متنفس غزّة الوحيد، حيث يُسارع المصطافين من المواطنين لحمل أمتعتهم وكل ما يلزم لقضاء يوم طويل على رماله، بعيداً عن حرارة الجو الملتهبة، فبعد أنَّ أعلنت الأرصاد الجوية عن كتلة حارة ستتعرض لها فلسطين هذه الأيام، حتى هرب المواطنين من منازلهم إلى شواطئ البحر لقضاء ساعات الحر الشديدة على رماله، وفي اليومين السابقين شهد الساحل الغزّي توافد الألاف من المواطنين إلى شاطئ البحر للاستجمام، وأعلنت وزارة الداخلية أنّ نصف مليون مواطن خرجوا للشاطئ لتفادي حرارة الجو الملتهبة.
يُذكر أنَّ الإجازة السنوية لطلاب المراحل الإبتدائية والإعدادية والثانوية قد بدأت، وهو الأمر الذي جعل أهلهم وذويهم يستطيعون التحرك والتنزه بحرية دون قيود التدريس والمتابعة.
على شاطئ بحر شمال قطاع غزّة، يتوزع مئات المواطنين هنا وهناك على شكل حلقات عائلية جميلة، يتسامرون ويضحكون من قلوبهم، وأطفالهم يلعبون حولهم تارةً في رمال البحر وأخرى داخل مياه البحر.
مراسلة وكالة "خبر" التقت مجموعة من المصطافين للحديث معهم عن أجواء رحلتهم البحرية، حيث عبروا عن سعادتهم الكبيرة بالتنزه على شاطئ البحر مع بدء فصل الصيف والإجازة المدرسية السنوية.
"البحر المكان الوحيد الي بنغير جو فيه"
مروان العطار، قال:" أنا أعيش في الشمال وقريبين جداً من البحر، طوال فصل الصيف نأتي للبحر أنا وعائلتي الصغيرة، لدي (كارة وحمار) وهي وسيلة نقلنا لكل مكان نُريد الذهاب إليه".
وتابع: "أين سيذهب الناس في ظل ارتفاع درجات الحرارة، والكهرباء مقطوعة عن أغلب البيوت، سوى للبحر فهو المكان الذي لا ننفق المال الكثير فيه، فأنا أشتري بطيخة وبعض المكسرات وآتي هنا لكي يستجم أطفالي ولكي أتنفس الهواء البارد".
"حيوانات بتسبح مع الناس بالبحر"
أم علاء المدهون، وهي أم لأربعة أولاد وبنتين، جاءت للبحر برفقة أبنائها الاثنين وزوجاتهم وأحفادها، لكي تشعر بالانتعاش قليلاً بعيداً عن ارتفاع الحرارة، فقالت بلغتها البسيطة: "وين الناس بدها تروح غير للبحر، معنا مصاري أو ما معنا بنيجي على البحر، بنتمشى أنا أولادي وأحفادي ساعات العصرية، وبنقعد على البحر نغير جو، بننبسط وبنغير جو وبنروح".
وبسؤالها عما إذا كانت هناك أيّ ظواهر سلبية على الشاطئ وتُريد من جهات الاختصاص النظر لها بعين الاعتبار، أجابت: "طبعاً فيه، الحيوانات من حمير وأحصنة وجّمال، بيكونوا في نص مياه البحر وسط الناس وهي بتسبح، بيكون الحمار بيسبح بالمية والطفل الصغير جنبه".
وتساءلت أم علاء: "ليه أصحاب هادي الحيوانات بدخلوها المية وسط الناس، هما مش عارفين شو المخاطر الصحية الي ممكن تنتقل للناس من حيواناتهم، ووين أصحاب القرار ووزارة الداخلية عنهم، ليه ما بيتم إصدار قرار بمنع دخول الحيوانات لمياه البحر مع الناس!".
"مظاهر خارجة عن المجتمع الغزي المحافظ"
ميسون ظاهر، تُوافق أم علاء الرأي حول وجود الحيوانات في مياه البحر وقت وجود المصطافين داخله، مُطالبةً جهات الاختصاص بوضع حد لهذا الأمر.
وعن بعض التجاوزات التي ترى أنّه يجب وضع حد لها، قالت: "وجود مجموعة من الصبية والشبان المراهقين على الشواطئ وهم يمسكون بسماعات كبيرة على أكتافهم، ويشغلون الأغاني المزعجة ويذهبون ويجيئون على رمال الشاطئ، وهم ينظرون للفتيات ويتلصصون على المصطافين وبناتهم، هذه من السلبيات الموجودة على الشاطئ والتي أتمنى أن تقوم جهات الاختصاص بملاحقتهم وردعهم عن هذه الأفعال الخارجة عن المجتمع الفلسطيني المحافظ".
