ 10.10.73 أبلغ موشيه ديان جولدا مائير بخطة الجيش لمهاجمة "أهداف اقتصادية" (أي المدنيين) في مصر وسوريا. من الناحية العملية، كانت هذه السياسة قد بدأت بالفعل في اليوم السابق. 

 

وهذه الهجمات هي جرائم حرب وتم توثيق هذه الجريمة في الأيام التالية للحرب في جداول هجوم لسلاح الجو الإسرائيلي وتنفيذها هجمات في مدينة بورسعيد المصرية وقصفها من الجو، ووفقا لما نشر في الأرشيف أنه بين 9 و10 أكتوبر / تشرين الأول، سجلت السلطات المصرية 156 تفجيرا في منطقة بورسعيد.

 

دمر خلالها الطيران الحربي الإسرائيلي، مساكن ومساجد وكنائس ومدارس ومستشفيات. وفي 12 أكتوبر، أفاد المصريون أن عدد المدنيين الذين قتلوا نتيجة قصف القوات الجوية ارتفع إلى 500، وفي نهاية الحرب زعموا أن الآلاف قد قتلوا أو جرحوا.

 

وحسب ما ورد من الصحافي ويليام توهي في صحيفة لوس أنجلوس تايمز: أنه "لقد ولت منذ زمن بعيد أيام بورسعيد الرائعة، بشواطئها الملونة، والمقاهي الصاخبة، والمنطقة السكنية ذات الشرفات التي تذكرنا بنيو أورلينز. اختفت منذ فترة طويلة.

 

تضاءل عدد سكان المدينة، الذي بلغ حوالي 300000 نسمة. وبحسب الحاكم العسكري عبد الهديب، بقي في المدينة 50 ألف مدني. لكن ممرضة في المستشفى التي دمرت في القصف تقول إن ما بين 5000 و10000 سيكون تقديرًا مبالغًا فيه. وأنه أثناء القيادة في المدينة ترى مساجد ومآذن وأبراج ساعة متهدمة. قصفت المباني السكنية ودُمر جانب مستشفى الممرضات الفرنسيات.

 

وينقل الأرشيف عن ما حدث في تلقت سوريا من معاملة مماثلة: وانه في 9 تشرين الأول (أكتوبر)، أوضح رئيس الأركان دافيد العازر لكبار قادة الجيش الإسرائيلي خطة الأيام المقبلة: "لنبدأ في كسر سوريا، نأخذ المدن السورية الأربع غداً ندمرها. دمشق، تدمير، قصف داخل دمشق، قصف داخل، حمص، حلب والتقية.

 

وينقل عنه أنا بحاجة إلى تأثير دراماتيكي، لكي تنادي سوريا، ليصرخ أحد: "رائع - سوريا يتم تدميرها!" ربما يقول أحدهم: "توقف، أوقف النار!" لا بد لي من كسر سوريا الآن. للنزول في مدنهم الأربع - الموجة الأولى والموجة الثانية، الكهرباء، محطتي الكهرباء. قولوا لي شيئًا آخر سينكسر".

 

كما أتاح قصف سوريا في حرب يوم الغفران للجيش الإسرائيلي فرصة لإجراء تجارب مبكرة باستخدام الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية والوميض. قال ديل ديهان، مستشار السناتور كينيدي: "رأيت ما حدث في سوريا بسبب [القنابل العنقودية]. يجب منع استخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان. لقد استخدموها في دمشق، وكان ذلك مروعاً".

 

لم يشارك سلاح الجو فقط في الفظائع، وقال إيغال لافيف في "هذا العالم": "الدخان يتصاعد على طول قناة المياه العذبة، عشرات الأكواخ تحترق. الجدران مبنية من الطوب الأحمر، السقوف من القش. أكواخ الفلاحين المصريين، مساكن الفلاحين. تشاهد النيران في كل مكان.

 

لم يتم حرق منازل الفلاحين بأمر، ولكن بمبادرة من الجنود. يوجد جندي في كل مكان تقريبًا، يتألم لإعادة ممتلكات كاملة إلى مصر، ويرمي عود ثقاب مشتعل على سطح الكوخ، مما أدى إلى اشتعال النيران على الفور. الفلاحين سيعودون الى منازلهم في غضون ايام وسيجدون بقايا محترقة ".

 

"كان هناك معهد تحت الماء في مدينة السويس، عظمة المكان. قام وفد خاص من العلماء الإسرائيليين بالبحث عنه لعدة أيام، على أمل معرفة الكثير عن الحياة تحت الماء في خليج السويس. وجدوا المعهد. جميع أحواض السمك تحطمت، والأسماك التي جُمعت لسنوات عديدة، تم تدميرها بوحشية، ونُهبت المعدات الثمينة أو دمرت ببساطة ".

 

جرائم دولة الاحتلال مستمرة، في سياق تاريخي والحقيقة أن إسرائيل قتلت خلال حروبها ضد العرب والفلسطينيين ومن بينها حرب أكتوبر آلاف وربما مئات آلاف المدنيين في مصر وسوريا عن عمد، والقصف الممنهج للمدنيين، والقتل التعسفي، والتهيج، أو الترحيل القسري، من القرى خلال الحرب.

 

 وهي تمارس الدعاية بأنها ضحية، والواقع أنها ترتكب جرائم حرب وتصرخ عند قتل جنود يمارسوا الجرائم والقتل اليومي. 

 

وتوضح حقيقة دولة الاحتلال واستمرارها في ارتكاب الجرائم ليس بحق الفلسطينيين فقط، بل بحق العرب وهو يأتي في سياق طبيعة الدولة اليهودية وعقيدتها الصهيونية العسكرية القائمة على القتل والجرائم قبل قيامها، وما قامت به الصهيونية وعصاباتها في فلسطين.