ودعَّت ميسون، المواطنين إلى المحافظة على نظافة شاطئ البحر، فبعد أنّ تنتهي رحلتهم من عليه، ماذا يحدث لو وضعوا ما تبقي من طعامهم في أكياس بلاستيكية ورموها في مكان مخصص للقمامة، مُضيفةً: "لو كل واحد منهم انتبه على نظافة المكان الذي يجلس فيه سيكون الشاطئ نظيفاً وجميلاً".
"خالد علي" يجلس حول أسرته ومعه أخويه اللذان يتبادلان معه اللعب بورق الكوتشينة "الشدة"، ويتناولون أكواب القهوة والمسليات، قال لمراسلة "خبر": "نحن ننتظر الصيف بفارغ الصبر، لنُروِّح عن أنفسنا بعد أيام من التعب والدراسة مع أولادنا، وبعد الانتهاء من العمل وبالتحديد يوم العطلة وهو اليوم الوحيد الذي أستطيع فيه أنّ أتي بأسرتي وأخوتي إلى هنا لنلعب ونستجم ونفرح ونتنفس الهواء البارد والنقي، حقا أنا سعيد".
"كان طقينا وفقعنا من زمان"
عماد وهو شقيق خالد، يُقاطعه ممازحاً: "دخيلك هو في مكان نروح عليه ببلاش غير البحر، ونقعد فيه متل ما بدنا إن شاء الله نضل فيه لثاني يوم، الله لا يحرمنا من هالنعمة الحلوة، في بلاد ومناطق نفسها يكون عندها بحر، وغزة المحاصرة من كل النواحي لو كان ما في عندنا بحر كان طقينا وفقعنا من زمان، لا كهرباء ولا مكان بارد نروح عليه غير هالمكان، وبيوتنا متل العلب زي النار بالصيف".
أما السيدة تغريد، غقالت:" لا يوجد مكان لنذهب له سوى البحر والمتنزهات العامة، وأولادي ملوا من الذهاب إليها، واليوم جئت بهم إلى البحر لكي يلعبوا ويقضوا أوقاتاً سعيدة على رمال البحر".
وأضافت: "آتي فقط للجلوس على شاطئ البحر، ولا أسمح لأبنائي بالدخول والسباحة في البحر، فبدل أنّ أجلس في إحدى المتنزهات العامة التي تفتقد لكل مقومات المتنزهات العامة، آتي إلى هنا لأتنفس هواءً نقياً ونظيفاً".
على شاطئ البحر هنا رجال ونساء وأطفال يلهون ويلعبون وسط المياه وصافرات رجال الإنقاذ تعلو بين الحين والآخر محذرين الناس بضرورة الابتعاد عن الشاطئ حفاظاً على سلامتهم.
"مستعدون للمحافظة على سلامة المصطافين"
المنقذ تحسين، يقول عن بداية موسم الاصطياف واستعدادهم للحفاظ على مَنْ يسبحون في البحر ومساعدتهم إن احتاجوا لأيّ مساعدة ومدى تجاوب الناس مع ارشاداتهم، يقول: "بدأ موسم الاصطياف مبكراً في غزّة، ونحن تم تدريبنا وتجهيزنا مبكراً لنتعامل مع كل الظروف، والحمد لله حتى اللحظة لم تُسجل أيّ حالات غرق للمواطنين رغم أنَّ بعضهم لا يتجاوب مع نداءاتنا وارشاداتنا، فطوال الوقت ننادي على أطفالهم بالابتعاد عن بعض المناطق التي يُمكن أنّ تُشكل خطراً عليهم، ولكِنهم لا يستمعون لنداءاتنا، حتى أنّه خلال الأسبوع الماضي كاد مجموعة من الصبية والأطفال أنّ يغرقوا بعد أنّ ابتعدوا عن المكان المسموح به للسباحة، وبفضل الله استطعنا إنقاذهم وإعادتهم إلى الشاطئ".
وعن أيام موجة الحر التي تعرضت لها غزّة والاكتظاظ الكبير على الشاطئ، قال تحسين: "كان يوماً شاقاً ومُرهقاً، فأعداد الناس كان مهولًا ما تطلب منا مزيداً من الانتباه أنا وزملائي حتى ساعات المساء".
وفي ختام حديثه وجّه رسالة ونصيحة للمواطنين، جاء فيها: "أتمنى من المواطنين الذين لديهم أطفال يعشقون السباحة، ويتواجدون لوقت طويل داخل المياه، أنّ ينتبهوا عليهم ويُحذروهم من السباحة بعيداً عن الشاطئ، تحسباً لوجود أيّ دوامات داخل المياه والتي من الممكن أنّ تؤذيهم لا قدر الله، بالإضافة إلى أنّنا نضع على الشاطئ إشارات تُفيد بالأماكن المسموحة للسباحة والأماكن الأخرى التي تُشكل خطراً عليهم، ونتمنى لهم أوقاتاً جميلة يقضونها في المكان الوحيد الذي يُمكنهم أنّ يتنفسوا الهواء النقي فيه".